حزب الاستقلال.. تاريخ من المواقف ضد التطبيع
يزور رئيس مجلس المستشارين النعم ميارة إسرائيل بشكل رسمي، خلال الأسبوع المقبل، بصفته رئيسا لبرلمان البحر الأبيض المتوسط، غير أنه يحمل معه صفة عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، وهي أكبر هيئة تقريرية في الحزب، ورئيس ذراعه النقابي، الاتحاد العام للشغالين.
ميارة ذاته، استقبل في أبريل 2018 وفدا عن المرصد المغربي لمناهضة التطبيع ومجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين، خصص لعرض مختلف أوجه ومخاطر التطبيع والإختراق الصهيوني للمغرب، كما وقع مرارا بلاغات نقابته الرافضة للمواقف الاسرائيلية ووجه الدعوة لمناضليه من أجل المشاركة في المسيرات المنددة بإسرائيل والداعمة للكفاح الفلسطيني.
أما على مستوى حزب الاستقلال، الذي يشكل الهوية السياسية لميارة، فقد لعبت هذه الهيئة السياسية دورا تاريخيا بارزا في القضية الفلسطينية، بدأ مع زعيمه المؤسس علال الفاسي، والذي كان واحدا ممن شهدوا وساندوا تأسيس حركة “فتح” ومنظمة التحرير الفلسطينية، حتى أن قادة الكفاح الفلسطيني كانوا ينادون الزعيم علال بلقب “الوالد”، ونتيجة هذه الحظوة كان علال الفاسي أحد القلائل الذين كانوا على معرفة مسبقة بساعة انطلاق الرصاصة الأولى لتحرير فلسطين سنة 1965، وكانت آخر مهامه بطلب من قيادة منظمة التحرير الفلسطينية قبل أن يدركه الموت، مطالبة الرئيس الروماني نيكولاي تشاوسيسكو بإنشاء مكتب للمنظمة في بوخاريست وهو المطلب الذي وافق عليه حالا تشاوسيسكو وبعدها مباشرة فارق الزعيم علال الحياة.
كان حزب الاستقلال رافضا دائما لأي مشروع لتقسيم أرض فلسطين وقيام دولة يهودية، وأصدر في ذلك بيانا شهيرا وقعه باسم قيادة الحزب، أحمد اليازيدي، ومما جاء في ذلك البيان الصادر في 1946: “إن الصهيونيين غير محقين في مطالبتهم بتأسيس وطن قومي في أرض فلسطين بعد أن تثبت البراهين التاريخية أن العرب يسكنون تلك الديار منذ عشرات القرون، وأن الحكم كان فيها للمسلمين منذ ثلاثة عشر قرنا بدون انقطاع، بينما لم يعمرها اليهود خلال أربعة قرون، وفي عهود متقطعة ومن دون استقرار. فمطالبهم إذا هي محض تعد على حقوق أهل البلاد الطبيعية، ووعد بلفور الذي يؤيدها لا يرتكز على أساس شرعي أو منطقي، وليس لقرار هجرة اليهود إلى فلسطين من معنى إلا استعمارها من جديد، بل استعمارها بأفظع أنواع الاستعمار”.
واستمرت مواقف الحزب ومعه نقابته التي لا زال يرأسها ميارة، الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، على هذا المنوال، ودأب الحزب على استقبال المسؤولين الفلسطيين، حزبيين ونقابيين، والتعبير في كل المناسبات عن دعم كفاح الشعب الفلسطيني، وتوجيه الدعوة للمغارب للمشاركة في كل المسيرات المليونية التي عرفتها شوارع المغرب على مدى سنوات دعما للقضية الفلسطينية.
ومن بين مواقف الحزب الرافضة للتطبيع، وأوضحها وآخرها، ما جاء على لسان أمينه العام نزار بركة في أكتوبر 2020، شهرين فقط قبل توقيع المغرب على اتفاقية تطبيع علاقاته مع اسرائيل، حيث قال بركة إن اتفاقيات التطبيع تعد خطوة مضرة وتقوض الموقف العربي وليست ذات جدوى سياسية، خاصة وأن الاحتلال الإسرائيلي ماض في مشروعه الاستيطاني، وإن هذه الاتفاقيات ستفتح الباب لتجاوز الحقوق الفلسطينية التي كفلتها قرارات الشرعية الدولية، وستدفع نحو انهيار حل الدولتين الذي يحظى بإجماع دولي.
وأكد بركة آنذان، خلال لقائه سفير دولة فلسطين لدى المملكة المغربية جمال الشوبكي، في المقر المركزي لحزب الاستقلال في العاصمة المغربية، الرباط، أن حزبه ورغم كل الضغوط التي تمارس على دول المنطقة، سيبقى متمسكا بمواقفه المبدئية تجاه القضية الفلسطينية، وهو ما عبر عنه الحزب خلال الفترة الماضية حيث كان سباقا حسب قوله في إعلانه رفض التطبيع، مشيرا إلى أن موقف الحزب أتى منسجما مع المزاج الشعبي والرسمي المغربي والمكانة الرمزية للملك محمد السادس بصفته رئيسا للجنة القدس.
ولا زال الحزب، ممثلا في عبد القادر العلمي، يشكل ركنا أساسيا في مجموعة العمل الوطنية لدعم كفاح الشعب الفلسطيني، وهي الهيئة التي تضم ممثلين عن مختلف القوى السياسية والمدنية المغربية بمختلف توجهاتها، وتنسق لتنظيم المواقف من تطورات الملف الفلسطيني، بل أن الحزب، ممثلا في العلمي، يشغل منصب منسق المجموعة.