story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
دولي |

تاج الدين الحسيني: الموقف الفرنسي سيشكل قفزة نوعية في التعامل الدولي مع ملف الصحراء

ص ص

بعد سنوات من التردد، خرجت الجمهورية الفرنسية من المنطقة “الرمادية” في موقفها من قضية الوحدة الترابية للمملكةالمغربية، باعتراف رسمي في رسالة وجهها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الملك محمد السادس، يعبر فيها عن الاعتراف الرسمي لفرنسا بسيادة المغرب على أقاليمه الصحراوية، حسبما أفاد بلاغ للديوان الملكي اليوم الثلاثاء 30 يوليوز 2024.

ويشكل هذا الاعتراف تجاوزا للموقف غير المفهوم الذي كانت تتبناه الدبلوماسية الفرنسية تجاه الوحدة الترابية للمغرب لعدة سنين، بالرغم من دعمها المحتشم لمقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب سنة 2007، والذي كان ينطوي على “نوع من الغموض الذي لم يكن ليفهمه المغرب، وهذا ما أدى إلى غمامة صيف هيمنت لمدة طويلة على العلاقات المغربية الفرنسية في وقت كانت دول أخرى قد اتخذت فيه عدة مواقف متقدمة” يقول أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط محمد تاج الدين الحسيني.

وأوضح الأستاذ الجامعي في تصريح لصحيفة “صوت المغرب”، أن هذا الاعتراف يشكل تطورا جوهريا في ملف الصحراء، “لأن فرنسا هي أولا دولة كانت تستعمر المغرب وتتوفر على كل الوثائق التي تؤكد مغربية الصحراء”، وهو الأمر الذي سيؤثر بشكل إيجابي في اتجاه إنهاء هذا الملف الذي عمر لما يقرب من خمسة عقود.

وفضلا عن ذلك، تحتل فرنسا مركز العضوية الدائمة في مجلس الأمن وتتوفر على حق الفيتو، إضافة إلى كونها عضوا في مجموعة أصدقاء الصحراء التي تصوغ مشاريع قرارات مجلس الأمن بخصوص هذا النزاع، علاوة على مركزيتها وثقلها الجوهري على مستوى توازن القوى الإقليمية والدولية.

وأبرز تاج الدين الحسيني، أن الشيء المهم في اعتراف فرنسا، “هو أنه لم يأت مرتبطا بنوع من التحفظ أو نوع من الالتباس، بل جاء واضحا بما فيه الكفاية بحيث أن الرئيس الفرنسي في رسالته أشار بوضوح إلى أن حاضر ومستقبل الصحراء معا يندرجان في إطار السيادة المغربية”. أي أن موقف فرنسا من الاعتراف هو أولا ذو طبيعة رسمية بسيادة، ثم ثانيا هو موقف غير قابل للتغيير. أي أنه موقف للحاضر وللمستقبل كذلك.

وأشار أستاذ القانون الدولية والعلاقات الدولية إلى أن رسالة الرئيس الفرنسي وما تضمنته من مواقف رسمية اتجاه الوحدة الترابية للمملكة، لها دلالتها “لأن الرئيس الفرنسي هو الذي يتوفر على الصلاحيات الدستورية لاتخاذ مثل هذا القرار فيما يتعلق بضوابط ومبادئ الاعتراف القانون الدولي العام، وبالتالي ستكون له قيمته القصوى بالنسبة لمستقبل العلاقات المغربية الفرنسية، وكذلك لحقيقة سيادة المغرب على المستوى الدولي”،

وأضاف الباحث الأكاديمي، أنه لحد الآن “لدينا على الأقل مواقف داعمة لكل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وربما في مستقبل قريب بريطانيا، وهي جميعها دول تتوفر على العضوية الدائمة داخل مجلس الأمن وعلى حق الفيتو، وبالتالي من هنا تبدو الأهمية القصوى التي يٌتخذ فيها القرار من طرف الرئيس الفرنسي”.

وسجل تاج الدين الحسيني، في ذات السياق، أن الرئيس الفرنسي “أشار ضمن رسالته إلى فقرة مهمة ربما لا يدركها الكثيرون وهي تصريحه الواضح بأن فرنسا ستتحرك في انسجام مع هذا الموقف وطنيا ودوليا”، موضحا أن ” فرنسا من الآن فصاعدا سوف تعتبر مسألة إقليم الصحراء جزءا لا يتجزأ من التراب المغربي بدون نقاش، وهذا معناه أن الخريطة الكاملة للمغرب ستنشر في كل المؤسسات الرسمية والداخلية في فرنسا”.

إضافة إلى ذلك، ستتعامل كل المؤسسات الفرنسية سواء الرسمية منها أو الخاصة مع المغرب على هذا الأساس، “لا فيما يتعلق بتقديم المساعدة والدعم، ولا فيما يتعلق بربط الاستثمارات سواء على مستوى الاتفاقيات الدولية التي من شأنها أن تتخذ فيها مواقف معينة من التعاون بين الطرفين أو على مستوى موقف فرنسا مثلا داخل الاتحاد الأوروبي”.

وأكد الأستاذ الجامعي، أن فرنسا منذ الآن ستكون مدافعا واضحا عن المغرب سواء أمام محكمة العدل الأوروبية أو أمام البرلمان الأوروبي أو أمام كل الأجهزة التي ترتبط بالتعاون المشترك في البلدان الأوروبية.

وأضاف، “أنه على المستوى الدولي إذا اعتبرنا أن دور فرنسا الإقليمي يسير في هذا الاتجاه، فحتى على المستوى الدولي، ستدافع عن موقف المغرب في المنتديات الخاصة بتسوية النزاع، وعلى رأسها مجلس الأمن الذي تعتبر دائمة العضوية فيه ومتوفرة على حق الفيتو”، مضيفا أنه “أكثر من ذلك في جمعية أصدقاء الصحراء التي تصوغ قرارات مجلس الأمن، وبالتالي أعتقد أن هذا النوع من الإقرار في رسالة الرئيس الفرنسي بهذه المسألة له أهمية قصوى”.

وكشف أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية، أنه “ينبغي أن نلاحظ شيئا أساسيا وهو أن الرئيس الفرنسي لم يكتف، كما ذهبت إلى ذلك إسبانيا مثلا بالقول بأن مقترح الحكم الذاتي هو الأكثر جدية والأكثر كذا والأكثر كذا، (…) لكنه أشار إلى أنه هو الحل الوحيد للتوصل إلى حل سياسي، يكون أولا عادلا ومستدام ومتفاوضا بشأنه في إطار بطبيعة الحال قرارات مجلس الأمن التي هي نفسها أساس الحكم الذاتي، واعتبرته منذ سنة 2007 إلى يومنا هذا هو الحل الأكثر مصداقية وأكثر جدية والأكثر واقعية”.

وخلص المتحدث ذاته، إلى أن الموقف الفرنسي سيشكل قفزة نوعية في التعامل الدولي مع ملف الصحراء. “وأكثر من هذا سيجر معه اعترافات دول أخرى لأن فرنسا ليست بالدولة الصغيرة، بل هي دولة لها امتدادات واسعة في قلب إفريقيا ولدى عدة بلدان في إطار المجموعة الفرنكوفونية، في إطار تعاون إقليمي، وأيضا في إطار بلدان الاتحاد الأوروبي”، وذلك من أجل الدفع في اتجاه بلورة قرار في المستقبل لمجلس الأمن، ينهي هذا الملف الذي عمر لسنوات عن طريق تطبيق مخطط الحكم الذاتي.