story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

أطباء بلا تكوين

ص ص

تشارف أزمة إضراب طلبة كليات الطب والصيدلة على الانتهاء، وهو ما يحمل على السرور، لولا أن ما كلّفته هذه المعركة الغريبة، يحمل على الخوف والريبة أيضا.
السبب ليس في مضمون الاتفاق المحتمل أن ينهي هذا الاحتقان، بل بكل بساطة لأننا أمام طلبة وصيادلة المستقبل الذين سيواصلون مسارهم بثقب أسود يتمثل في سنة كاملة من الضياع وغياب الدراسة والتكوين.
تقول المعلومات القادمة من كواليس “المفاوضات” الجارية بين الحكومة وممثلي الطلبة وأولياء أمورهم، إن العرض الذي تقدمت به الحكومة بعدما شارفت السنة الجامعية البيضاء على نهايتها، يتمثل في إتاحة سنة سابعة من التكوين بشكل اختياري للطلبة الذين يرفضون قرار تقليص مدة التكوين من سبع سنوات إلى ست.
كما تعرض الحكومة على الطلبة المضربين منذ بداية الموسم الجامعي، رفع عدد المقاعد المخصصة لامتحانات الولوج إلى التخصص، مع إعادة تشكيل المنهج التعليمي لطلبة الطب وطب الأسنان والصيدلة، بالنسبة للدفعات الجديدة…
وفوق كل ذلك يجري الحديث عن إمكانية إرجاع الطلبة الموقوفين في حال التوصل إلى اتفاق مع ممثلي الطلبة المضربين.
لا يمكن للمرء إلا آن يبتهج لنهاية أي نوع من الاحتقان والتأزم في أي مجال. لكن ما يجري في قصة احتجاجات طلبة كليات الطب والصيدلة ينطوي على تفاصيل خطيرة، من المخيف التطبيع معها وتركها تمر مرور الكرام، هذه أبرزها:
أولا، وعلى رأس هذه التفاصيل الخطيرة، أن طلبة وصيادلة المستقبل الذين حذفت الحكومة سنة كاملة من تكوينهم الأساسي، قضوا هذه السنة كاملة خارج فصول الدراسة وقاعات التدريب.
مصادر من بين الطلبة المحتجين وأولياء أمورهم، تحدثت لنا مرارا وتكرارا عن عدد ساعات التكوين المقدّر بالمئات، الذي ضاع هذه السنة، وأن ذلك يعني نقصا كبيرا وخطيرا في التكوين، بل إن البعض شبّهه بالتحريض على القتل، بما أن هؤلاء الطلبة سيتوجهون إلى المستشفيات، ليتولوا علاج المرضى وإسعافهم، بتكوين ناقص.
ثانيا، فتح الباب أمام خيار السنة السابعة يجرّد الحكومة، وخاصة وزيري الصحة والتعليم العالي، من كل مصداقية، لأنهم لم يكتفوا بتبرير خطوة حذف سنة من التكوين باعتبارات أكاديمية وبيداغوجية، بل منحوها لبوسا سياسيا حساسا، حين رفعوا شعار: نحن لا نكوّن الأطباء من أجل تقديمهم لدول أجنبية.
ينطلق هذا الشعار من فرضية أن إصرار الطلبة على سبع سنوات كاملة من التكوين، سببه الرغبة في استكمال التخصص في الخارج، وتحديدا في فرنسا، ومن ثم إمكانية العمل خارج البلاد.
في حال تمرير هذا المقترح القاضي بسنة سابعة اختيارية، سيكون أقل ما يفترض أن يقوم به الوزيران هو الاستقالة إن كانا يملكان ذرة احترام تجاه المغاربة، لأنهم إما كانوا يكذبون ويدلّسون على الطلبة المحتجين ويخرجونهم من الملة والانتماء الوطنيين، أو أنهم اليوم يقبلون بصرف أموال دافعي الضرائب المغاربة لتكوين الأطباء لمصلحة دول أجنبية.
ثالثا، يجري الحديث عن إرجاع الطلبة الموقوفين في حال قبول زملائهم المتفاوضين بالعرض الحكومي. هذه العبارة وحدها تتطلب تحرك الفرقة الوطنية للشرطة القضائية والنيابة العامة وفتح تحقيق في شبهة وجود عملية احتجاز رهائن وابتزاز والمطالبة بفدية مقابل الإفراج عنهم.
هذا المنطق لا يستقيم ولا يجوز حتى القبول بالتفكير فيه، بله تقديمه كجزء من عرض حكومي. جميعنا نعرف ماذا نسمي الجهات التي تأخذ من بين مجموعة معينة بضع أفراد وتحتجزهم وتطالب البقية بتنفيذ طلباتها قبل الإفراج عنهم.
يفترض أن الطلبة الموقوفين ارتكبوا أخطاء لها وصف دقيق في القانون، ومساطر محددة في الإثبات وإنزال العقاب. أما إذا كان الأمر مجرد “تشيار” بالعقاب مع إمكانية التراجع عنه في ارتباط بشرط من خارج مسطرة التوقيف نفسها، فهذا يعني أننا نعيش خارج منطق الدولة والقانون والمؤسسات.
الحقيقة أن قصة طلبة الطب والصيدلة ليست جديدة ولا استثنائية. هناك منطق مخيف في تعاطي هذه الحكومة مع الحركات الاحتجاجية ذات الطبيعة الفئوية أو الاجتماعية، يتمثل في “سير تضيم” ويمكنك أن تحتج الوقت الذي تشاء، “غير جري طوالك”.
حدث هذا قبل طلبة الطب والصيدلة مع الأساتذة الذين اكتفت الحكومة بالفرجة على إضراباتهم طيلة شهور، ولم تتحرك للتفاوض والاتفاق معه إلى لأن هناك ملايين التلاميذ، وخلفهم أسر ومنظمات دولية وإقليمية تعرف وضعية التعليم المغربي المنهك أصلا.
هذا السلوك الذي تعتمده الحكومة معناه عدم إعارة المصلحة العامة أي قدر من الاهتمام. وأن الخسائر التي تترتب عن الإضرابات، والتي تمس المجتمع وحجم وجودة الخدمات التي يحصل عليها المواطنون، لا تهمها في شيء.
كل شيء يخضع لمنطق السلطة وسؤال يد من العليا، و”غوّت حتى تشبع غادي تجيبها فعظامك”.
النتيجة أننا اليوم أمام جيل كامل من الأطباء الذين سيتخرجون بتكوين ناقص، تماما مثلما قضى تلاميذ المدارس نصف هذه السنة خارج الأقسام، ليتم ترقيع الموسم الدراسي بتكتيكات محاسباتية لا صلة لها بالحرص على جودة التعليم وتحقيقه للأهداف البيداغوجية المرسومة.