ماذا بعد بونو والمحمدي ؟
شاهدت شريط فيديو يروج في مواقع التواصل الإجتماعي لفتى ما بين 12 و15 سنة، داخل ملعب مترب في إحدى مناطق المغرب العميق، وهو يقف حارسا للمرمى بين “خشبات ثلاث” ورفاقه يمطرونه بقذفات من بعيد، يتصدى لها ببراعة الحراس العالميين.
فتى لو شاهده أي متفرج عادي في كرة القدم، سيثير انتباهه بنيته الجسدية الرياضية، وطوله البادي للعيان، وكيف يتصدى للكرة بكلتا ذراعيه في الإتجاهين بنفس البراعة، وكيف يتحرك في المرمى خطوات إلى الأمام قبل التصدي، وكيف يتوفر على خفة النهوض بعد الإرتماء… باختصار وكأنك تشاهد تحركات حارس يراكم سنوات طويلة داخل أحد الأندية الكبيرة، وليس طفلا في مقتبل العمر لازال يبدي موهبته فوق “الحمري” في منطقة نائية.
هو واحد من ضمن آلاف الأطفال الموهوبين في كرة القدم، المنتشرين في الأحياء الهامشية في مدن وقرى المغرب الآخر الذي لازال يصارع الزمن من أجل الإلتصاق بركب التنمية، أطفال نستبشر خيرا بمشروع التكوين الذي تم توقيعه مؤخرا بين جامعة الكرة ومكتب الفوسفاط من أجل أن يصنع من هذه المواهب المنتشرة بكثرة، لاعبين من مستوى عال ونجوما يفيدون الأندية والمنتخب الوطني ويشكلون للبلاد مصدرا آخر للعملة الصعبة بعد بيعهم للأندية العالمية مثلما يحدث في البرازيل والأرجنتين.
الطفل الموهوب في حراسة المرمى ذهب بي بعيدا إلى ملاحظة قلّما يذكرها أحد اليوم فيما يتعلق بالمنتخب الوطني الأول، وهو السؤال عن مستقبل مرماه بعد اعتزال ياسين بونو (33سنة) ومنير المحمدي (35 سنة) وهل لدينا حراس في مثل مستواهم العالي يبعثون الأمان والإطمئنان ويحضون بنفس ثقة المغاربة في حارسيهم الحاليين؟
بالصراحة اللازمة، ودون التنقيص من قيمة الحراس المغاربة (من غير بونو والمحمدي)، الذين يترددون على مركز الحارس الثالث في المنتخب الأول، أو الأولمبي أو حتى في باقي المنتخبات السنية، فيبدو أننا لا نتوفر على بديلين من المستوى العالي، وأن تواجد حارسين كبيرين في منتخبنا الوطني أنسانا أن الضرورة البيولوجية ستدفعهما للإعتزال قريبا وسنجد أنفسنا مرة أخرى أمام نقطة ضعف كارثية لا قدر الله.
في تاريخنا الكروي لدينا فترة فراغ طويلة في حراسة مرمى المنتخب الوطني، فمنذ اعتزال بادو الزاكي وبعده خليل عزمي، قضينا سنوات طويلة جدا نبدل ونغير في أسماء الحراس علنا نجد من يعيد لنا الإطمئنان الذي كان لدينا على المرمى الوطنية، والجميع لازال يتذكر كيف ضاعت علينا ألقاب قارية وإنجازات عالمية بسبب أخطاء فادحة لحراس المرمى (بنزكري في مونديال 1998 وفوهامي في كأس إفريقيا 2004)، دون الحديث عن هزائم كبيرة في إفريقيا كان المتسبب الأول فيها حراس لم يكونوا في مستوى الفريق الوطني.
الأمم الكروية التي تشتغل وفق الإستراتيجيات المدروسة، لا تنتظر اعتزال حارسين اقتربا من 35 سنة، لتبدأ في البحث عن بديل لهما “عليك يا مولانا”، بل تبدأ ذلك بشكل مبكر جدا، والدليل أن أي منتخب يفكر في الإستمرارية تجد لديه الحارس الثالث للمنتخب الأول من فئة الشبان أي أقل من عشرين سنة، حتى يتمرس ويستفيد طيلة سنوات من تجربة وكفاءة الحارسين الأول والثاني ويصبح جاهزا لخلافتهما بعد أن يعتزلا وتمر الأمور بسلاسة.
نحن في الوقت الذي كان علينا أن نبحث عن حارس موهوب صغير السن، وندفع به إلى الإحتكاك كحارس ثالث بياسين بونو ومنير المحمدي، كنا نضع معهما حارسا أكبر منهما سنا (أنس الزنيتي) ، أو حُراسا يدرك الجميع ألا موهبة لهم في المرمى، وأن أفق تطورهم محدود جدا.
الآن بقي علينا أن نوجه عيوننا إلى أوربا مرة أخرى، عل وعسى أن يخرج من أصلاب جاليتنا فيها ومن أكاديمياتها حارس مغربي يعوض لنا ياسين بونو ومنير المحمدي، بعد أن “فاتنا القطار” داخل المغرب من أن نصنعه بأيدينا ونخطط لتدرجه شيئا فشيئا حتى يأخذ المشعل ويتولى المهمة بدون مشاكل.