story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

ازدراء البرلمان

ص ص

هل يتخيّل صنّاع القرار والسياسات والأحداث في المغرب، كيف يصبح شعور المغاربة وهم يتابعون الأمم المتحضر، في أمريكا وبريطانيا وفرنسا… تصنع مصائرها وتنصّب اختياراتها في مواقع الحكم والسلطة، بينما يعجز ممثلوهم حتى عن إثارة مطالبهم في مؤسسة يقال لها البرلمان؟
هل يعتبرنا هؤلاء حقا مواطنين يعيشون معهم في نهاية الربع الأول من القرن الواحد والعشرين، وينظرون، كما تنظر باقي الخلائق، إلى شعوب الأرض وهي تبسط، تدريجيا وبكثير من التضحيات وكبير عناء، سيادتها على دولها وقراراتها؟
لا يمكن أن نصف ما يجري داخل البرلمان هذه الأيام سوى بالازدراء تجاه المؤسسة التي جعلها كل من الملك والشعب عقب حراك 20 فبراير المجيد، جوهر مبادراتهما لبناء تعاقد جديد.
تعاقد يحقق التوفيق بين نظام ملكي راسخ وحيوي وضروري، وضرورة بروز الإرادة الشعبية واضطلاع المواطنين بنصيبهم من المسؤولية في حماية السيادة والتمكين للحقوق والحريات الأساسية.
لقد تابعنا بكثير من الغضب والإحساس بالحكرة، كيف اضطرت فرق المعارضة، الصغيرة والمغلوبة على أمرها أصلا، إلى الانسحاب من أشغال الجلسة الأسبوعية لمجلس النواب، المخصصة لممارسة ما يفترض أنه رقابة برلمانية على أعمال الحكومة عبر الأسئلة الشفوية، زوال الاثنين 08 يوليوز 2024.
هذه المؤسسة التي لا يبدي تجاهها الماسكون بزمام الحكومة حاليا أي تقدير، هي كل ما ناله المغاربة بعد أكثر من قرن من النضال والتطّلع إلى حيازة جزء من القرار ونصيب من السيادة. أي منذ أن فاجأهم الضعف والخذلان الداخلي بالسقوط تحت سيطرة مباشرة لقوة أجنبية، وراحوا يناضلون بمختلف الطرق والوسائل، لاسترجاع جزء من كرامتهم.
على علّاتها، وبالرغم من ضعف أدائها وقلة مردوديتها، تبقى مؤسسة البرلمان قلعة الشعب وملاذه. وهذا التعالي والغطرسة اللذان تتعامل بهما الحكومة الحالية مع هذه المؤسسة، يعكسان بوضوح نظرة القائمين عليها للمغربي والمغربية، أي كأي “شياطة” لا وزن ولا قيمة لها.
ما معنى أن ترفض الحكومة الخضوع للرقابة عبر واحدة من الأدوات التي يكفلها النظام الداخلي لمجلس النواب؟ وما الرسالة التي ينطوي عليها مبرر “الحكومة غير مستعدة” للتفاعل مع قضية طالبت بها فرق الأغلبية والمعارضة منذ الأسبوع الماضي، وتم تمتيع الحكومة بأقصى ما يسمح به القانون، أي تأجيل طرح الموضوع إلى الأسبوع الموالي… ورغم ذلك لا يحضر الوزير المعني، أي وزير التعليم العالي والبحث العلمي عبد اللطيف الميراوي، ولا تعتبر الحكومة نفسها مسؤولة تضامنيا لمناقشة الموضوع، إذا افترضنا أن هناك عذر مقبول عند الوزير؟
لا أجد وصفا آخر غير كلمة الازدراء، لأن الأمر لا يتعلق بمزايدة سياسية، أو محاولة طائشة من جانب المعارضة للاستثمار في موضوع لا يستحق. بل نحن أمام كارثة وطنية سبّبتها الحكومة بتخبّطها واضطرابها وتعنّتها، حين فرضت على كليات الطب والصيدلة سنة خالية من أي درس أو تدريب.
لو كانت هذه الحكومة “لالة ومولاتي” لكانت قد توصّلت إلى حل لأرمة هذه الكليات منذ شهور طويلة، خاصة أنها تتعلّق بمطالب بسيطة ومعقولة، لا تستدعي هذا القدر من التكبّر الذي تعامل به الحكومة أبناء المغاربة متى “وصلت فيهم للعظم” وخرجوا للاحتجاج.
لننظر إلى محيط البرلمان هذه الأيام: احتجاجات عارمة لأساتذة عوقبوا وكل ذنبهم أنهم شاركوا في إضرابات مكفولة لهم بنص الدستور، وتم اقتناص رؤوسهم كما كان الحجّاج يقتنص الرؤوس اليانعة، ليتم تقديمهم اليوم عبرة لمن يجرؤ على الدعوة للاحتجاجات وتأطيرها. كأننا في كوريا الشمالية، لا المغرب الذي اختار الحرية والتعددية نهجا له منذ الاستقلال.
وغير بعيد عن هذا الاحتجاج، ها هم أبناء الأطلس الكبير من ضحايا زلزال الحوز يحجون إلى العاصمة هذا الأسبوع، ويضربون لنا موعدا يوم غد الأربعاء 10 يوليوز، للتظاهر أمام البرلمان، مطالبين بمأوى يحميهم من حرارة الصيف بعدما استحملوا صامتين برد الشتاء.
وبين هذا الاحتجاج وذاك ها هم أبناء المغاربة ممن تفوّقوا ونجحوا في مباريات الانتقاء وولجوا كليات الطب والصيدلة، يواجهون شبح الضياع بفعل سنة بيضاء ستصبح بفعل تعنّت حكومة متكبّرة، بقعة سوداء في مسارهم الدراسي والمهني.
معنى واحد لهذا الذي يجري من طرف الحكومة، هو دفع المغاربة إلى الكفر بما تبقى لديهم من ثقة في مؤسسات بلادهم، وحملهم على الخروج إلى الشارع دون أفق ولا سقف للمطالب.
لا يمكن أن يكون كل ما يجري أمام أعيننا مجرد تعنّت من حكومة واجهت قبل شهور قليلة احتجاجات لأساتذة التعليم لم تفلح معها وساطات نقابات ولا أحزاب. وها هي اليوم تصرّ على قتل ما تبقى من عرق ينبض في هذا الجسم السياسي والمدني، حين تردّ على طلب مناقشة، مجرد مناقشة، بعدم الاستعداد.
حسنا فعلت فرق المعارضة بانسحابها من جلسة رقابية لا تحقّق الرقابة، ولو كان نواب فرق الأغلبية يتمتّعون بالحدّ الأدنى من التقدير تجاه المؤسسة البرلمانية لكانوا سباقين إلى هذه الخطوة. فالبرلمان وُجد لتمثيل الإرادة الشعبية وإنفاذها رغم أنف الحكومات، ولا يشرّف من يضطلعون بمهمة التمثيل وتجسيد الإرادة الشعبية الجلوس في قاعة تتعرض فيها هذه الإرادة للازدراء.