أمير ريدشاردسون.. مغربي بثلاث جنسيات
ص
ص
كانت دورة الألعاب الأولمبية بباريس هذا الصيف على موعد مع تألق جديد للاعب الشاب أمير ريدشاردسون رفقة المنتخب الوطني المغربي لأقل من 23 سنة، حيث أظهر قدرات بدنية ومهارية في جميع المباريات التي خاضها ضد المنتخبات القوية التي واجهها، وكان صمام أمان ثابت في تشكيلة المدرب طارق السكيتيوي، بشكل أثار تساؤلات جل المتتبعين ومسؤولي الأندية الأوربية عن هوية هذا الولد الفاره الطول الذي يداعب الكرة بأناقة لافتة في مركز يتطلب الكثير من الصرامة والقوة البدنية.
ولم تكد تنتهي الألعاب الأولمبية حتى كان أمير ريدشارسون يطير إلى مدينة فلوانسا الإيطالية في أقصى إقليم توسكادا، حيث هناك كان على موعد مع إجراءات الفحص الطبي واستكمال الأمور الإدارية لتوقيع عقد جديد مدته خمس سنوات مع نادي فيورونتينا قادما من نادي ستاد ريمس الفرنسي حيث قضى موسما واحد أثبت فيه مكانته الأساسية بشكل سريع، مثبتا أنه إسم قادم يخطو بثبات إلى مرتبة اللاعبين العالميين.
إبن الجنوب الفرنسي
في الرابع والعشرين من شهر يناير من عام 2000 ولد أمير ريدشاردسون ونشأ في أنتيب على مشارف بحر نيس بالجنوب الفرنسي، وكان ثمرة زواج لاعب كرة السلة السابق مايكل راي ريتشاردسون، وهو أبن ولاية تكساس في الولايات المتحدة وحاصل على لقب All-Star2 في الدوري الأمريكي للمحترفين أربع مرات. والدته إلهام نكادي المغربية التي استقرت في مدينة أنتيب في ريعان شبابها بعدما ولدت في مدينة فاس بالمغرب، وهي لاعبة سابقة أيضا لكرة السلة وألعاب القوى. ولأمير أخت تكبره سنا بأربع سنوات تسمى كيمبرلي ريتشاردسون، وهي طالبة باحثة في علم الاجتماع أختارت مسارا آخرا على خلاف والديها وأخيها.
أمير حصل على الجنسية الفرنسية في 19 أكتوبر 2007، وبعدها سنة 2021 على الجنسية المغربية من خلال والدته، وأضيفت إلى جنسيته الأمريكية التي يحملها والده.
خلال طفولته، سافر أمير ريتشاردسون كثيرًا إلى الولايات المتحدة لزيارة والده، الذي كان يقيم في أوكلاهوما كسفير للرابطة الوطنية لكرة السلة. أولى خطواته في عالم الرياضة كانت في كرة القدم، متأثراً بوالدته التي أرادته أن يمارس رياضة في الهواء الطلق. يتذكر أمير: “عندما كنت صغيراً، أرادت والدتي أن ألعب رياضة في الهواء الطلق. كنت في الرابعة من عمري، وفي هذا العمر، لا يمكنك أن تقرر أي شيء. لقد أرادت مني أن أستنشق بعض الهواء النقي، هكذا كان الأمر. لقد وضعتني مع ابن عمي في كرة القدم وكانت مباراة جيدة على الفور. لقد أحببته”.
طفل أسرة رياضية
في فرنسا، انضم أمير إلى نادي فونتون أنتيبيس في سن الخامسة، ولعب لمدة أربع سنوات في ملعب ليجير، ثم انتقل إلى مركز تدريب نادي نيس بفضل الشراكة بين الناديين، حيث أمضى ما يقرب من ست سنوات. وفي سن الثانية عشرة، كان يحضر بانتظام معسكرات تدريب كرة السلة في أوكلاهوما مع والده. يكشف أمير أنه لم يكن يذعن لتنبيهات مدير مركز التدريب، ما أدى إلى تدهور وضعه داخل المركز، رغم دعمه من طرف المؤطرين فرانك سيل وإميرس فاي (مدرب تحت 17 عاما). في نهاية الموسم، وعلى الرغم من أنه طُلب منه البقاء في نيس، إلا أنه اختار أن يرافق مدربه في الفئات السنية إلى نادي لوهافر تغيير الأجواء والبحث عن انطلاقة جديدة.
في نادي لوهافر الذي انضم إليه عام 2019 تأقلم بشكل سريع في التداريب ونال ثقة المدرب بول لوكوين الذي أشركه في أول مباراة احترافية له خلال موسم 2020-2021، ضد نادي تروا، وأظهر منذ تلك المباراة إمكانيات واعدة جعلت المسؤوين يوقعون معه عقده الإحترافي الأول
وبفضل المدرب بول لوكوين، رسخ مكانته في خط وسط لوهافر خلال موسم 2021-2022، ليصبح أحد اكتشافات الموسم، إلى جانب العديد من اللاعبين الآخرين من جيله.
