صحافيون ونشطاء.. أبرز المفرج عنهم بعفو ملكي في الذكرى الـ 25 لعيد العرش
ليلة استثنائية شهدها المغاربة عشية الاحتفال بمرور ربع قرن على اعتلاء العاهل المغربي عرش البلاد، بعد عفو ملكي اعتاد الشعب المغربي صدوره في مثل هذا التوقيت من السنة، لكنه لم يبد عادياً في مضمونه وهويات أبرز المستفيدين منه والذين هم صحافيون ونشطاء رأي وحقوقيون.
من الذين شملهم عفو الملك محمد السادس في الذكرى الـ25 لعيد العرش، الصحافيون توفيق بوعشرين وسليمان الريسوني وعمر الراضي، والنشطاء يوسف لحيرش ورضا الطاوجني وسعيدة العلمي، فضلاً عن محكومين في حالة سراح بينهم الحقوقيين المعطي منجب وعفاف برناني والصحافي عماد ستيتو.
فمن هم أبرز المفرج عنهم في ليلة العفو الملكي؟ وما هي خلفيات اعتقالهم ومتابعاتهم القضائية؟
بوعشرين.. صاحب أشد حكم بحق صحافي
غادر الصحافي توفيق بوعشرين أسوار السجن المحلي في سلا أمس، الإثنين 29 يوليوز، بعد ست سنوات عقب محاكمة أثارت جدلاً حقوقياً واسعاً داخل وخارج المغرب، خاصة بعدما رفعت محكمة الاستئناف عقوبته الحبسية من 12 عاماً إلى 15 عاماً، أكتوبر 2019، في الوقت الذي كان مراقبون ومتعاطفون مع بوعشرين ينتظرون انفراجاً حقوقياً بقضيته.
واعتقل مؤسس جريدة “أخبار اليوم” المتوقفة عن الصدور، بتاريخ 24 فبراير 2018، بعدما اقتحمت فرقة وطنية مكونة من 40 شرطياً مقر جريدة “أخبار اليوم”، ومن ثم إحالته على النيابة العامة بتهم تشمل “الاغتصاب ومحاولة الاغتصاب والتحرش”، بعد اعتقال اعتبره تقرير أممي للفريق المعني بالاحتجاز التعسفي في الأمم المتحدة “تعسفياً ومخالفاً للميثاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية”، بينما اعتبر حقوقيون مغاربة التهم الموجهة إليه “ملفقة لتصفية حسابات مع صحافي منتقد لسياسات الحكومة”.
هذا وأيدت محكمة النقض، في نوفمبر 2021، الحكم الاستئنافي الصادر بحق الصحافي توفيق بوعشرين، بالسجن 15 عاماً وتعويضات لثماني ضحايا بقيمة مليونين و500 ألف درهم، ليأتي عفو الملك محمد السادس اليوم منهياً مأساة أشد حكم قضائي بحق صحافي في المغرب، ويعبرَ بوعشرين لحظة الإفراج عنه في حديث لوسائل الإعلام عن شكره للملك وأسفه لكل من تضرر خلال أطوار ملفه.
الريسوني.. المعتقل بـ”10 ادعاءات كاذبة”
نال الصحافي ورئيس تحرير جريدة “أخبار اليوم” سليمان الريسوني حريته أيضاً ضمن العفو الملكي، بعد 4 سنوات قضاها في السجن المحلي بالدار البيضاء عقب محاكمة أثارت اهتماماً واسعاً ومطالب بالإفراج عنه منذ اعتقاله في 2020، وصفها مراقبون بـ”قضية انتقامية تحركها دوافع سياسية”.
وأيدت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، في فبراير 2022، حكماً ابتدائياً بسجن الريسوني 5 سنوات بتهمة “اعتداء جنسي”، بعدما اعتقل من أمام بيته مباشرة عقب نشر شخص باسم مستعار تدوينة على حسابه يتهمه فيها بالاعتداء عليه جنسيا، قبل حذفها واستبدالها بأخرى تتضمن معطيات مختلفة، ليواصل المشتكي تناقضاته من محضر الشرطة إلى المثول أمام قاضي التحقيق.
