story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

السنوار رئيسا لحماس .. الرسائل والدلالات

ص ص

د.عبد الحفيظ السريتي*

اختارت حركة المقاومة الإسلامية حماس يحيى السنوار خلفا للشهيد إسماعيل هنية التي اغتالته إسرائيل في مقر إقامته بطهران. ويأتي اختيار القائد السنوار، تأكيدا من الحركة على تصميمها وقوة إرادتها على الصمود والاستمرار في صد العدوان الإسرائيلي الذي تجاوز عشرة أشهر وذهب ضحيته قرابة مأتي ألف، بين جريح وشهيد. وهو رد صريح من الحركة على فشل أسلوب الاغتيالات الذي اعتادت عليه إسرائيل ويشهد عليه تاريخها الإجرامي منذ وضعت العصابات الصهيونية أقدامها على أرض فلسطين. فالهروب من الميدان إلى الاغتيال لن يفت من عضد شعب يكافح من أجل حريته واستقلاله كما لن ينقذ نتنياهو وحكومته المتطرفة من دفع استحقاقات جريمة الإبادة الجماعية التي مورست في غزة بشكل شنيع ضد الأطفال والنساء. ولا نبالغ إذا قلنا أن حركة المقاومة الإسلامية حماس باختيارها رمزا وقائدا من الداخل وملتحما بكتائب عز الدين القسام، يبعث برسائل ودلالات عديدة.

اختيار السنوار قرار مستقل

الأولى، أن الحركة حرة ومستقلة ولم يتأثر قرارها بالضغوطات الغربية وتحديدا الأمريكية التي تحمل حركة حماس مسؤولية عرقلة ما يسمى بمساعي التهدئة ووقف إطلاق النار من دون الإشارة إلى كيان الاحتلال وجرائمه البشعة التي تجاوزت أعراف وقواعد القانون الدولي الإنساني وانتهكت قرارات الشرعية الدولية. وإذا كانت الحركة تدرك أن اختيارها للسنوار خلفا لهنية، سيفاجأ الكثيرين، فإنها بذلك تؤكد على أن التضحيات الجسام التي قدمها الشعب الفلسطيني من أجل قضيته العادلة غير قابلة للمساومة وأن الحركة مستعدة لإنجاح صفقة، تضمن حقوق الشعب الفلسطيني وتحفظ كرامته.

الإدارة الأمريكية والانحياز المطلق لإسرائيل

الثانية، رسالة قوية إلى الإدارة الأمريكية التي تمارس ازدواجية صارخة. تدعو لوقف إطلاق النار قولا وتقدم السلاح الفتاك والحماية لنتنياهو وحكومته المتطرفة، فعلا وسلوكا ثابتا. وهي اللعبة التي يتقنها كلا من وزير الخارجية بلينكن الذي ملأ الدنيا ضجيجا بالحديث عن التهدئة وخفض التصعيد ووزير الدفاع هوستن الذي يسابق الزمن، استعدادا لإعادة انتشار القوات الأمريكية لحماية إسرائيل من هجمات متوقعة من إيران وحزب الله، ردا على اغتيال كل من إسماعيل هنية وفؤاد شكر أحد قادة حزب الله اللبناني.

نتنياهو يلاحقه الفشل

الثالثة، ضربة قوية لنتنياهو الذي فشل في تحقيق واحد من أهدافه العسكرية المعلنة، طيلة عدوانه على قطاع غزة. فلا استطاع استرجاع أسراه ولا تمكن من القضاء على حركة حماس التي ما تزال صامدة في الميدان، بل صعدت من ضرباتها واصطيادها لجنود الاحتلال واستهداف دباباته. والأكيد أن إجماع الحركة على يحيى السنوار خلفا لإسماعيل هنية هو تحد كبير لنتنياهو وحكومته المتطرفة ولجيشه المدجج جوا وبرا وبحرا بكل أنواع الأسلحة والمدعوم بشكل مطلق من الإدارة الأمريكية. ورغم أن السنوار، يعد واحدا من أبرز المطلوبين إلا أن كيان الاحتلال فشل في النيل منه وهو في الميدان إلى جانب المقاومين، يدير المعركة من غزة ضد الغزاة. وعليه فإن نتنياهو الذي حاول التعويض عن خيبته وفشله بعملية اغتيال القائد هنية دون أن يجرأ على إعلانها، يبدو اليوم عاجزا أمام وعيد المقاومة التي لن تسكت عن الجريمة الجبانة التي ارتكبها العدو الإسرائيلي في طهران.

