“الإفراج المقيد” يطرح تساؤلات حول قصور السياسة العقابية بالمغرب
جمعت ضرورة تفعيل آلية “الإفراج المقيد” رؤى كبار المسؤولين القضائيين بالمغرب، قصد تجاوز الإشكالات التي تطرحها العدالة الجنائية في مجال تنفيذ العقوبات السالبة للحرية وما يرتبط بتأهيل المحكوم عليهم وإعادة إدماجهم داخل المجتمع.
وتأتي هذه الدعوات المتوافقة حول “الإفراج المقيد”، في إطار ندوة عُقدت اليوم 27 ماي 2024 بالرباط، تحت عنوان “الإفراج المقيد بشروط: بين متطلبات التفعيل وتحديات توسيع فرص الإفراج وإعادة الإدماج”، بهدف التصدي لنواقص السياسة العقابية بالمغرب وإرساء سياسات ناجعة.
الإفراج وسيلة إصلاحية
وفي السياق ذاته، قال الحسن الداكي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ورئيس النيابة العامة، إن “الإفراج المقيد بشروط ليس مجرد وسيلة لتخفيف الاكتظاظ في السجون، بل هو أداة إصلاحية تهدف إلى تثمين مسار السجناء الذين يظهرون سلوكا حسنا والتزاما بالبرامج الإصلاحية داخل السجون”.
وأوضح الداكي في كلمته، أن “الإفراج المقيد بشروط يعد عاملا محفزا للسجناء للانخراط في برامج التأهيل والإصلاح، ويعزز فرص اندماجهم في المجتمع بعد الإفراج عنهم”.
ويرى رئيس النيابة العامة، أن “الإطار القانوني المغربي يتيح إمكانية الإفراج المبكر عن السجناء الذين يظهرون استقامة وحسن سيرة، مؤكدا على الشروط التي تحكم هذا الإفراج، مثل “ضرورة قضاء نصف مدة العقوبة في الجرائم الجنائية، وثلثيها في الجرائم الجنحية”.
جهود ونتائج محدودة
وقال الداكي إنه “بالرغم من الجهود المبذولة من طرف المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، ما زال عدد المستفيدين من الإفراج المقيد بشروط ما محدودا”، مشيرا في ذلك إلى أنه “ووفقا لإحصائيات المندوبية العامة لإدارة السجون، لم يتجاوز عدد المستفيدين 408 مستفيدين منذ سنة 2019 حتى سنة 2023، ما يمثل نسبة 5.8% فقط من مجموع الملفات المحالة”.
وأثار ذات المتحدث، تساؤلات حول الأسباب التي تحول دون الرفع من عدد المستفيدين من الإفراج المقيد بشروط في المغرب، متسائلا عن “دور نقص الملفات المقترحة أو شخصية المدانين أو نظرة المجتمع في هذا الشأن”.
وكشف الداكي، عزم رئاسة النيابة العامة على “مواكبة تفعيل آلية الإفراج المقيد بشروط”، مشيرا إلى أهمية تجهيز الملفات في آجال معقولة وضرورة متابعة المفرج عنهم لضمان تقيدهم بالضوابط القانونية.
وشدد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض على أن “فلسفة العقوبة يجب أن تكون حاضرة دائما عند مناقشة تأهيل المحكوم عليهم وإعادة إدماجهم”.
غياب التنسيق يؤخر التنفيذ
ومن جانبه، اعتبر وزير العدل عبد اللطيف وهبي، أن “ارتفاع مؤشرات الجريمة وتنامي حالات العود واكتظاظ المؤسسات السجنية هي نتيجة مباشرة لقصور السياسة العقابية المتبعة”.
وقال إن “الوضع العقابي ببلادنا بحاجة ماسة لتفعيل مختلف الآليات القانونية المتاحة التي توقف تنفيذ العقوبة السالبة للحرية أو تعفي منها أو أخرى تكون بديلا لها كحل معول عليه للتصدي للنواقص التي تعتري السياسة العقابية الحالية”.
