سفيان رحيمي.. مغربي يدخل تاريخ الأولمبياد
هو ليس الإنجاز الوحيد لسفيان خلال هذا الموسم، فالفتى الرجاوي تفجرت مواهبه وجلب إليه الأضواء طيلة شهور تألق فيها كثيرا رفقة ناديه العين الإماراتي بشكل بدا أنه كان يقول للمشككين في إمكانياته بعد فترة فراغ ليست بالقصيرة.. ها أنا ذا، وهذا مستواي الحقيقي، وهذه مكانتي المستحقة في منتخب بلادي.
سفيان رحيمي الولد “الأخضر” الذي يعيش بجسده في الإمارات العربية المتحدة، فيما عقله ووجدانه في مركب لوازيس بالدار البيضاء، لازال يعرف كل صغيرة وكبيرة عن بيته الأول، لذلك أول ما يفعله عند زيارته لأرض الوطن، هو أن يبحث عن مدربيه الأولين ومجايليه السابقين في فئات الرجاء البيضاوي، في بادرة تؤكد أن معدن الفتى أصيل لا تغيره أضواء التألق ولا حديث العالم عما يصنعه حاليا مع ناديه.ولادة ونشأة في حضن أخضر
في اليوم الثاني من شهر يونيو من عام 1996، كان بيت محمد رحيمي الشهير ب”يوعري” المكلف بأمتعة نادي الرجاء البيضاوي، بملاعب لوازيس، يعرف حفل عقيقة اطلقت فيه الزغاريد حتى وصلت إلى مسامع مدرب الفريق الأول الروسي يفغيني روغوف، الذي سأل عما كان يجري هناك، فأخبروه بالنبأ السعيد، وهو ازدياد مولود سمي بسفيان، كان جواب المدرب الصارم أن انفرجت محياه بابتسامة واسعة مبديا تفاؤله بإبن يوعري الجديد، وقال من حضروا الواقعة أنه أضاف” هذا الصبي بشرى سعد على الفريق”.
أسبوع بعد ولادة سفيان تحققت نبوءة المدرب الروسي وفازت الرجاء بلقب البطولة الثاني في تاريخها بعد ثماني سنوات عجاف، وسيعقب ذلك سلسلة ألقاب فيما عرف بالفترة الذهبية للنسور الخضر التي أتوا فيها على الأخضر واليابس وطنيا وقاريا.
انضم سفيان لمدرسة الكرة بالرجاء البيضاوي ، وهنا قد يذهب الكثيرون أن الأب “يوعري” استغل علاقاته في محل عمله لإقناع المدربين بإمكانيات ابنه، لكن الأمر مخالف تماما، فالصغير لم يتدرب على ملعب “الوازيس”، حيث يوجد أبوه، بل في ملعب “تيسيما” المخصص لفئات البراعم، وقد قرّر “رحيمي” ألا يزور إبنه خلال المباريات حتى لا يؤثر على قرارات المدربين.
يحكي القريبون من البيت الرجاوي، أن الولد لم يكن بحاجة أصلا إلى واسطة لكي يلعب كرة القدم، إذ كانت بدايته تشير أن للولد موهبته التي ستوصله إلى أعلى المستويات، وقد أظهر حماسا وانضباطا وتطوّر أداؤه باستمرار، حتى كافأه المدربون بترشيحه للوجود في ملعب “محمد الخامس” جامعا للكُرات خلال مواجهات فريق الرجاء الأول.
لعب سفيان رحيمي في فئات الصغار والفتيان والشبان والأمل، وحرق المراحل بقوة منتظرا فرصته التي ستأتيه لينقض عليها بالنواجذ.
صعوبات وإحباطات
الطريق للفريق الأول لم يكن مُمهَّدا على الإطلاق، فقبل تصعيده لفريق الشباب تعرّض “سفيان” لإصابة في ركبته أبعدته عن الملاعب لشهور، وربما لهذا عانى بعد عودته مجددا من أجل إقناع مدربي فِرَق الشباب بقدراته.