وعدد الريسوني -الذي اشتهر بافتتاحيات منتقدة للسلطات- “عشرة ادعاءات كاذبة” خلال كلمة ضمن مرافعة طويلة دونها بما يزيد عن 26 صفحة، تبين تناقضات المشتكي خلال جلسات التحقيق والاستماع الموثقة، معتبراً “محاكمته سياسية”، وجدد التأكيد على براءته واصفاً تصريحات المطالِب بالحق المدني بـ”المتناقضة”، منذ بداية الملف وصولاً إلى المرحلة الاستئنافية.
وكان فريق الأمم المتحدة المعني بالاعتقال التعسفي، قد عدّ اعتقال سليمان الريسوني “تعسفياً ومحاكمته غير عادلة”، مطالباً بإطلاق سراحه مع إحالة ملفه على المقرر الأممي المعني بالتعذيب، بسبب “المعاملة الحاطة من الكرامة الإنسانية التي تعرض لها داخل السجن”.
الراضي.. صحافي استقصائي يتهم بالتجسس
في ذات الليلة، شهدت مدينة الدار البيضاء حرية عمر الراضي وسليمان الريسوني وهما اللذان صدرت الأحكام بحقهما في أسبوع واحد، اشتهر عمر الراضي بمقالاته الاستقصائية حول التداخل بين المصالح السياسية والشركات الكبرى، فضلاً عن انتقاده الصريح لواقع حقوق الإنسان في المغرب، قبل متابعته في قضية بدأت بصدور تقرير لمنظمة العفو الدولية يتهم السلطات بالتجسس على هاتفه بواسطة برنامج “بيغاسوس” الإسرائيلي.
وبعد ذلك بفترة أعلنت النيابة العامة التحقيق مع الراضي حول الاشتباه في “تلقيه أموالاً من جهات أجنبية بغاية المس بسلامة الدولة”، ومباشرة اتصالات مع عملاء دولة أجنبية لم تُحدد اسمها “بغاية الإضرار بالوضع الدبلوماسي للمغرب”، ليتابع في محاكمة سريالية رأت منظمة مراسلون بلا حدود أنه قد “شابتها خروقات جسيمة للإجراءات القانونية الواجب اتباعها من بدايتها إلى نهايتها”.
ومن بين التهم أيضاً التي وجهت للراضي، “الاغتصاب وهتك العرض بالعنف”، وهو ما أكد دفاعه “عدم وجود أي دليل مادي عليه”، لافتاً إلى أنه حتى الشهادة الطبية المدلى بها، والتي حُرّرت بعد 27 يوماً من تلك الوقائع “أفاد مختصون جرى عرضها عليهم في المرحلة الابتدائية، بأن الندوب الموصوفة فيها يستحيل قطعاً أن تعود لاعتداء مرّ عليه 27 يوماً”.
وغادر عمر الراضي السجن المحلي في الدار البيضاء، بعدما كان يقضي حكماً بـست سنوات سجناً نافذاً على خلفية التهم الموجهة إليه، وهو الذي كان قد أدين أيضاً مارس 2019 بالسجن أربعة أشهر مع وقف التنفيذ بتهمة “إهانة القضاء” في قضية أخرى على خلفية تغريدة على تويتر، انتقد فيها الأحكام بحق معتقلي حراك الريف.
سعيدة العلمي.. من تهمة “الإساءة للملك” إلى عفو ملكي
لم يغفل العفو الملكي المرأة أيضاً، إذ نالت الناشطة الحقوقية سعيدة العلمي حريتها، الإثنين 29 يوليوز الجاري، بعدما قضت عامين على خلفية أحكام قضائية تتعلق بقضيتين بلغ مجموعها 3 سنوات وثمانية أشهر؛ حيث كانت محكمة الاستئناف بالبيضاء قد رفعت، في شتنبر 2022، الحكم بحقها من عامين إلى 3 سنوات بتهم تتعلق بإهانة هيئة نظمها القانون، وموظفين عموميين أثناء قيامهم بمهامهم بأقوال مست بالاحترام الواجب لسلطتهم، وتحقير مقررات قضائية، وبث وتوزيع ادعاءات ووقائع كاذبة لأشخاص قصد التشهير بهم”.
