story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
سياسة |

أحمد بوز يكتب: 25 سنة من حكم محمد السادس.. التغيير وإعادة إنتاج الاستمرارية

ص ص

خص الأستاذ الجامعي أحمد بوز العدد الخاص من مجلة “لسان المغرب“، الصادر بمناسبة الذكرى 25 لوصول الملك محمد السادس إلى الحكم، بمساهمة هذا نصها الكامل:

قبل خمسة وعشرين سنة من الآن، كانت الصورة التي ترسخت عن نظام الحكم في المغرب تتسم على العموم بأربعة سمات أساسية هي:
• هيمنة الملكية على الحقل السياسي المغربي، الشيء الذي برز من خلال حضورها الكثيف في عدد من المجالات، ومركزيتها في صناعة القرار السياسي، واتساع دائرة المجال المحفوظ للملك، والأهمية التي يحتلها البروتكول في صناعة صورتها في الحقل السياسي؛
• نجاح نظام الحكم في تطويع الحقل السياسي الذي كان يبدي نوع من الممانعة والعصيان لأحد قواعد اللعبة السياسية القائمة؛
• حضور الهاجس الأمني في تدبير الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، خاصة من خلال الدور المتضخم الذي كانت تعلبه وزارة الداخلية والأجهزة التابعة لها أو التي تعمل تحت وصايتها.
• وأخيرا حدة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، التي كانت قد دفعت الملك الراحل نفسه إلى الحديث عن “السكتة القلبية”.

لم يغير جو الانفراج الحقوقي والانفتاح السياسي الذي عرفه المغرب في نهاية حكم الملك الراحل، الحسن الثاني، بشكل كبير من هذه الصورة المرسومة لنظام حكمه، وإن كان قد أعطى أملا في التغيير، سيتعزز أكثر عندما تسلم الملك محمد السادس مقاليد الحكم.

فقد علّقت آمال كبيرة على هذا الانتقال، وأصبح الانطباع السائد هو أنه سيدفع بدينامية الانفتاح إلى أبعد الحدود، من أجل طي صفحة الماضي، والتأسيس لتجربة سياسية جديدة، قد لا تشكل بالضرورة قطيعة مع كل الإرث السياسي للملك الراحل، لكنها يمكن أن تجعل الناس يشعرون أن النظام يتغير وأن الملكية تريد أن تحكم بطريقة أخرى، سيما وأن الوارث الجديد للعرش لم يعرف عنه أن كان منغمسا في دهاليز السياسة كما مارسها والده، وبالتالي فلن يكون بالضرورة محكوما بصراعات الماضي وضغائنه وحزازاته وألاعيب شخوصه.

تقمص الملك الجديد خطابا سياسيا مغايرا، وأقدم على اتخاذ مبادرات كانت تبدو كمعاكسة واضحة لسلوكات وممارسات وقرارات اتخذت في عهد والده. تحدث عن “مفهوم جديد للسلطة”، وتبنى نفحة نقدية تجاه الحقل الحزبي التقليدي، وطالب بإعادة الاعتبار للعمل السياسي، وأزاح من صورة “العهد الجديد” العديد من الوجوه التي كانت تحسب على الماضي، وأعاد أبراهام السرفاتي من منفاه، ورفع الإقامة الجبرية عن الشيخ عبد السلام ياسين، وأبدى نوعا من التسامح مع صحافة مستقلة ذهبت بعيدا في هدم الكثير من الأسس التي قامت عليها السلطة، وأخرج إلى الوجود مدونة جديدة للأسرة عززت نسبيا من حقوق المرأة، وأحدث هيئة للإنصاف والمصالحة التي كان مطروحا عليها أن تعالج مخلفات “سنوات الرصاص”، وأعلن عن مبادرات تروم التخفيف من الاحتقان السياسي والاجتماعي والحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية (المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، الجهوية المتقدمة)، كما أطلق مبادرة الحكم الذاتي كحل ذكي لقضية الصحراء، فضلا عن ذلك فقد أضحت البلاد في ظل حكمه ورشا مفتوحا على عدد من المشاريع الاستثمارية والتنموية الواعدة.

