آخر الكلام في قضية المشرف العام
الميدالية النحاسية والمرتبة الثالثة التي أحرزها المنتخب الوطني الأولمبي بقيادة طارق السكيتيوي وكتيبته من اللاعبين الموهوبين، لا يمكن إلا أن نعتبره إنجازا جيدا لكرة القدم الوطنية على المستوى الدولي، ووجب التصفيق لصانعيه والتنويه بما قدموه من أداء مبهر وطريقة لعب احتفالية عادت بنا إلى الجينات الكروية المغربية القديمة التي كانت المتعة والإستعراضية أهم مظاهرها.
لكن مع نهاية هذه المشاركة المغربية المشرفة في كرة القدم، لابد من العودة إلى أحد النقاط السلبية التي تم تسجيلها خلال جل مباريات الفريق الوطني، ويتعلق بحضور مدرب المنتخب الأول وليد الرݣراݣي ومساعديه في الحصص التدريبية وفي مستودع الملابس وفي المدرجات القريبة من كرسي الإحتياط أثناء المباريات، وهو الشيء الذي خلق جدلا في أوساط الجمهور المغربي بين مؤيد ومعارض لهذا الحضور.
شخصيا أكثر ما دفعني لانتقاد الطريقة التي تعامل بها وليد الرݣراݣي مع مباريات المنتخب الأولمبي، ليس التحامل عليه أو “انتظاره في الدورة” كما قد يعتقد البعض، أو أنه كان انتقادا مجانيا من شخص لا يعجبه حال، ولكن الأمر أكبر من ذلك وسأحاول شرحه في هذه السطور..
العبد لله كما العديد من قدماء المتابعين للمنتخبات الوطنية منذ زمن “الكاغيط” وقبل ظهور وسائل التواصل الإجتماعي على النت وثورة تدفق المعلومات بهذا الكم الهائل، أراکِم قدرا لابأس به من المعطيات “السرية” من خلال مصادر مقربة جدا حول الطريقة التي كان يتم بها تدبير الأمور في محيط الفريق الوطني، وكيف كان يتعامل الطاقم الإداري والتقني مع مباريات حاسمة، وكيف كانت تتم عملية تحديد لائحة اللاعبين الذين يتم استدعاؤهم للمعسكرات وللسفر إلى خوض نهائيات كأس إفريقيا وكأس العالم، والهواتف التي كانت تحمل تعليمات تقلب خطط اللعب رأسا على عقب، وكيف كان السماسرة يدخلون مستودعات الملابس وغرف اللاعبين في الفنادق بلا حسيب ولا رقيب، والعديد من مظاهر الفوضى والإستهتار بالمسؤولية الوطنية فيما المغاربة كانوا لا يرون شيئا من كل هذا سوى مردود اللاعبين داخل الميدان والهزائم والإقصاءات والتغير المفاجئ في اللعب بين الشوطين.
ويمكن أن أؤكد تبعا لكل هذه المعطيات التي تخص مراحل كثيرة للفريق الوطني أن أكبر الأسباب التي جعلتنا لحد الآن لا نملك سوى لقب الحبشة اليتيم لسنة 1976 هو الفوضى وكثرة المتدخلين في الأمور التقنية، و”السيبة” التي كان يعرفها المنتخب الوطني في المعسكرات والفنادق والسفريات وأثناء المباريات، وغياب الأجواء الإحترافية و”تهرݣاويت” في التعامل مع مباريات مصيرية كان ينتظر فيها المغاربة “على نيتهم” فوز منتخبهم أو تحقيق لقب طال انتظاره.
لقطة وليد الرݣراݣي في مباراة الأرجنتين وهو يتحدث مع العزوزي على مرأى ومسمع جمهور المنصة، واتكاؤه في مباراة أوكرانيا على “حديدة” بجوار كرسي احتياط المنتخب الأولمبي ل”إعطاء التعليمات”، ووقوفه مع اللاعبين في الممر المؤدي إلى الملعب بين شوطي مباراة إسبانيا، أعاد إلى أذهاني كل تلك الفوضى القديمة في تدبير أمور الفريق الوطني التي كنت أعتقد أنها أصبحت من الماضي، وأن الحاضر مختلف تماما بشعارات الإحتراف والهيكلة الجديدة للكرة الوطنية.
قد يقول قائل: “وما فيها باس يكون تعاون بين المدربين من أجل مصلحة الفريق الوطني ومن أجل إسم المغرب”.. أجيب.. لا يا سيدي هي سلوكات هاوية لن تنتج شيئا غير الهزائم والأصفار، ولو كان سيكون منها طائل في تحقيق الألقاب والإنجازات لتبنتها الأمم الكروية العريقة التي لا تجد في محيط منتخبها الوطني غير الدقة والإحترافية واحترام الإختصاصات وكل واحد يتحمل مسؤوليته في المهام التي يقوم بها.
منصب المشرف العام الذي يتولاه الآن وليد الرݣراݣي (وإن كنا لا نعرف متى تم تعيينه في غياب أي بلاغ رسمي من الجامعة)، يمكن أن يكون شكلا من أشكال التنظيم الإحترافي في محيط المنتخبات الوطنية الذي يساعد على تحقيق النتائج الإيجابية ويساهم في إعطاء صورة جيدة عن كرة القدم المغربية في الخارج، إذا ما بقي هذا الإشراف حبيس المكاتب وطاولات الإجتماعات التقييمية البعيدة عن الأنظار، وفي عمليات التنسيق المنظمة لتحديد الإستراتيجيات والبرامج.
أما القيام بمهمة الإشراف العام على طريقة “مول البالون” في دوريات الأحياء، فلن يجلب لنا سوى المزيد من الخيبات والهزائم والإقصاءات المذلة.