المغاربة يغرقون القضاء بدعاوى الطلاق وطلبات الزواج بالقاصرات
على الرغم من إحراز مدونة الأسرة طفرة نوعية وتقدما كبيرا في تحقيق الالتحام الأسري ورأب الصدع الذي قد ينبثق عن الزواج، فإن الممارسة المهنية والتطبيق العملي لبعض مقتضياتها على مدى 18 سنة، أظهر أن ما حمله بعض من أحكامها لم يعد يتلاءم مع وتيرة التطور المجتمعي، مثلما لاحظ المجلس الأعلى للسلطة القضائية، بالتزامن مع انطلاق ورش إصلاح المدونة.
المجلس الأعلى للسلطة القضائية أصدر تقريرا حول القضاء الأسري في المغرب، تمت الاستعانة في إعداده بمعطيات وإحصائيات تهم أقسام قضاء الأسرة خلال الفترة الممتدة من 2017 التي شهدت تنصيب المجلس المذكور إلى غاية متم سنة 2021، وذلك على مستوى غالبية المحاكم الابتدائية، وعددها 72 محكمة، أي بما يقارب 99 في المائة من مجموع المحاكم الابتدائية التي تبت في قضايا الأسرة.
وتشكل قضايا الأسرة نسبة مهمة من القضايا المدنية المسجلة سنويا بمحاكم المملكة، حيث بلغ عدد القضايا المدنية المسجلة بالمحاكم الابتدائية التي شملها التقرير ما بين سنتي 2017 و2021 ما يتجاوز الخمسة ملايين ونصف قضية مدنية، تمثل منها قضايا الأسرة لوحدها 40.41 في المائة منها، بعدد يصل إلى مليونين و287 ألف و252 قضية.
التقرير الذي يبسط كل المعطيات المرتبطة بقضايا الأسرة، ومنها القضايا الخلافية في النقاش حول تعديل مدونة الأسرة، يظهر أن المغاربة يقبلون على الطلاق بشكل كبير، حيث أن كل طلبي زواج يقابلهم طلب طلاق، كما يظهر أن أكبر القضايا الخلافية بين الأزواج بعد الطلاق هي النفقة، مقابل نسبة أقل بكثير لقضايا الحضانة أو صلة الرحم، وسط استمرار منح القضاة لرخص تسمح بتزويج القاصرات وتعدد الزوجات.
11 ألف زوجة قاصر كل سنة
يرصد التقرير أن طلبات الإذن بتوثيق الزواج المقدمة للمحاكم تناهز مليون و179 ألف و232 طلبا ما بين سنة 2017 و2021، تجاوزت الربع مليون في سنة 2021 وحدها، ثم يقف مطولا عند ظاهرة زواج القاصرات التي تشكل واحدة من النقاط الحارقة في نقاش تعديل مدونة الأسرة، ليقر بأن المحاكم المغربية، سمحت بتزويج ما معدله 11 ألف فتاة قاصر في السنوات الخمس التي شملها التقرير، وسط إقبال لا زال كبيرا عن الزواج بالفتيات ما دون سن 18 سنة.
المشرع المغربي وفي مدونة الأسرة، حدد سن الأهلية للزواج في 18 سنة، إلا أنه سمح استثناء بتزويج القاصر، وأخضعهم للمراقبة القضائية، كما هو الحال بالنسبة لتعدد الزوجات وزواج معتنقي الإسلام والأجانب وزواج المصاب بإعاقة ذهنية، غير أن المحاكم عرفت تسجيل 128 ألف و391 طلب اذن بزواج من قاصر، خلال الفترة ما بين 2017 و2021 بمعدل سنوي قدره 25 678 طلبا،
لتناهز نسبة طلبات زواج القاصر المقدمة إلى المحاكم خلال السنوات الخمس موضوع التقرير 10.88 في المائة من مجموع طلبات الاذن بالزواج، وهي طلبات قبلت المحكمة نسبة مهمة منها، وصلت إلى 46 في المائة، ليتم كل سنة السماح بتزويج 11812.
العدد الكبير بالقاصرات اللواتي يسمح القضاء بتزويجهن، لا يعكس بالضرورة العدد الحقيقي لزيجات القاصرين، باعتبار أن بعض الزيجات قد تتم دون توثيقها أو تقديم طلبات بشأنها للمحاكم، في وقت كانت قد أرجعت دراسة سابقة للنيابة العامة هذا الزواج لأسباب اجتماعية واقتصادية وعوامل ثقافية وعدم الاستقرار الأسري.
وحسب تقرير السلطة القضائية، فإن غالبية حالات زواج القاصر قد همت الفئة العمرية التي تتجاوز 17 سنة، غير أن القضاء وحسب ذات التقرير، أذن في حالة واحدة، بجواز قاصر، عمرها يقل عن 15 سنة.