في حين خفضت المحكمة ذاتها، في أكتوبر العام الماضي، حكماً على خلفية تهم تتعلق بتصريحات اعتبرت “مسيئة للملك والقضاء”، بالسجن من عامين إلى ثمانية أشهر بحق المدونة سعيدة العلمي التي كانت قد أكدت أنها لم تقم سوى بالتعبير عن رأيها وأن تدويناتها تندرج ضمن حرية الرأي والتعبير عن انتقاد موضوعي لبعض المؤسسات أو أجهزة الدولة، وهو ما أكدته منظمات حقوقية بينها “مغربيات ضد الاعتقال السياسي”، التي عدت متابعتها “استهدافاً لها بسبب آرائها السياسية، وجرأتها في التعبير عن مواقفها”،
عفو لم يتجاوز نشطاء “العدل والإحسان”
لأول مرة في تاريخ الاعتقالات السياسية بحق نشطاء “العدل والإحسان”، يعانق معتقلون سياسيون منتسبون لأكبر تنظيم إسلامي في البلاد الحرية بعفو ملكي، وهو الذي اشتهر بمعارضته المتواصلة لنظام الحكم بالمغرب وسياسات تدبيره.
ويتعلق الأمر بثلاثة أشخاص ينشطون في الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع، اعتقلوا بعد العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر 2023، على خلفية انتقادهم للاتفاقيات مع الاحتلال، وهم مصطفى دكار وسعيد بوكيوض وعبد الرحمن ازنكاض، الذين توبعوا بعدة تهم تتعلق في المجمل بالتحريض على ارتكاب جنايات بواسطة الوسائل الإلكترونية، وبث وتوزيع ادعاءات ووقائع كاذبة.
وكانت الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع قد أدانت الاعتقالات والمتابعات التي أضحت تطال النشطاء الذين ينتقدون استمرار العلاقات بين المغرب وإسرائيل، واصفة إياها ب”المحاكمات السياسية والأحكام الجائرة”.
وقضت محكمة الاستئناف، الأربعاء الماضي 24 يوليوز، بأربع سنوات سجناً بحق عبد الرحمن أزنكاض القيادي في جماعة العدل والإحسان وعضو دائرتها السياسية، وثلاث سنوات بحق المدون سعيد بوكيوض، بينما أجلت استئنافية الجديدة النظر في ملف مصطفى دكار أمس الإثنين قبل صدور العفو عنه ضمن قرار الملك مساء، وهو الذي كان يقضي حكماً ابتدائياً بالسجن سنة ونصف.
المدون الحيرش.. يغرد حُراً بعد 4 أيام من الحكم
بعدما أيدت استئنافية القنيطرة الحكم الابتدائي الصادر في حق الناشط يوسف الحيرش بالسجن سنة ونصف قبل 4 أيام، الخميس 25 يوليوز الجاري، عانق الناشط يوسف الحيرش الحرية هو الآخر بعدما قضى أزيد من 4 أشهر محبوساً، منذ إخضاعه لتدبير الحراسة النظرية بأمر من النيابة العامة في مارس الماضي، بعد استدعائه من قبل الفرقة الوطنية للشرطة القضائية للحضور أمامها بمقر مصالح الأمن بمدينة المهدية.
وتتعلق التهم الموجهة إلى الحيرش بإهانة موظف عمومي، وهيئات منظمة، وتوزيع معلومات صادرة بشكل سري دون موافقة صاحبها، على خلفية تدوينات نشرها على حسابه بموقع فايسبوك، وهو ما عده حقوقيون “تهم لا أساس لها من الصحة تهدف للتضييق على حرية الرأي والتعبير.
الطاوجني.. منتقد “إسكوبار الصحراء”
استفاد اليوتيوبر رضا الطاوجني أيضا من العفو الملكي بعد 3 أشهر من تشديد محكمة الاستئنافب أكادير العقوبة بحقه، برفعها من سنتين إلى أربع سنوات نافذة، على خلفية اتهامه من طرف وزير العدل عبد اللطيف وهبي، بالتشهير خلال بثه مقاطع فيديو تتعلق بقضية “إسكوبار الصحراء“.
وتوبع الطاوجني الذي غادر أسوار سجن آيت ملول، الإثنين 29 يوليوز الجاري، بتهم تتعلق بانتحال مهنة ينظمها القانون، وإهانة موظف عمومي، وحالة العود في بث ادعاءات ووقائع كاذبة من شأنها المس بالحياة الخاصة للأشخاص أو التشهير بهم، وتسجيل وبث صور شخص دون موافقته.
في الوقت الذي شدد فيه دفاعه على أن الطاوجني يتابع “بسبب ما نشره من أفكار في قنواته على الأنترنت تخضع لقانون النشر والصحافة، الذي ليس به عقوبة الحبس مطلقا، وليس اللبوس الذي حيكت به المتابعة”.