هانزي فليك.. الألماني الذي يريد إعادة التوهج للبارصا
ص
ص
نهاية الموسم الكروي الماضي في نادي برشلونة لم تكن تشبه نهايات المواسم التي قبلها، حيث كانت “البارصا” مع مدربها تشافي هيرنانديز تلعب على أحد الألقاب حتى آخر رمق وتفوز بأحدها رغم كل الإكراهات والوضع المالي والتقني السيء للنادي.
فبعدما تأكد للجميع في كطالونيا أن فريقهم “القومي” سيخرج صفر اليدين من أي لقب، إنقسمت إدارة النادي بين مُطالب بالإستمرار لموسم آخر مع تشافي هيرنانديز، وبين مُطالب بإنهاء عقده والبحث عن مدرب جديد ليبدأ مرحلة جديدة.
الرئيس جوان لابورطا كان يعرف صعوبة استقدام مدرب عالمي من الصف الأول، نظرا لعدم قدرة خزينة النادي شبه المفلسة على أجور عالية جديدة، لذلك قرر تجديد الثقة في إبن البارصا تشافي لموسم آخر رغم معارضة أعضاء نافذين في الإدارة بحجة أنه لم يعد لديه ما يقدمه بعد أن حملوه مسؤولية الكثير من الهزائم وعددوا أخطاءه التقنية فيها.
الذي حدث بعد أيام قليلة من منح الثقة الجديدة لتشافي، هو أنه خلال ندوة صحفية تحدث بوضوح عن الوضع المالي المتأزم للنادي وعدم قدرته على القيام بانتذابات جديدة يعزز بها تشكيلته خلال الموسم المقبل، وألمح بوضوح أن البارصا يصعب عليها المنافسة على الألقاب بالتركيبة البشرية الحالية.. هذه التصريحات أغضبت الرئيس جوان لاپورطا واعتبرها إخلالا مهنيا فادحا بالشروط المتفق عليها لتجديد الثقة، فقرر الإجتماع بتشافي على عجل وأبلغه قرار إنهاء مهامه كمدرب للفريق الأول للبارصا.
بالتزامن مع ذلك كان المدير الرياضي البرتغالي ديكو بمعية اللاعب السابق للبارصا بوجان، يتفاوضان مع المدرب المقبل لبرشلونة خلال الموسم المقبل، ويتعلق الأمر بالألماني هانزي فليك الذي تردد إسمه قبل أشهر في كطالونيا بخصوص رغبته الكبيرة لتولي تدريب البارصا مستقبلا.
هانزي فليك خريج المدرسة الألمانية المعروفة بالإنضباط والصرامة والواقعية في اللعب سيكون أول مدرب ألماني يشرف على تدريب البارصا بعد مرور 41 سنة على إشراف مواطنه إيدو لاتيك في موسم 82-83.. و فليك هو واحد من الوجوه التدريبية التي أمضت سنوات طويلة في الإشتغال في الظل قبل أن تنقله الصدف إلى الأضواء والمسؤولية المباشرة على كراسي الإحتياط.
لاعب مغمور ومدرب في الظل
هانز ديتير فليك المزداد سنة 1965 بمدينة هايدلبرج بالجنوب الغربي لألمانيا بدأ انخراطه في عالم كرة القدم في طفولته متأخرا، حيث كان إنشغاله الأول في مساره الدراسي و هدفه أن يتخرج إطارا بنكيا عاليا، لذلك نال شهادته من جامعة المدينة التي هي مسقط رأسه و التي تعد الأقدم في البلاد، لكن فليك جذبته سبورات خطط كرة القدم التي تشكل إحدى دعامات تكوين الناشئين في الكرة الألمانية، في مسيرته الكروية كان لاعب وسط ميدان دفاعي لا يثير الإنتباه كثيرا رغم أنه لعب لأندية مختلفة أشهرهما كولون و باييرن ميونيخ، كان قطعة أساسية تقوم بدورها الدقيق داخل “الماكينة” التي اشتهر بها الألمان في مدرستهم التاريخية العريقة.
من 1976 إلى 1996، عشرون سنة فوق الملاعب أنهاها هانزي فليك ضمن صفوف نادي فيتوريا بامينتال الألماني، فاتجه إلى استثمار عائداته المالية في متجر عملاق للألبسة الرياضية بنفس المدينة، دوراته في التدريب أهلته ليشرف على النادي الذي ختم به مسيرته الكروية و به منح لنفسه فرصة تجربة إمكانياته في القيادة.. بعد تجربة قصيرة انتقل إلى هوفنهايم في القسم الثاني لهدف واحد و هو الصعود بالنادي إلى الدرجة الأولى، لكنه بعد أربع مواسم فشل في تحقيق ذلك و تمت إقالته، عندها اقتنع فليك بقاعدة ذهبية و هي أن “العمل في الظل يجعل الإنسان يتعلم أفضل وبلا ضغوط قبل الاستعداد للمرحلة الأهم مجددا ” كما صرح هو ذات حوار .. انطلق في تطبيق ذلك بانضمامه للعمل كمساعد للكبير الإيطالي جيوفاني تراباتوني في شتوتغارت وتعلم منه الكثير في بناء الشق الدفاعي، ثم كمنسق رياضي في ريد بول سالزبورغ التي اكتشف فيه موهبته الكبيرة في عالم الإحصائيات التقنية التي ترتكز عليها كرة القدم الحديثة في التحضير للمباريات و دراسة الخصوم.