وحتى بعدما اجتاز اختبارات التصعيد لفريق أمل الرجاء، وهو اسم أحد فِرَق الشباب، لم يستطع حجز مقعد أساسي، بل إنه لم يشارك إلا في مباراة واحدة خلال الموسم بأكمله. كان هذا كفيلا بأن يتأثر سلبيا على الصعيدين الفني والنفسي، لكن صدمة أكثر قسوة كانت في طريقها إليه.
وقعت هذه الصدمة بمجرد نهاية الموسم، حين استدعته الإدارة مع بعض لاعبي الفريق وأخبرتهم بالاستغناء عن خدماتهم. كان “سفيان” لا يفصله عن التصعيد للفريق الأول سوى خطوات معدودة ويُحقِّق حلمه وحلم أسرته، وها هو يرى كل شيء ينهار في لحظة واحدة، وعليه الآن مغادرة النادي الذي لا يحب غيره.
يقول سفيان رحيمي في حوار مع صحيفة “المنتخب” حول تلك الفترة الصعبة في مساره الرياضي لما سُئِل لماذا لم يتدخل “يوعري” إبان تلك الأزمة؟ وقد جاءت إجابته على النحو التالي: “والدي رجاوي، لكنه أيضا يفهم كرة القدم، ويؤمن بحقيقة «اللي عنده عنده». لم يتدخل ليتوسط لي، فقد كان واثقا أن موهبتي هي مَن ستصنع الفارق، وكان يقول لي دوما: «الملعب مثل المرآة»، لا يوجد ما نخفيه، كل شيء مكشوف أمام الجميع، وما عليك إلا أن تشمر عن ساعدك لبلوغ المراد، والحمد لله لم يخب ظننا”.
كان الحل الذي في يد سفيان رحيمي هو اتباع نصيحه خاله بالتوقيع كمعار لنادي نجم الشباب البيضاوي حيث هناك سيتألق أبن الرجاء بعد قدوم المدرب”نور الدين حرّاف” في الموسم الثاني، وبدا أن الرجل مقتنع للغاية بإمكانيات “سفيان”، حتى إنه قام بتغيير مركزه من وسط الملعب لرأس الحربة والجناح الهجومي، ليستغل سرعة “رحيمي” في الانطلاقات، وتحركاته الذكية التي تخدع المدافعين.
وكان “سفيان” على قدر هذا الرهان، وسجّل تسعة أهداف خلال خمس عشرة مباراة فقط ، وهو ما يعكس تأقلمه مع ذلك المركز الجديد، والتطور الباهر في مستواه، الذي كان يعني أيضا أن أيامه في نجم الشباب أصبحت الآن معدودة.
العودة للحضن الأول
في الفترة التي كان يلعب فيها سفيان رحيمي لنجم الشباب البيضاوي، كان فتحي جمال المدير الرياضي للرجاء يراقب ما يُحقِّقه لدرجة أنه أرسل أحد الكشافين لمتابعته عن قُرب، وانتظر تقريرا مفصلا عن مزاياه، وما إن وصله التقرير حتى ازداد إعجابا به.
اقتنع فتحي جمال أن رحيمي سيُمثِّل إضافة جيدة لمستقبل النسور، لكن كان عليه أن يخضع لاختبار إضافي، ﻷن التقاليد لا تسمح للاعبي فِرَق الهواة الانضمام دون اختبارهم. رحّب الشاب بهذا الاختبار، وبعدما وافق المدربون على انتدابه، قدّم له الرجاء عقدا احترافيا.
سنوات التألق مع الرجاء
مع انطلاقة موسم 2018-2019، وجد المدرب “خوان كارلوس غاريدو” أن “رحيمي” يتدرب بقوة ويتأقلم سريعا، فدفع به ليلعب بشكل أساسي في كأس الكاف ، ولم يُخيِّب الشاب صاحب الـ 22 عاما آنذاك ظن مدربه، إذ أظهر عن علو كعبه وإمكانياته الكبيرة في السرعة والمراوغة والإختراق وأيضا تسجيل الأهداف الحاسمة.