وأوضح وهبي أن “إكراهات التنفيذ ترجع لعدة اعتبارات”، أبرزها “ضعف التجاوب مع الطلبات المقدمة”، مشيرا في ذلك إلى أن “الإشكالات تكمن في غياب التنسيق مع القطاعات المتدخلة”، مضيفا أن “الإمكانيات المادية واللوجستيكية غير كفيلة بتفعيل آلية الإفراج المقيد على الوجه الأمثل”.
وأضاف المتحدث ذاته، أن “الإفراج المقيد آلية فعالة للتخفيف من اكتظاظ المؤسسات السجنية، وآلية تجسد اعتماد سياسة عقابية مرنة تتماشى مع التوجهات الجديدة في اعتماد بدائل للعقوبات السالبة للحرية.
وقال في ذات الصدد إنه “بالرغم من كون آلية الإفراج المقيد تم اعتمادها منذ صدور قانون المسطرة الجنائية، إلا أنها لم تحقق النتائج المرجوة”.
وكشف وهبي في هذا الصدد، أنه بلغ عدد المستفيدين من هذه الآلية خلال الثلاث سنوات الأخيرة ما مجموعه 541 حالة (160 مستفيد عن سنة 2022 و 204 مستفيد عن سنة 2023 و155 مستفيد عن سنة 2024 مع 22 مستفيد قيد الإفراج).
الوسيط يدعو إلى “مفهوم جديد”
وفي نفس السياق، أوضح وسيط المملكة محمد بنعليلو، أن “مشاركة مؤسسة الوسيط تعتبر تمرينا عمليا لتدبير التقاطعات التي يفرضها العمل المؤسساتي المشترك بين مختلف الجهات المعنية، بهدف تحقيق أهداف متكاملة ترمي لخدمة المواطنين”.
ودعا بنعليلو في كلمته، وزير العدل إلى التفكير في ترسيخ “مفهوم جديد” لإعادة إدماج المفرج عنهم، يرتكز على ما أسماه بـ”الإدماج الارتفاقي”، وذلك من خلال “آليات تشريعية تضمن المساواة بين المواطنين وتساهم في تهيئة فترة ما بعد الإفراج بذكاء وفعالية”.
وفيما يخص فئة “المفرج عنهم”، أكد وسيط المملكة أن هذه الفئة تعد من “الفئات الهشة في المجتمع، وتستحق العناية اللازمة وإيجاد الحلول للتحديات الإدارية وأحيانا التشريعية التي تواجه حقوقها الارتفاقية”، وأكد في ذلك أن مؤسسة وسيط المملكة تسعى لفتح “بُعد جديد” في موضوع إعادة الإدماج، أطلق عليه “البعد الارتفاقي في إعادة الإدماج”.
الارتفاق الذكي
وشدد بنعليلو على أن الاشتغال عبر “بوابة الارتفاق العمومي” يعتبر “مدخلا أساسيا لتجاوز الصعوبات القانونية والإجرائية التي قد يواجهها المفرج عنهم، بالإضافة إلى ما يتعرضون له من ترسبات اجتماعية سلبية وأفكار مسبقة، وصفها بــ”الآثار الارتفاقية للعقوبة”.
ودعا إلى “إرساء منطق توجيه ارتفاقي ذكي”، يزاوج بين “الاحتياجات الفردية للمفرج عنهم والبعد المتكامل الضامن لنجاح عملية إعادة إدماجهم في المجتمع”، مما يساهم في “تحقيق توازن بين الحقوق والواجبات وتسهيل عودتهم كأفراد منتجين في المجتمع”.
حالة !
وجدير بالذكر أن الندوة تأتي في سياق يعرف ضغطا حقوقيا لقبول طلب الإفراج المقيد عن محمد زيان، المحامي والوزير السابق، والذي أثار ظهوره وهو في حالة صحية متدهورة، موجة استياء.
وسبق أن أكد المحامي علي زيان، أنه تقدم بطلب الإفراج المقيد عن موكله ووالده، وقال إن “القرار الآن بيد السلطات السياسية في البلاد هل ستتحمل مسؤوليتها وتقرر الإفراج عن رجل مسن يتجاوز سنة 81 سنة المعتقل بموجب تهم تتعلق بحرية التعبير، أم ستتركه مسجونا وراء القضبان”.
حسام هرهوري- صحافي متدرب