لكن مع مرور الوقت، ظهر أن لهذه الدينامية حدود، وأصبح يتأكد أن مقولة “إذا أردنا أن يبقى كل شيء على ما يرام فيجب أن يتغير كل شيء”، التي أطلقها الكاتب الإيطالي جيسيبي تومازي في روايته ” الفهد” لها راهنيتها.

لم يتردد الملك في قراءة “الفصل التاسع عشر” كاملا في أول خطاب يلقيه بمناسبة توليه العرش، وفي توصيف نظام حكمه بأنه “ملكية تنفيذية”. ورفض أن يقارن الملكية في المغرب بالملكيات البرلمانية الأوروبية بداعي الخصوصية. واتجهت خيارات الدولة نحو الرهان على أوجه “الحداثة الاقتصادية والاجتماعية”، منطلقة من أن هذا الاختيار يعفيها من مغامرة التورط في التأسيس للحداثة السياسية.

انحصر خطاب الإصلاح في حدوده المؤسساتية في وقت اختفى فيه خطاب الإصلاح الدستوري والسياسي من قاموس التداول الرسمي، وبات بالتالي “دستور محمد السادس” بعيد المنال. وأصبحنا نتابع وبشكل مفارق، العشرات من ضحايا سنوات الرصاص على عهد الملك الحسن الثاني، وأغلبهم من اليسار، وهم يستعرضون على شاشة التلفزة الانتهاكات الجسيمة التي كانوا عرضة لها، ونتابع في نفس الوقت حملة غير مسبوقة من الاعتقالات في صفوف آلاف من “الإسلاميين” على خلفية اتهامهم بقضايا تتعلق بالإرهاب، بالشكل الذي جعل التساؤل مشروعا حول ما إذا كانت “هيئة الإنصاف والمصالحة” قد جاءت فعلا لجبر ضرر الضحايا والحيلولة دون أن يتكرر هذا.

ركبت الدولة المغربية موجة التحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية من خلال الانخراط في ما عرف بـ “الحرب على الإرهاب”. ودخلت الدولة في عملية إعادة ترتيب الحقل الانتخابي، حيث ضغطت بشكل قوي على حزب العدالة والتنمية لكي يتحكم في عدد المرشحين باسمه. وأبعد الكاتب الأول “للحزب الحاكم” من قيادة الحكومة رغم أن نتائج الانتخابات كانت تؤهله لكي يستمر في نفس المنصب الذي شغله منذ 4 فبراير 1998. وفي انتظار أن تتهيأ الظروف التي تسمح لها بخلق “حزبها الخاص” راهنت الدولة على التكنقراط، المدافعون الجدد عن العرش، ليس فقط من خلال إضفاء الطابع الحزبي على بعضهم وإنما أيضا من خلال اللجوء على إلى تعيين وزير أول يحسب على هذه الاختيار.

تحالفت الدولة مع نفسها من خلال الثقة في أجهزتها الأمنية، وأضحت منشغلة بشكل كبير بأمنها، كما أصبحت تقدر أنها من حقها أن تدافع عن نفسها بالوسائل التي تقدر أنها مناسبة بغض النظر عن مدى سلامتها من الناحية الحقوقية والديمقراطية. وتغيرت لغة تعاملها مع “الصحافة المستقلة” التي دخلت في مرحلة من الرقابة الذاتية.

لم يكن لهذه الوضعية أن تستمر في ظل عدم نجاح الدولة في معالجة حدة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، وبالتالي فشل رهانها على التحديث الاقتصادي والاجتماعي على حساب التحديث السياسي.