و عندما بدأت الأضواء تسلط على فليك رجل الظل ، التقطه يورغن كلينسمان فوضعه داخل طاقمه المشرف على منتخب “المانشافت” مكلفا بدراسة لعب الخصوم وتحضير التقارير عنهم بالنقطة و الفاصلة، وهو المنصب الذي أبدع فيه مع إدارة كلينسمان وبعده جواكيم لوف، و كان مع الأخير من أكبر المساهمين بفوز المنتخب الألماني بمونديال البرازيل 2014 الذي شهد نتيجة تاريخية بدحر الألمان للبلد المضيف بسبعة أهداف كان لها وقع الذهول على بلاد الصامبا و العالم.. جواكيم لوف اعترف بذلك بعد المونديال قائلا لصحيفة بيلد الألمانية: ” شيئان مهمان تحققا في المونديال الأخير كانا بفضل عمل كبير لهانزي فليك.. نصيحة الدفع بالقائد فيليب لام إلى وسط الميدان وتقريره المفصل عن منتخب البرازيل قبل نصف النهائي”.
باييرن ميونيخ.. تألق بالصدفة
بعد مرور الأشهر الأولى على الموسم الكروي 2019-2020، خرج كارل هاينز رومينيغي الرئيس التنفيذي لنادي باييرن ميونيخ في ندوة صحفية مفاجئة وأعلن عن إقالة المدرب البولوني نيكو كوفاك من منصبه بسبب سوء النتائج و طريقة لعب الفريق السيئة و مشاكل في علاقته باللاعبين، الرئيس أضاف أنه سيبدأ جولة من المفاوضات مع مدربين عالميين للإشراف على الإدارة التقنية للنادي البافاري، وفي انتظار العثور على الإسم الكبير أوضح كارل هاينز أن المنصب سيشغله مؤقتا مساعد كوفاك هانزي فليك ذلك الرجل الصامت الذي كان يبدو في دكة البدلاء كجهاز مسح شامل لتحركات اللاعبين و تقلبات المباريات و ردود فعل مدربي الخصوم.. لقد رأى فيه مسيرو النادي عجلة احتياط فقط لإكمال طريق الباييرن نحو العطلة الشتوية و قدوم مدرب عالمي جديد .
مبارتان بعد ذلك تحت قيادة المدرب المؤقت هانزي فليك، الأولى أمام أولمبياكوس اليوناني، انتصر فيها الباييرن ب 2-0 والثانية أمام إنتراخت فرانكفورت ب 5-1.. الطريقة التي أطاح بها الفريق بخصومه خلال هاتين المباريتين تركت وقع الإبهار على جمهور الفريق البافاري ومحبيه.. فبنفس اللاعبين ونفس التركيبة البشرية مع تغييرات طفيفة، لكن بتغيير عميق في النهج التكتيكي، ظهر كأن الباييرن جاءت بفريق آخر مع فليك.. كانت 180 دقيقة من اللعب كافية ليقدم هانزي نفسه للعالم كمدرب من طينة الكبار لا يشق له غبار في “الكوتشينغ”.. الصفة التي بدأت تنقرض في قرارات كثير من الواقفين خلف خط التماس في الأندية الكبرى.
عاود رومينيغي الظهور من جديد أمام كاميرات الإعلام، وقال في تصريح مقتضب: “بدأنا المفاوضات مع ماوريشيو بوتشيتينو و ماسيمو أليݣري، لكننا توقفنا الآن بعد أن اتضح لنا أن المدرب الذي نبحث عنه يتواجد بيننا و هو هانزي فليك لذلك قررنا تثبيته في منصبه حتى عام 2023″، وأضاف مادحا: ” “خلال فترة قصيرة جعل الفريق يبدو مختلفا تماما ويلعب كرة هجومية جذابة يجعل كل لاعبيه يشعرون بالأهمية والحب”، قبل أن يؤكد إن “لاعبينا يحتاجون لذلك النوع من التعاطف وفليك يتمتع بذلك الأمر”.
ثقة إدارة باييرن ميونيخ في هانزي فليك وتثبيته كمدرب رسمي للفريق، توجت بتحقيقه لثلاثية تاريخية في موسمه الأول بعد فوزه بلقب الدوري الألماني ” البوندسليغا”، وكأس ألمانيا، ولقب كأس عصبة الأبطال الأوربية (الذي شهد فوزا تاريخيا كاسحا للباييرن في دور الربع على برشلونة ب8-2)، ويفوز بعدها بلقب كأس السوبر الألماني، وكأس أوربا الممتازة، وكأس العالم للأندية، ثم أضاف فليك لقبا آخرا للدوري الألماني خلال الموسم الثاني، قبل أن يعلن تخليه عن تدريب باييرن ميونيخ مبديا رغبته في خوض تجربة تدريب المنتخب الألماني خلفا لجواكيم لوف.
المانشافت.. تجربة فاشلة
انتقل هانزي فليك من باييرن ميونيخ إلى المنتخب الألماني بغرض إعادة بريقه التاريخي الذي افتقده خلال السنوات الأخيرة، لكن أجواء “المانشافت” وإكراهات المنصب الجديد، تسببت في خروج مذل من الدور الأول لنهائيات كأس العالم التي احتضنتها قطر سنة 2022، وأيضا خسارة كبيرة خلال مباراة ودية امام اليابان ب 4-1، الشيء الذي دفع الجامعة الألمانية في سابقة غير معهودة (تاريخيا مدربو المنتخب الألماني يستمرون طويلا في منصبهم) إلى إقالة هانزي فليك وتعويضه بمواطنه يوليان ناغلسمان، ليدخل في عطالة دامت تسعة أشهر وانتهت بقبول عرض نادي برشلونة للإشراف على إدارته التقنية خلال هذا الموسم.