وفي سنة 2022، وقع أمير ريتشاردسون مع ستاد ريمس لمدة خمسة مواسم. ومع ذلك، تمت إعارته إلى لوهافر حتى نهاية الموسم تحت قيادة المدرب الجديد لوكا إلسنر ليكتسب المزيد من التجربة ويتمرس على أجواء المباريات القوية للدوري الفرنسي لمدة موسم واحد عاد بعده إلى ستاد ريمس في غشت 2023، وسيشارك أمير ريتشاردسون في المباريات التحضيرية للموسم الماضي الذي كان مستواه فيه يسير بشكل تصاعدي وظهر عليه تطور لافت في قدرته في التأثير الإيجابي داخل تشكيلة ناديه، الشيء الذي دفع مسؤولي نادي فيورينتينا الإيطالي إلى متابعته خلال مباريات الليغ 1 ونجحوا في ضمه إلى صفوف النادي ليلعب في دوري الكالسيو خلال الموسم المقبل.
مهارات كرة السلة
كان يُمكن لأمير أن يُصبح لاعب كرة سلة، وذلك ليس بفضل طوله (1.98 متر) فحسب، بل أيضاً لمهاراته الكبيرة في هذه اللعبة، التي سبق له أن لعبها في طفولته، قبل أن يختار التوجه نحو كرة القدم، وقد اعترف بذلك: “لا أريد التباهي، ولكن لا تزال هناك فرصة جيدة لأن أكون أفضل لاعب كرة سلة في دوري الدرجة الثانية الفرنسية، إذا كان علي أن أصف نفسي، فأنا مراوغ جيد، وممرر جيد، كما أنني أدافع بقوّة”.
وعلاوة على كل ذلك، كان أمير يمكن أن يسير على خطى والده في لعبة العمالقة، وهو مايكل ريتشاردسون، الذي سبق له اللعب في الدوري الأميركي للمحترفين “إن بي إيه” في السبعينيات والثمانينيات، مع نيويورك نيكس ونيوجيرسي نتس، وقد قال بشأن ذلك: “في ما يخص والدي، لم يكن هناك شك عنده في أنني سأصبح محترفاً في هذه اللعبة في نهاية المطاف، لقد أرادني أن أكون لاعب كرة السلة، ولكنني كنت مهووساً بكرة القدم، ورغم ذلك ساعدني كثيراً لأصبح لاعباً محترفاً، حتى لو لم نكن نعيش معاً، كان أحدنا يتصل بالآخر بالهاتف كلّ يوم، هو ليس متخصصاً في كرة القدم، لكنه يقدم لي نصائح قيمة حول أن أكون رياضياً من الطراز الأول، وكذلك طرق الاستعداد البدني، والأسلوب الذهني أيضاً”.
جنسيات ثلاث
يحمل أمير ريتشاردسون الجنسيات الأمريكية (بلد والده) التي حصل عليها عند الولادة، والفرنسية (منذ تجنيس والدته) والمغربية (بلد والدته وتجنسها في عام 2021)، ويقول عن التفضيل بينها في مرحلة طرح عليه الأمر: “أنا أحب الدول الثلاث بالتساوي. هذه البلدان الثلاثة في قلبي. ليس علي أن أختار. ذهبت إلى المغرب لأرى كيف كان الأمر، وذهبت إلى فرنسا لأرى كيف كان الأمر. أحاول الحصول على فكرة. الأمر المؤكد هو أنه مهما كان خياري، فلن يعني ذلك أنني أفضل هذا البلد أو ذاك.
أحب العودة لرؤية والدتي في أنتيب، وعائلتها في المغرب، وفي فاس، بقدر ما أحب والدي في الولايات المتحدة. والدي أصله من تكساس، وهو اليوم في أوكلاهوما. لدي عائلة في جميع أنحاء الولايات المتحدة. أشعر بعمق بالفرنسية والمغربية والأمريكية”.
اختيار المغرب
في نونبر من عام 2021 تمت المناداة عليه لأول مرة إلى المنتخب الفرنسي لأقل من 20 سنة تحت قيادة المدرب بيرنارد ديوميدي ولعب ضد البرتغال وبنما والسعودية والأرجنتين والمكسيك، وبعد أسابيع قليلة على كأس العالم بقطر 2022 توجه الناخب الوطني وليد الركراكي إلى مدينة لوهافر ليلتقي بأمير ريتشاردسون ويقنعه بمشروع اللعب للمغرب في الوقت الذي كانت فيه مساعي الإتحاد الأمريكي لكرة القدم جادة لاستقطاب الولد الموهوب، لكنه اقتنع في الأخير ليصبح مغربيا بدافع كبير من والدته المغربية التي لا يخفي تعلقه بها.
وفي التاسع من شهر يونيو من السنة الماضية ظهر أمير لأول مرة في لائحة المنتخب الوطني لأقل من 23 سنة للمشاركة في بطولة كأس الأمم الأفريقية تحت 23 سنة التي أقيمت بالمغرب، والتي فاز بها أشبال المدرب عصام الشرعي ليتأهلوا إلى نهائيات الألعاب الأولمبية بباريس، التي أعلن فيها أمير ريتشاردسون عن إسمه كواحد ممن سيصنعون مستقبل الفريق الوطني المغربي للكبار خلال المناسبات الكبرى القادمة.