لذلك، إذا كانت محطة 16 ماي قد أعطت المبرر للتراجع عن خطاب التغيير الذي صاحب وصول الملك محمد السادس إلى سدة الحكم، فإن محطة الربيع العربي، التي اجتاحت أغلب بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط، فرضت على النظام مرة أخرى أن يفكر في الحكم بطريقة أخرى. وكما كان يفعل عادة في لحظات الأزمات، أدرك أنه لا يمكن أن يستمر بدون تغيير، وأن قدرته على استخدام العنف تتضاءل، وأن التغيير هو الثمن الأقل تكلفة لضمان استمراره في شكل جديد والحيلولة دون انهياره.

استبق الملك الأحداث، فعمد بعد يوم واحد من 20 فبراير إلى تنصيب المجلس الاقتصادي والاجتماعي، بعدما ظل القانون التنظيمي المنظم له مجمدا منذ أن ورد التنصيص عليه في دستور 1992.

وبعد أقل من شهر، سارع الملك إلى إلقاء خطاب قوي أعلن من خلاله عن إجراء “تعديل دستوري شامل”، محددا في نفس الوقت المرتكزات التي يقوم عليها، قبل أن يعمل بعد يومين من ذلك على تعيين رئيس وأمين عام المجلس الوطني للحقوق الإنسان المحدث بظهير بديلا عن المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان.

تحولت البلاد فجأة إلى أغورا للنقاش العمومي، فتحت برامج قنوات الإعلام العمومي لكي تستضيف نشطاء الحراك الاجتماعي والسياسي، وممثلين لتنظيمات سياسية وحقوقية ظلت على العموم مقصية من دائرة اهتمام الإعلام الرسمي. وأصبحت اللجنة الاستشارية المكلفة بوضع الدستور قبلة لمذكرات عشرات التنظيمات الحزبية والنقابية والجمعوية، وفضاء لعقد جلسات استماع مع العديد من أصحاب تلك المذكرات، وأثمرت حصيلة مداولاتها عن وضع دستور غير مسبوق عندما يقارن بالدساتير الخمسة السابقة.

وعلى أساس هذا الدستور، الذي عرفت حملة الاستفتاء حوله تدافعا سياسيا حادا بين المؤيدين والمعارضين، نظمت انتخابات تشريعية تميزت ليس فقط من خلال سياق التحضير لها والكيفية التي نظمت بها، وإنما أيضا من حيث مخرجاتها، حيث تحول العدالة والتنمية، الذي ظل حتى ذلك الوقت حزبا مرفوضا، إلى حزب مطلوب لأنه يعطي الانطباع بالتغيير الذي يحتاجه مواجهة الخطر القادم من الشرق.

كان من تداعيات ذلك أن دخلت البلاد في استقطاب سياسي حاد أعطى دينامية كبير للحياة السياسية. وتحول البرلمان إلى ساحة تدافع سياسي حقيقي بين حزب العدالة والتنمية والأحزاب المناوئة له بالشكل الذي طرد عنه تلك الصورة التي التصقت به لمدة، باعتباره مجرد غرفة للتسجيل، وأًصبح صوت رئيس الحكومة يصدح في كل مكان، بالشكل الذي حوله إلى ظاهرة سياسية غير مألوفة في تاريخ رؤساء الحكومات في المغرب، وتحول خطاب التخليق ومحاربة الفساد إلى شعار سياسي للمرحلة، واغتنى القاموس السياسي المتداول بمصطلحات جديدة حلت من خلاله “التماسيح والعفاريت” محل “جيوب مقاومة التغيير”، وتحول “الحزب الحاكم” إلى ما يشبه “الحزب المعارض”، وانطلقت دينامية كبيرة لإخراج القوانين التي ينص عليها الدستور الجديد إلى حزب الوجود.

بموازاة هذا المسار، كانت الدولة قد أخذت تسترجع زمام المبادرة، كما لو أنها شعرت بأنها قدمت تنازلات أكبر مما كانت تفرضها أحداث الربيع العربي، وأنها أساءت تقدير تداعياتها، إذ سرعان ما أظهرت الملكية قدرتها على التكيف، ومهارتها في تجاوز الأحداث، وتحويل لحظات التغيير إلى إعادة إنتاج النظام.

