story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
افتتاحية رياضية |

سالفاتوري سكيلاتشي!

ص ص

الأجيال الجديدة لمواليد التسعينات فما فوق، والمهتمة بكرة القدم، ربما أغلبيتها لا تعرف لاعبا إيطاليًا إسمه سالفاتوري سكيلاتشي الملقب ب”طوطو”، وربما حتى الكثير من الذين عايشوا كأس العالم 1990، نسوا هذا الإسم، ونسوا أيضا أنه كان هدافا لذلك المونديال التاريخي، حتى تذكروه فجأة بعد نزول خبر وفاته أمس الأربعاء، والسبب ببساطة أنه لم يبصم على مسيرة طويلة في الملاعب حتى يتذكره الناس، بل كان مثل وميض البرق الذي يظهر في لمح البصر ثم يختفى فجأة.

المسار القصير لسالفاتوري سكيلاتشي يذَكرنا أن لِكرة القدم منطقها العجائبي أحيانا، الذي يلعب فيه الحظ وتفاصيل الصدفة لكي تصنع من لاعب عادي جدا، نجما يتحدث عنه العالم، ويشيد بدوره في تحقيق الإنجازات والبطولات، ويحمله الناس على الأكتاف بصفته البطل المنقذ، ثم بعد ذلك يعود بسرعة إلى مكانه في الظل الذي انطلق منه، ويختفي إثر مجد خاطف، بعدما يعجز عن إثباث نفسه في أندية صغيرة، ثم يصبح نسيا منسيا.

قصة الشهرة الطارئة لسكيلاتشي تبدأ عندما أعَدَّ زيكليو فيتشيني مدرب إيطاليا لائحة منتخبه المشارك في مونديال 1990 وترك مكانا فارغا للحظات الأخيرة.. قبل تسليم اللائحة إلى الفيفا وضع إسم مهاجم مغمور كان يجلس احتياطيا في نادي جوفنتوس بعدما قَدِم لتوه من القسم الثاني الذي لعب فيه ضمن صفوف نادي ميسينا المتواضع، “طوطو” إبن جزيرة صقلية كان مهاجما رابعا في ترتيب المتواجدين بعد فيالي ، كرنفالي و دونادوني و كانت صفته واضحة في معسكر ” السكوادرا أزورا “، أي بمعنى كان فقط لاعبا لإكمال اللائحة و الجلوس في أقصى مقاعد البدلاء، لا أقل ولا أكثر.

لكن المباراة الأولى للطاليان في ذلك المونديال ، استعصت عليهم شباك النمسا، جمهور الملعب الأولمبي في روما بدأ يقضم أظافر يده من التوثر أمام خصم اعتقدوه لقمة صائغة.. الدقيقة 75 و بشكل مفاجئ يأمر المدرب فيتشيني الجن الصقلي بالإحماء لتعويض كرنفالي، بمجرد دخوله المستطيل الأخضر تأتي كرة عالية من ألدو سيرينا نحو المعترك، جرى إليها بسرعته الرهيبة التي كانت نقطة تفوقه الوحيدة، ليتمركز بين المدافعين و ينقض عليها بالرأس داخل شباك الحارس النمساوي، وفوز كاد أن ينفلت من بين أيدي البلد المنظم، و على يد من؟ على يد من اعتقده الجميع مرافقا “سياحيا” لمنتخب إيطاليا، ونكرة أمام هدافين إيطاليين كبار كان يجلس بعضهم في كرسي الإحتياط.

بسرعة تحول سالفاتوري سكيلاتشي في المباريات الموالية إلى أساسي في تشكيلة زيكيلو فيتشيني، حيث لم يفلت فرصة العمر التي نزلت عليه هدية من السماء، بعدما لم يكن يراهن عليه أحد، فسجل في كل مرة كانت تنغلق فيها أبواب مرمى الخصم أما “الإسكوادرا أزورا” حتى وجد نفسه يسجل هدفه الشخصي السادس من ضربة جزاء وإيطاليا تلعب مباراة الترتيب أمام إنجلترا، ويتوج بذلك سالفاتوري سكيلاتشي هدافا لتلك الدورة التي تعتبر من أجود دورات المونديال في مستواها التقني.

بعد كأس العالم الإيطالي ذاك، عاد سكيلاتشي إلى ناديه جوفنتوس، وحاول مدربه أن يعتمده أساسيا اعتقادا منه أن هداف المونديال سيستمر في تفجير شباك الخصوم مع فريقه في “الكالشيو”، لكنه ظهر بشكل باهت في الكثير من المباريات، فانتهى به المطاف إلى أن تخلصت منه اليوفي لإنتر ميلانو حيث لم يقدر على إثبات نفسه فيه أيضا، فدخل سريعا في غياهب النسيان بعدما كان قبل سنتين بطلا قوميا في إيطاليا، وأحد هدافيها التاريخيين.

هي هكذا كرة القدم تفرض اختياراتها الغرائبية على الجميع، فتأخذ لاعبا مغمورا مثله يوجدون بالآلاف عبر العالم، فتصنع منه بطلا وتُدخله التاريخ، فيما تمارس “حݣرتها” على مواهب عظيمة وشخصيات كروية فذة، تقضي جل سنوات مشوارها الرياضي الطويل في البحث عن ربع فرصة لتفوز بلقب أو جائزة ما.. لكن بدون جدوى.