المنشطات الرياضية.. تاريخ الإباحة والمنع
ص
ص
كانت الرغبة في التفوق مظهرا أساسيا صاحب المنافسات الرياضية التي ابتدعها الإنسان منذ العصور القديمة، وكان سعيه إلى ذلك يتم عبر الكثير من الإستعدادات البدنية والنفسية ومن ابتكار للخطط والأساليب التي تمكن من ربح رهان النزالات الرياضية.
لكن مع تزايد انتشار المنافسات الرياضية جماهيريا، وارتفاع أعداد المتابعين ودخول رؤوس الأموال للإستثمار في الرياضة، والإغراءات المالية الكبيرة التي أصبح يتلقاها الأبطال الرياضيون في حالة الفوز في النزالات الثنائية أو الجماعية، أصبحت الأمور تنحو إلى الغش والتدليس بابتكار أساليب “غير رياضية” تزيد في القدرة على بذل مجهود بدني بصورة غير طبيعية، من أبرزها تعاطي المنشطات والعقاقير والمواد الطبية التي تساعد على ذلك.
منشطات العصور القديمة
ترجع محاولات الانسان لاستخدام وتعاطي المنشطات إلى زمن بعيد. ولقد كان الهدف في تلك الفترة من الزمن هو رفع وزيادة العطاء والجهد البدني والرياضي عن الحدود الطبيعية.
وعلى سبيل المثال يشير عدد غير قليل من المختصين في المجال الرياضي وبالتحديد في علم التدريب الرياضي والطب وفسيولوجيا الرياضة الى ان الفلاسفة القدماء قد أشاروا إلى أن الرياضيين في اليونان القديمة وخلال الألعاب الأولمبية، قد قاموا بتعاطي بعض النباتات, كذلك بأكل خصيتي الثور بهدف رفع مستوى الكفاءة البدنية , والتأثير الايجابي على المستوى الرياضي والبدني , كما تشير المراجع القديمة الى جنوب ووسط القارة الامريكية, حيث تم استخدام مجموعة من العقاقير المختلفة لنفس الهدف.
ويحدثنا التاريخ الاسباني القديم مشيراً الى ان قبائل الإنكا القديمة, كان أفرادها يمضغون أوراق الكوكا , ويتمكنون بعدها من قطع مسافات طويلة جداً تصل الى مئات الكيلومترات خلال عدة أيام.
كما تشير هذه المراجع أيضا الى المكسيك, حيث تم استخدام مادة الاستركنين بهدف التأثير على المستوى البدني والرياضي.
كما تؤكد هذه المراجع أيضا استخدام جذور الصبار الامريكي, الذي يحتوي على عدد من المواد المخدرة لنفس الهدف, مما اهل الرياضيين في هذه الفترة للقدرة على الجري المستمر لمدة تصل الى 24 ساعة, والجري المتقطع لمدة تصل إلى 72 ساعة, وبالتالي وصلت المسافات التي كان يقطعها الرياضيون من اهل المكسيك خلال تلك الفترة الى 260 وحتى 560 كيلومتراً.
أصل التسمية
وبالبحث أساساً عن المصطلح (Doping) نجد أنه يرجع الى اللغة العامة المتداولة بين قبائل جنوب شرق القارة الأفريقية منذ زمن بعيد , حيث كان المصطلح هو كلمة (Dop) التي كانت تعني في ذلك الوقت نوعاً من أقوى انواع الكحوليات التي تم استخدامها من جانب أفراد هذه القبائل في احتفالاتهم الدينية الشهيرة بهدف مقاومة التعب خلال الرقصات الدينية التي كانت تستغرق وقتاً طويلا, وبعد فترة من الزمن انتقل مصطلح Dop إلى انجلترا حيث تم الاستخدام في أول الأمر بهدف تنشيط جياد السباق.
وفي عام 1889 ظهرت كلمة Dop لأول مرة في المعجم الانجليزي , حيث تم تعريفها بانها عبارة عن خلط من المواد المخدرة والمستخدمة مع جياد السباق في ذلك الوقت.
وبعد مرور عدة سنوات على هذا التاريخ تم تعميم هذا الاصطلاح على جميع المواد المنبهة, والتي تم استخادمها تدريجيا في أول الامر مع الجياد والكلاب ثم بعد ذلك مع الإنسان.
منشطات “عسكرية”
وفي الفترة خلال سنوات الحرب العالمية الثانية انتشر استخدام العقاقير المنشطة التي تعددت أنواعها بصورة واضحة, ولم يقتصر على هذا الاستخدام على المجال الرياضي, وانما تعدى هذا الحدود ليستخدم في المجال العسكري, فقد ثبت استخدام الطيارين الالمان لأنواع متعددة من تلك العقاقير بهدف التنبيه والتنشيط أثناء عمليات الهجوم الليلي, كما ثبت استخدام جنود المشاة الألمان أيضا لعدة أنواع من العقاقير لنفس الهدف وأيضا بهدف الحصول على التحمل ومقاومة التعب , خصوصاً وان واجباتهم قد تضمنت المشي لمسافات طويلة , حاملين معهم معدات الحرب الثقيلة , كما ثبت ايضا استخدام الجيش الانجليزي للامفيتامين لنفس الهدف.