لم تمر سوى مدة قصيرة، حتى أضحى الشعور قائما بأن الدستور الجديد لم يهندس لكي يكون أداة للتغيير وإنما وسيلة لإعادة إنتاج الاستمرارية، وبدأ التخطيط لمواجهة “الشعبوية” بواسطة “الشعبوية” عندما تم الدفع بوجوه محددة إلى صدارة واجهة “أحزاب الموالاة”. وعندما فشل “حزب الدولة” في أن يكون صمام الأمان في مواجهة المد الانتخابي “للحزب الإسلامي” خلال انتخابات 2016، نجح “البلوكاج السياسي” فيما فشلت فيه الانتخابات.

احترم الملك الدستور وعين شخصية أخرى من الحزب المتصدر لنتائج الانتخابات، لكن ذلك لم يمنعه من أن يوجه رسالة تحذير مفادها أن ذلك كان خيارا من بين خيارات أخرى يعطيها له الدستور، الشيء الذي أعاد إلى الأذهان الممارسة التي ارتبطت بالفصل 19 الشهير في ظل الدساتير السابقة.

كما لم يمنع من أن تجد “حكومة الإسلاميين” في صيغتها الجديدة نفسها أمام امتحان غير مسبوق بالنسبة لها، عندما أرغمت على أن تكون شريكة في ثلاثة قرارات شكلت تناقضا صريحا مع الأطروحات المؤسسة للحزب الذي يقودها: قانون زراعة الكيف، القانون الإطار حول إصلاح منظومة التربية والتعليم والبحث العلمي الذي كرس التدريس باللغة الفرنسية، ثم اتفاقية التطبيق مع إسرائيل.

خلقت هذه القرارات شرخا عميقا في صفوف الحزب الذي ظل حتى ذلك الوقت يعطي الانطباع بتماسكه. شعر عبد الإله بنكيران المُقال من منصبه كـ “رئيس حكومية معين” أن القيادة الجديدة لم تسانده، فصارت خرجاته تعطي الانطباع بأنه يتصرف بدافع من يحاول أن يظهر لزملائه أن الحزب لا يمكن أن ينجح بدونه.

أخذ الجناح الدعوي للحزب مسافة تجاه الحزب والحكومة التي يقودها. وبدورها تمادت القيادة الجديدة للحزب في استكمال ما تبقى لها من رصيد شعبي عندما غرقت في تقديم التنازلات تلو الأخرى. قد تكون شعرت بأنها تتجه لا محالة نحو الأجل المحتوم، لكنها بالتأكيد لم تكن تتصور أن يكون ذلك الانهيار بنفس المستوى الذي حصل به يوم 8 شتنبر 2021، بل يمكن الجزم أن ذلك الانهيار فاجأ الدولة نفسها والأحزاب المنافسة التي ضغطت كثيرا خلال مرحلة التحضير القانوني للانتخابات من أجل وضع الآليات التي تسمح بمحاصرة النجاح الانتخابي المفترض للحزب المذكور.

انتخب المغاربة، وبشكل مفارق، الحزب الذي يقوده نفس الشخص الذي كانت منتوجات شركاته قبل ثلاث سنوات من ذلك موضوعا لمقاطعة شعبية غير مسبوقة، وأصبح هو الربان الجديد للحكومة.

وكما دشن “العهد الجديد” سنواته الأولى بالرهان على التكنوقراط عاد من جديد لكي يكتشف أهمية الرهان على نفس الوصفة، حتى ولو أنه حاول أن يخفيها هذه المرة من خلال تشغيل الصفة الحزبية كغطاء ظاهري. وأصبح الفضاء السياسي مرتبا بكيفية ذابت فيه المعارضة، وأضحت معظم القوى المكونة لها تعتبر أن هذا الموقع فرض عليها ولم تختره، وتراجعت السياسة، وأضحى الإعلام متحكما فيه إلى أبعد الحدود من طرف سلطة الرأسمال، وأصبحت أغلب القوى السياسية مسلمة بالدور المنوط بها على “خشبة مسرح السياسة”، ولم يعد بالإمكان الحديث عن القوى التي تخلق التوازن الضروري في كل مجتمع مستقر.