ثبوت الزوجية للتحايل على منع تعدد الزوجات
تراجع ملحوظ عرفته دعاوى ثبوت الزوجية بعد انصرام الأجل القانوني المتعلق بتطبيق المادة المتعلقة بها من مدونة الأسرة، إلا أنها لم تنته بشكل نهائي حيث عرفت المحاكم استمرار تسجيل هذا النوع من الطلبات، مما يدل على أن الزيجات التي تمت خارج إطار الإجراءات الشكلية المتطلبة قانونا لم توثق كلها خلال الفترة الانتقالية، كما أن الزواج غير الموثق طبقا للقانون ما زال مستمرا في المجتمع، على الرغم من تراجع كبير في الظاهرة من 13 ألف حالة سنة 2017 إلى 769 سنة 2021.
وعن أسباب لجوء الأزواج لمسطرة ثبوت الزوجية، يرصد التقرير وجود موانع حالت دون توثيق عقد الزواج منها عدم التوفر على الوثائق اللازمة ووجود خلافات عائلية ومعارضة الزواج من طرف الأهل، غير أنه يقف كذلك عند التحايل على بعض المساطر القانونية، حيث أبان الواقع عن استغلال بعض المتقاضين لهذه المساطر من أجل إضفاء الشرعية على علاقات مخالفة للقانون من قبيل زواج القاصر والتعدد اللذان لم تتوفر شروطهما القانونية.
ويعلل القضاة قبولهم لطلبات ثبوت الزوجية، لوجود اعتبارات ترتبط بوجود حمل أو أبناء، حيث أن الأحكام المقبولة في هذا لإطار تصل إلى 259 حكما، 60 في المائة منها حفاظا على حقوق الأبناء و27 في المائة نظرا لوجود حمل.
20 ألف طلب للتعدد في خمس سنوات
نصت مدونة الأسرة على منع التعدد إذا خيف عدم العدل بين الزوجات أو في حالة وجود شرط من الزوجة بعدم التزوج عليها، وجعلت الإذن بالتعدد مقرونا بضمانات وشروط ونصت على ضرورة إثبات الزوج لوجود مبرر موضوعي استثنائي للتعدد مع توفره على الموارد الكافية لإعالة أسرتين، وتظهر الإحصائيات نسبة مهمة من الزيجات في إطار التعدد، عقدها المغارية خلال السنوات التي شملها التقرير.
وفي هذا الإطار، تم تسجيل ما مجموعه 20000 طلب للإذن بالتعدد بين سنتي 2017 و2021، قدم أكبر عدد منها سنة 2021، بما يصل إلى 4854 طلب، قبل 38 في المائة منها.
وتعود الأسباب التي يستند عليها المغاربة لتقديم طلب الزواج من امرأة ثانية، إلى عدم قدرة الزوجة على الإنجاب والوضعية الصحية للزوجة ورفض الزوجة المقيمة بالخارج الالتحاق ببيت الزوجية المعد لها بالمغرب وإرجاع مطلقة بعد الزواج بأخرى حفاظا على مصلحة الأبناء، كما يلجأ إليها الأزواج لترسيم علاقة خارج إطار الزواج نتج عنها حمل وأولاد، أو فقط، لرغبة الزوج في التعدد مع موافقة الزوجة وتوفره على الإمكانيات.
أكثر من نصف مليون حالة طلاق 80 في المائة منها “شقاق”
بعد أن كان الزوج ينفرد بتوقيع الطلاق، أتاحت المدونة للزوج والزوجة على حد سواء إمكانية إنهاء العلاقة الزوجية على حد سواء إما بالطلاق أو التطليق، وأخضعت هذا الحق لمراقبة القضائية، وتظهر الأرقام لجوء المغاربة بشكل أكبر، للطلاق الاتفاقي، و تطليق الشقاق.
وسجلت المحاكم الابتدائية ما بين سنتي 2017 و2021 ما يصل إلى 588 ألف و769 حالة طلاق وتطليق، أكبر جزء منها قضايا متعلقة بتطليق الشقاق ب 421036 قضية، و123221 قضية طلاق اتفاقي، إضافة إلى باقي أنواع الطلاق والتطليق.
ويقول التقرير أن الطلاق الاتفاقي يقوم على إمكانية اتفاق الزوجين على إنهاء العلاقة الزوجية دون شروط، أو بشروط لا تتنافى مع أحكامها، ولا تضر بمصالح الأطفال، ويقدم الطرفان أو أحدهما طلب التطليق للمحكمة مرفقا بهذا الاتفاق للإذن بتوثيقه وتحاول المحكمة الإصلاح بينهما ما أمكن، فإذا تعذر أذنت بالإشهاد على الطلاق وتوثيقه، في إجراء يعد من الأكثر مرونة وسهولة، وعرف ارتفاعا مضطردا بمرور السنوات.
