البحث عن مدافع أيسر !
البداية المبهرة التي وقعها لاعبنا الدولي نصير مزراوي مع العريق الإنجليزي مانشستر يونايتد في مركز الظهير الأيمن، فتحت من جديد نقاشا لدينا في المغرب حول توظيف “الحاج” في غير مركزه الذي يشغله ظهير أيمن عالمي آخر الذي هو أشرف حكيمي في المنتخب الوطني، وإشكالية الظهير الأيسر الذي نعاني منه منذ سنوات طويلة من عدم وجود من يشغل هذا المركز بالتخصص وبالطلاقة المطلوبة، وأيضا بكل الإضافة الهجومية التي نراها في أي رقم 3 حقيقي.
فمنذ اعتزال طيب الذكر عبد الكريم الحضريوي في بداية هذه الألفية، لم تعرف كرة القدم الوطنية بروز مدافع أيسر بالفطرة يبعث الأمان والإطمئنان على تلك الجهة من الدفاع. فرغم تعاقب الأجيال والمدربين وتجريب عدد كبير من “الݣوشيين” و “اليمنيين” و إحالة بعض لاعبي وسط الميدان إلى ذلك المركز ، استمر “الواد” الذي تسبب للمنتخب الوطني في كثير من الهزائم المقرفة.
جربنا أكثر من عشر لاعبين في الجهة اليسرى لدفاع المنتخب الأول، ولا أحد استطاع إقناع الجمهور المغربي ونيل ثقة الناخب الوطني، ومنذ عشرين سنة أو يزيد، ونحن أول ما نناقش في أسباب الهزيمة أو الإقصاء، هو الضعف في مركز “الطروا” وأنه كان على المدرب أن يقحم فلان مكان فلان، أو أن اللاعب الفلاني لا يصلح أساسيا، والآخر لا يعطي الإضافة الهجومية اللازمة في مركزه كظهير أيسر.
المدربون المتعاقبون على المنتخب الوطني، جربوا بلا نتيجة طوال هذه المدة في الجهة اليسرى للدفاع كل من (إذا أسعفتني الذاكرة) أكرم الروماني، بدر القادوري، نور الدين قاسمي، هشام المحدوفي، حسين خرجة، أشرف لزعر، حمزة منديل، سفيان الكرواني، آدم ماسينا، أشرف حكيمي، نصير مزراوي، محمد الشيبي، يحيى عطية الله… ولا أحد من هؤلاء استطاع أن يحل المشكل العويص، وينسينا قليلا في عبد الكريم الحضريوي، ويستمر في المركز ولو ربع المدة التي قضاها إبن تازة “طالع نازل” بكفاءة في المركز المعلوم.
غياب مدافع أيسر حقيقي طيلة هذه السنوات، يلخص عدم جدوى سياسة النوم وانتظار الأكاديميات الأوروبية كي تصنع لنا اللاعبين من أبناء الجالية وتهديها لفريقنا الوطني، وعجز الأندية الوطنية بكل “هيلالتها”، وبكل الملايير من الدراهم التي صرفتها طيلة عقدين من الزمان عن منح منتخب البلاد لاعبا واحدا يعفينا من وجع الرأس الذي يأتي من مركز “خارج علينا” في كل مرة وحين.
في البلدان التي تتوفر على سياسة كروية حقيقية ومهيكلة بشكل احترافي، عندما يقترب لاعب متميز عمّر لسنوات طويلة مع المنتخب، تبدأ إدارتها التقنية الوطنية في البحث عن خليفته بشكل مبكر، ويتدارس أطرها أسماء اللاعبين المرشحين لشغل المركز مستقبلا وهم في فئات الفتيان والشبان، ويواكبونهم في أنديتهم بالعناية والتشجيع وإصلاح الهفوات وتطوير مقوماتهم البدنية والتكتيكية والذهنية حتى يحصلوا على البديل بسرعة ويتم انتقال المركز المعني إلى اللاعب الجديد بسلاسة مدروسة.
بعد كأس إفريقيا للأمم الأخيرة عاد الجميع للحديث مجددا عن ضرورة البحث عن مدافع أيسر للمنتخب الوطني، بعدما لعبنا بثلاثة أسماء في نفس المركز خلال أربع مباريات، وبدأ الكثيرون يطالبون الآن بتجريب أولادنا “الأوروبيين” الصاعدين كيوسف الخديم من ريال مدريد، وآدم أزنو من باييرن ميونيخ، لعل وعسى إما “يزدق” أحد منهم هذه المرة، وإما قد نكون في الأخير فقط أمام تكرار فاشل لمسلسل بحث البلاد الممتلئة بالمواهب الكروية عن لاعب واحد قادر على اللعب بشكل سليم في مركز بفريقها الوطني.
حالة غياب مدافع أيسر حقيقي وسط هذا العدد الكبير من أبناء الجالية البارزين في الأندية الأوربية، يمكن أن يحدث مستقبلا في كثير من المراكز، أو في أغلبها أيضا، لأنه لا أحد يضمن أن الأجيال التي سيلدها مغاربة العالم ستلعب كرة القدم أصلا، والذي يريد ضمان التوفر على “الكوايرية” باستمرار لفريقه الوطني، عليه أن يصنعهم بيده داخل بلاده.