هكذا، فإن مرور خمسة وعشرين سنة من حكم الملك محمد السادس، وإن لم تبق خلالها الصورة الموروثة عن الملك الحسن الثاني ثابتة، فإنها لم تتغير بشكل كبير. ظلت الكثير من الثوابت التي بني عليها النظام السياسي المغربي قائمة، حيث تتخذ القرارات الكبرى من طرف الملك، بينما المؤسسات الأخرى يكاد ينحصر دورها في تسويغها وتبريرها، وحيث استمرت السياسة تسير بسرعتين، سرعة الزمن الحكومي المفترض فيه أنه مرتبط بالتعاقدات والبرامج والاختيارات وسرعة الزمن الملكي المتحرر من كل هذه الإكراهات، كما ظلت الهوة قائمة بين البرنامج الملكي القار والبرنامج الحكومي المتغير، يصوت البرلمان على البرنامج الحكومي ولا يمنع ذلك من يجري تلقيح هذه البرنامج بمخططات وبرامج وقع التحضير لها واعتمادها في فضاءات وهيئات موازية.

استثمرت الملكية في صنع هذا المسار، في فائض الشرعية الذي أصبحت تتوفر عليه في ظل تراجع القوى التي ظلت تنازع، ليس في شرعية وجودها في حد ذاته وإنما في طبيعة المكانة التي يجب أن تحتلها في النظام السياسي والدستوري. واستغلت بعض نجاحاتها على الواجهة الدبلوماسية، خاصة من خلال الاختراقات الاقتصادية والسياسية التي حققتها، سواء في الواجهة الإفريقية أو في علاقتها بعدد مهم من الدول الغربية، وخاصة من خلال الدعم الذي أخذ يحظى به مخطط الحكم الذاتي كحل سياسي لنزاع الصحراء. كما وظفت الصورة التي تكونت عنها كنظام له القدرة على مواجهة الأزمات (كوفيد 19، زلزال الحوز).

فضلا عن ذلك، استفادت الملكية من مناخ دولي تراجعت فيه المشروطية الحقوقية والديمقراطية، وأضحى قابلا لترجيح كفة الاستقرار على حساب الديمقراطية.

مع ذلك، فإن السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح، يتعلق بما إذا كانت الدولة قادرة على أن تستمر في هذا المسار؟ في كل مرة كانت الدولة تقدر أن الإشكال السياسي قد تم حله، وأن ما تحقق من تطور سياسي يشكل الصورة النموذجية لنظام الحكم الذي يجب أن يكون ولتنظيم العلاقات السياسية الذي يجب أن يسود في نظام سياسي له خصوصيته، لكن ذلك لم يمنعها من أن تواجه تحديات جديدة تعيد النقاش السياسي والدستوري إلى الواجهة من جديد.

فعدم نجاحها في ردم الهوية بين المشاريع الاقتصادية الواعدة والتنمية الاجتماعية، أو ما أسماه أحد الفاعلين “تقدم المغرب وتراجع المغاربة”، والتفاوت المهول القائم بين الفئات الاجتماعية، على نحو ما يعكس ذلك ترتيب المغرب في سلم التنمية الاجتماعية على المستوى العالمي، يفرض التذكير بأن قضية التنمية تفرض ليس فقط الاستثمار في مشاريع اقتصادية واجتماعية، رغم أهمية ذلك، وإنما أيضا الاستثمار في المشاريع السياسية، أي الاستثمار في الديمقراطية، ذلك الاستثمار الذي اعتبره الغائب الأكبر خلال هذه المدة الفاصلة بين يوليوز 1999 ويوليوز 2024.