رحيمي ظهر بشكل قوي في مغامرته الثانية مع النادي الرجاوي، ليصبح لاعبا مهما للغاية ويقود الفريق للفوز بلقب السوبر الأفريقي على حساب الترجي التونسي، ثم الدوري المغربي بعد منافسة قوية مع الوداد ونهضة بركان.
ورغم حداثة عهده بالفريق الأول للرجاء، نجح رحيمي في حصد عدة ألقاب فردية، منها لقب أفضل لاعب في الرجاء لموسم 2019-2020، ولاعب العام في الدوري المغربي في عام 2020.
العين الإماراتي.. إشعاع آخر
في الثامن من غشت من سنة 2021، وبعد مفاوضات طويلة مع مسؤولي الرجاء البيضاوي، تمكن نادي العين الإماراتي من الظفر بصفقة اللاعب سفيان رحيمي، بموجب عقد كلفهم ثلاثة ملايين دولار، بعد أن كان هداف البطولة الوطنية قاب قوسين أو أدنى من التعاقد مع نادي الأهلي المصري.
في الإمارات العربية المتحدة كان على “ولد يوعري” أن يثبت أيضا أنه خيار ناجح لمسؤولي ناديه الجديد، إذ قام بموسم أول جيد جدا، واُختير كأفضل لاعب في الدوري المحلي خلال عامي 2022 و2023، سواء على المستوى الرسمي أو باختيار الجماهير.
وتألق رحيمي مع العين بشكل مبهر حيث خاض 104 مباريات سجل خلالها 43 هدفا وقدم 37 تمريرة حاسمة لزملائه. وأسهم في فوز العين بلقبين، هما الدوري الإماراتي وكأس رابطة المحترفين الإماراتية في موسم 2021-2022.
وتوج مهاجم نادي العين الإماراتي سفيان رحيمي بجائزة أفضل لاعب في دوري أبطال آسيا إلى جانب جائزة هداف البطولة. وكتب اسمه الخاص في دوري أبطال آسيا بتسجيله 13 هدفا منها 8 في الأدوار الإقصائية، فتوج بلقب الهداف في النسخة الحالية، وعادل الرقم القياسي الذي كان مسجلاً باسم البرازيليين موريكي (غوانغجو إيفرغراندي الصيني، 2013)، وأدريانو (إف سي سيول الكوري الجنوبي، 2016)، والجزائري بغداد بونجاح (السد القطري، 2018).
مسلسل تميز “رحيمي” مع نادي “العين” الإماراتي لم يقف عند الفوز بلقب دوري أبطال آسيا فقط، بل تعداه إلى تحقيق إنجازات فردية موازية، بعد أن توج موسمه الحالي كهداف لهذه البطولة القارية برصيد 13 هدفا، الأمر الذي فرض اختياره كأحسن لاعب في هذه المسابقة، متفوقا على أبرز نجوم العالم الممارسين في أشهر الدوريات الآسيوية، وهنا يمكن أن نذكر “كريستيانو رونالدو” نجم النصر السعودي، و”كريم بنزيمة” نجم اتحاد جدة، وأسماء أخرى كان حضورها مميزا ولافتا في هذه البطولة.
إلى جانب كل ما جرى ذكره، نجح رحيمي في قيادة فريقه العين إلى انتزاع تأشيرة العبور إلى بطولة كأس العالم للأندية المرتقبة صيف سنة 2025 بالولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي جعل أكبر الأندية السعودية وأندية أوروبية تخطط للتعاقد مع هذا اللاعب المميز، كما كان هذا التألق دافعا كبيرا أرغم مدرب المنتخب الوطني وليد الركراكي على إعادة سفيان رحيمي إلى قائمة اللاعبين الذين يتم استدعاؤهم، كما أضيف إسمه إلى قائمة المتوجهين الى العاصمة الفرنسية باريس للمشاركة مع منتخب طارق السكيتيوي في أولمبياد 2024 التي لم يخلف فيها الموعد أيضا وأصبح الهداف التاريخي المغربي الأول في الألعاب الأولمبية بعد تسجيله خمسة أهداف لحد الآن، ولازالت أمامه فرص أخرى لزيادة رصيده القياسي من الأهداف.