الوحدة الفلسطينية مطلب عاجل

الرابعة، إلى مختلف الفصائل الفلسطينية ومنها على وجه خاص، تلك التي أعلنت عن توحيد صفوفها وإنهاء حالة الانقسام في العاصمة الصينية بيجين. فاختيار السنوار على رأس حماس هو انتصار لنهج المقاومة من جهة ودعوة لإيقاف مسار أوسلو الذي أنهى كل رهانات السلام الموهوم. فلا سبيل للحرية والاستقلال بغير المقاومة ووحدة الشعب الفلسطيني وأن الاحتلال الذي تنكر مطلقا لقيام دولة فلسطينية في الضفة وقطاع غزة وأزاح الستار عن مخططه التصفوي وشرع في توسيع الاستيطان في الضفة ولا يتردد قادته عن الدعوة الصريحة والعلنية إلى قصف غزة بقنابل نووية، يملي على كافة فصائل الشعب الفلسطيني المضي نحو الوحدة لقطع الطريق على المحاولات الرامية لتعميق الانقسام وعزل المقاومة عن بيئتها وحاضنتها التي صمدت ورفضت التهجير في ظروف عصيبة ومحاطة بالقتل والتدمير والحصار والتجويع.

أضعف الإيمان، وقف التطبيع

الخامسة، رسالة إلى الدول العربية التي طبعت وأقامت علاقات إستراتيجية مع كيان الاحتلال. فالشعب الفلسطيني الذي قاوم الاحتلال لأكثر من 75 سنة وقدم آلاف الشهداء، لا يستحق من بعض العرب والمسلمين كل هذا التنصل من التزاماته وقراراته التي لا زال يشهد عليها المداد التي كتبت به، من قبيل لا صلح، لا اعتراف، لا تفاض وشعار الأرض مقابل السلام، أين أصبح الموقف الرسمي العربي في ظل العربدة الإسرائيلية؟ وكيف يمكن استساغة كل هذا التفريط في الأراضي العربية والمقدسات الإسلامية والمسيحية؟ والحال أن الموقف الرسمي العربي لو تحقق فيه حد أدنى من الصرامة لما شهدنا كل هذه الأرواح التي أزهقت وهذه الدماء التي سالت. فلا بد من مراجعة هذا المسار وإيقاف هذا العدوان الذي يحصد الأرواح، مطمئنا ومرتاحا ما دام يشعر الاحتلال أنه محمي بقوة الإدارة الأمريكية وصمت الدول العربية والإسلامية. فالإجرام والقتل الذي يمعن فيه العدو، يساءل الضمير العربي ويفرض عليه اتخاذ إجراءات، لعل أبسطها قطع العلاقات وإنهاء كل أشكال التطبيع مع الاحتلال والضغط عليه لوقف عدوانه على الشعب الفلسطيني.

شكل اختيار يحيى السنوار خلفا لإسماعيل هنية، صفعة للاحتلال وحلفائه وبالمقابل ترك ارتياحا واسعا في الشارع العربي والإسلامي وصدق الشهيد هنية حينما قال قبل استشهاده بساعات” هذه الأمة خالدة متجددة، إذا سقط سيد قام سيد”.

*دكتوراه في القانون العام والعلوم السياسية
عضو سكرتارية مجموعة العمل من أجل فلسطين