وبعد الحرب العالمية الثانية بدأ اصطلاح المنشطات (doping) يرتبط برياضة المستوى العالي (رياضة البطولات) ارتباطاً وثيقاً.
ومن خلال عملية الزيادة المستمرة في حالات الاستخدام مع هذه الفئة من الرياضيين في مختلف الرياضات, زادت أيضا حالات الوفاة التي ارتبطت بزيادة الجرعات المستخدمة.
ولقد ثبت بالدليل القاطع وفاة سائق الدراجات الانجليزي سمبسون في سباق للدراجات حول مديمة باريس وذلك بسبب تعاطيه لجرعات كبيرة من المنشطات , كما أن هناك حالات اخرى توفي أصحابها من الرياضيين لنفس السبب.
تجارب بيولوجية
وفي مجال الكشف عن تأثير استخدام المنشطات مع الكائن الحي استطاع كل من كوخاكيان ومورلين عام 1935 إثبات وجود زيادة واضحة في وزن الكلاب التي تم تنحية اعضائها التناسلية بعد علاجها بالهرمونات المذكرة .
وبعد مرور ثلاثة سنوات من هذا التاريخ في عام 1938 استطاع كل من وليبروس اثبات أن المستوى البدني لدى الافراد المسنين يرتفع بصورة واضحة وملحوظة بعد علاجهم بالهرمونات المذكرة.
وفي نفس العالم 1938 تمكن كل من كوخاكيان وستتنر اثبات وجود زيادة في حلجم الالياف العضلية , وبالتالي زيادة في مستوى القوة لدى كلاب البحر بعد معالجتها بالهرمونات لمذكرة، ويؤكد العالمان بأن عملية المعالجة بهذا النوع من الهرمونات قد تتسبب في حدوث زيادة في البروتينات داخل الجسم.
وفي عام 1940 توصل العالم الالماني الشهير هتنجر الى ان هناك زيادة ملحوظة في عنصر القوة العضلية بعد المعالجة بهرمونات التستوسترون وبعد هذا التاريخ تم استخدام هذا النوع من الهرمونات المذكرة مع المرضى الذين يعانون من نقص الوزن وسوء التغذية، وقام بتجربة أخرى استهدف منها الوقوف على التأثير الناتج عن استخدام هرمون التستوسترون على قوة المجموعات العضلية الواقعة تحت تأثير حمل التدريب، ومثيلتها بدون استخدام الهرمون.
وقد اختار الباحث عينة التجربة من الافراد غير المتشابهين في العمر، حيث قسم العينة الى مجموعتين الاولى بمتوسط عمر وقدره 30 عاماً , والثانية بمتوسط عمر وقدره ثمانون عاماً.
وقد جاءت النتائج مشيرة الى وجود زيادة في معدل القوة العضلية مرجعها استخدام الهرمون مع التدريب , سواء مع مجموعة الشباب أو كبار السن.
أما عن المؤشرات التي نبهت العالَم الى خطورة المنشطات وأثرها الضار على المتعاطين هي بوفاة الرياضي الشهير سمبسون في سباق للدراجات حول مدينة باريس، وذلك تحت تأثير كمية كبيرة من منشط ثلاثي الميثيل ثم تكررت حالات الوفاة على مر السنين (البلجيكي سيرج ريدنج والسوري سامي درويش وغيرهما).
مبادرات المنع القانوني
في فرنسا قام قسم كبير من الأطباء الذين استوعبوا خطورة استخدام المنشطات بتوجيه جهودهم لمكافحتها واستثارة الرأي العام العالمي ولهذا عقد المؤتمر الأول لمكافحة المنشطات في سنة 1956م في باريس.
وفي عام 1963م نظم اتحاد الأطباء الرياضيين في إيطاليا إحصائية عن تعاطي المنشطات، وهي نفس السنة التي اتخذت اللجنة الأولمبية الدولية في موسكو قراراً ضد استخدام المنشطات.
وفي فيينا اتخذت الحكومة النمساوية إجراءات رادعة تعاقب بموجبها كل الرياضيين والفرق التي يتعاطى أفرادها المنشطات بقطع المعونات المالية عنهم وعدم استخدام الساحات الرياضية العامة، وعام 1964 والدورة الأولمبية في طوكيو انعقد مؤتمر طبي رياضي لمناقشة الدوبينك، ثم أقيمت مؤتمرات طبية رياضية في ألمانيا وإيطاليا والسويد والنمسا وإنكلتر لمناقشة مشاكل الدوبينك وطالب المؤتمرون بوضع روادع لمكافحته.
وفي عام 1964م أصدر مجلس الدولة الفرنسي قانوناً يعاقب بموجبه متعاطي المنشطات بالسجن لمدة سنة مع حرمانه من المعونة الرياضية.
وخلال بطولة العالم لكرة القدم في إنكلترا 1966وفي المكسيك 1970 كانت نتائج الفحص على المنشطات جميعها سالبة.
وفي عام 1967 تأسست الجمعية الطبية الأولمبية برئاسة الكسندر ديميدري ووضعت الأسس الأولى لاختبار المنشطات وقد أجريت لأول مرة في عام 1968 في الألعاب الشتوية في غرينوبل وقد فحص بالتعاون مع اللجنة الأولمبية العالمية 1000 لاعب وحرم كل من ثبت تعاطيه المنشطات.