تنامي اللجوء للطلاق الاتفاقي في المغرب يرى فيه القضاء انعكاسا لتنامي الوعي لدى الأزواج بأهمية إنهاء العلاقة الزوجية بشكل ودي، بعد أن أثبتت التجربة مساهمته في فض النزاعات الأسرية بالحوار بين الزوجين وإنهاء العلاقة الزوجية في إطار اتفاق يرضيهما معا.
أما في حالة التطليق، فتشكل حالات التطليق الشقاق الغالبية من بين مختلف أنواع الطلاق والتطليق، حيث يتم اللجوء إليه بكثرة من طرف المتقاضين، فمن بين كل عشرة قضايا طلاق أو تطليق تعرض على المحاكم، سبعة منها تتعلق بتطليق الشقاق.
ويرجع السبب في شيوع التطليق الشقاق حسب القضاة لعدم اشتراط مسطرته إثباتا خاصا لسبب إنهاء العلاقة الزوجية، كما هو الحال بالنسبة لمساطر التطليق الأخرى كالغيبة أو العيب أو الضرر أو عدم الانفاق، كما أنه أقل كلفة من الطلاق الذي يوقعه الزوج في بعض الحالات إضافة إلى اتسامه نسبيا بالسلاسة في الإجراءات وسرعة البت فيه، كما أن القضاة قبلوا 60 في المائة من الطلبات المقدمة إليهم في هذا الصدد.
طلب طلاق مقابل كل طلبين للزواج
يرصد تقرير القضاة تطور حالات الطلاق والتطليق خلال السنوات الأخيرة، حيث سجلت سنة 2017 107 حالة طلاق، وهو رقم ارتفع إلى 131 ألف حالة في 2021.
وفي هذا الصدد، يقف التقرير عند تطور الطلاق الاتفاقي، حيث سجل ما يقارب 20 ألف حالة في 2017 وارتفعت الى 30 ألف حالة في 2021،
وفي المقارنة بين تطور طلبات الزواج مع قضايا الطلق والتطليق، يتبين أن هذه الأخيرة تعرف ارتفاعا مضطردا، بحيث تتطور على نحو متسارع، إذ تشير الإحصائيات إلى أن مقابل كل 100 طلب للإذن بتوثيق الزواج، تم تقديمه خلال الفترة ما بين سنتي 2017 و2021، يقابله رفع ما يقارب 50 دعوى طلاق وتطليق.
85 في المائة من القضايا المرتبطة بالأبناء متعلقة بالنفقة
يقف التقرير عند أرقام كبيرة للقضايا المرتبطة بالولادة ونتائجها مواضيع النسب والنفقة والحضانة وصلة الرحم، حيث سجلت المحاكم الابتدائية للمملكة حوالي 163174 قضية تتمحور حول الولادة ونتائجها، احتلت منها النفقة النصيب الأكبر بحوالي 85.40 في المائة، بينما حلت دعاوى النسب والحضانة في المرتبتين الثانية والثالثة، فيما لا يتجاوز إجمالي ما سجل في قضايا صلة الرحم 1749 قضية، أي ما يعادل 1.07 في المائة من المجموع العام كما يتبين من خلال الأرقام.
في المقابل، فيسجل التقرير عددا مهما من قضايا النسب، وهو اللحمة الشرعية بين الأب وولده تنتقل من السلف للخلف، وقد بلغ عدد القضايا المسجلة المتعلقة بالنسب على مستوى المحاكم موضوع التقرير 11802 قضية عن الفترة بين 2017 و2021 .
أما النفقة، والتي تشمل الغذاء والكسوة والعلاج وما يعتبر من الضروريات والتعليم للأولاد، علما بأنه يؤخذ بعين الاعتبار في تقدير كل ذلك التوسط ودخل الملزم بالنفقة وحال مستحقها ومستوى الأسعار والأعراف والعادات السائدة في الوسط الذي تفرض فيه، فقد بلغ عدد قضاياها بين سنتي 2017 و2021 ما يقارب 140 ألف قضية، منها ما يقارب 30 ألف في سنة 2021 .
بخلاف ذلك، فإن قضايا الحضانة، والمقصود بها حفظ الولد مما يضره والقيام بتربيته وحفظ مصالحه، إلى حين بلوغ سن الرشد، فقد بلغ عدد قضايا في الفترة المدروسة 10285 قضية.