مودة انبعثت من رحم الخصام.. هكذا استحضر أوريد رفيقه الراحل بهاء الدين الطود
حكى الكاتب والروائي المغربي حسن أوريد عن علاقته الفريدة بالأديب بهاء الدين الطود الذي غادر الحياة شهر أكتوبر من العام الماضي، هذه العلاقة التي بدأت بالخصام لتليها مودة وصداقة يصفها أوريد بالمتينة.
“أول المودة خصام”
وجاء كلام حسن أوريد خلال حديثه اليوم الثلاثاء 14 ماي الجاري بالمعرض الدولي للنشر والكتاب، في لقاء خصص لإحياء ذكرى الأديب الراحل بهاء الدين الطود ووفاء لمنجزه الإبداعي، وخلال اللقاء تحدث أوريد عن الخيط الأول الذي نسج فيما بعد الصداقة القوية التي جمعته ببهاء الدين الطود.
وعاد أوريد بذاكرته سنوات إلى الوراء، وقال “كنت أسمع ببهاء الدين الطود سليل عائلة ذائعة الصيت ولم أكن أدري أن خصاما بيننا في النهاية سيحدث ليقودنا إلى صداقة قوية”، واسترسل في حكيه قائلا “الخصام بينهما حدث حينما قرأت قبل سنوات حوارا للراحل أجراه مع إحدى الجرائد وخلاله اتهمني بأشياء لم أقترفها أبدا”.
وتعود قصة ذلك إلى مؤسسة كان من المفترض أن ترى النور وقتها، هذه المؤسسة التي كانت ستحمل اسم الكاتب الراحل محمد شكري، وكان الروائي حسن أوريد من ضمن الضالعين في هذا المشروع، وحينما لم يكتب له أن يكتمل، ظن الراحل بهاء الدين الطود أن أوريد سبب في إفشال المؤسسة.
ولم تنته القصة عند هذا الحد وفق كلام حسن أوريد بل إن الطود هدد بمقاضاته، وقال أوريد في هذا الصدد إنه اتهمه “لأسباب لا يد له فيها، والحال أنه لم يرد غير الإصلاح ما استطاع إلى ذلك سيبلا” لكن عمر هذا الخصام حسب أوريد لم يطل كثيرا وسرعان ما التقا الكاتبان ليطويا صفحة الخلاف ويشرعا في صفحة صداقة عميقة.
الكاتب الذي يسكن المكان
وبعد أن تحدث حسن أوريد عن قصة صداقته بالراحل، حكى عن الفصول اللاحقة للخصام وقال وهو يستحضر جوانب من لحظاته مع الأديب الراحل إن “الأمم تبنى على التذكر، حينما نتذكر من رحلوا فنحن نبني المستقبل”.
وقال إنه ارتبط بمنطقة بريش فقط لأن بهاء الدين الطود قاده إليها، وتابع لا أتصور من دونه صرت أشعر بأن بريش فارغة منذ رحيل بهاء، كل ذلك العالم الذي كان جزءا مني هناك أصبح فارغا. ارتباط أوريد بالكاتب الراحل كان له حضور في أعماله.
واعترف حسن أوريد أن شخصية من شخصيات رواياته “الموتشو” والتي هي “إيستر” حلت ببيت بهاء، هذا البيت الذي قال عنه إنه كان “خلية نحل يعج دوما الكتاب والأدباء من كل صوب.
الطود الذي يكتب السهل الممتنع
وعن المنجز الأدبي للكاتب الراحل بهاء الدين الطود قال حسن أوريد إنه من الواجب أن يبر بذكراه لأنه “من خيرة من حمل القلم في البلاد” وتابع أنه وإن أتى متأخرا إلى الكتابة إلا أنه أتى إليها مثقلا بعد سنوات من القراءة والخبرة في الحياة.
وتحدث عن باكورة أعمال بهاء الدين الطود التي تحمل عنوان “البعيدون” والتي قال عنها إ،ها “تدخل ضمن أدب السهل الممتنع”، وتابع أن الراحل كان من الأوائل الذين التفتوا للتوحيدي، بعد تجربة أحمد أمين وقال إنه لم يكتف بالانتباه بل أتى به إلى طنجة ورتب بينه وبين شكري لقاء.. وجمع ببراعة بين الفانتازيا والوفاء لؤلئك الذين ظلمتهم الحياة، وفق تعبير أوريد.
وأكد في ختام كلامه أن هذا اللقاء حول الأديب الراحل بهاء الدين الطود ليس فقط من أجل تذكره بل أيضا من أجل بعثه مجددا، ملحا على ضرورة نشر ما تركه بهاء الدين الطود في الحياة قبل رحيله الأخير.
سيرة البدايات
ورأى الكاتب المغربي بهاء الدين الطود النور بمدينة القصر الكبير سنة 1946 وعاش سنوات حياته الأولى هناك. وكان الأديب الراحل خلال أعوام طفولته الأولى شاهدا على اعتقالات متكررة لوالده محمد بن عبد القادر الطود الذي قال عنه إنه “كان إماما وعازف بيانو”.
وبسبب تلك الاعتقالات عاش الطود طفولة مضطربة حيث تعرض منزل أسرته لإضرام نار كاد يودي بحياة كل عائلته لولا أن الجيران هبوا لإنقاذهم من فوق السطوح. إلى جانب هذا بهاء الدين الطود كان شاهدا كذلك على واقعة تهريب عمه نحو القاهرة بعد أن كان لعائلته ارتباط بالمقاوم المغربي محمد بن عبد الكريم الخطابي.
وحينما بلغ الكاتب الراحل من العمر عشر سنوات، فقد والده فذاق طعم اليتم صغيرا وانتقل بعد ذلك للعيش رفقة جدته بمدينة أصيلة هناك حيث تابع تعليمه واستكمل دراسته الثانوية قبل أن يتوجه إلى بلاد المهجر لدراسة الصحافة.
وبعد أن أمضى أربع سنوات بمدريد من الدراسة والتحصيل عاد إلى المغرب من جديد ليبدأ رحلة أكاديمية أخرى انتقل فيها من عالم الصحافة إلى القانون حيث درس القانون بين كل من الرباط وباريس. ليسخّر كل وقته لمهنة المحاماة فأمضى أكثر من ثلاثين سنة في خدمة هذه المهنة.
“البعيدون” أول الرحلة
جاء الراحل بهاء الدين الطود إلى عالم الرواية متأخرا بالرغم من أن الكتابة كانت هما رافقه خلال كل مراحل حياته بعد أن راكم سنوات من التجربة والقراءة والمشاهدة. روايته الأولى حملت عنوان “البعيدون” وكتب الروائي المغربي الراحل محمد شكري مقدمتها هذا الإصدار الأول لبهاء الدين الطود لقي صدى كبيرا في العوالم الثقافية العربية.
وطرح المؤلف في هذه الرواية قضية المهاجرين العرب في أوروبا، ف”البعيدون” تحكي قصص معاناة أولئك الذين فرضت عليهم ظروف الحياة القاسية في أراضيهم الاغتراب دون أن ترحل الأوطان يوما عن قلوبهم.
بعد الرواية البكر توالت الإصدارات فالراحل ترك خلفه مجموعة نصوص أخرى، تتوزع بين الرواية والسيرة، من قبيل روايته المتميزة “أبو حيان في طنجة”.
وكتب كذلك المقالة الصحافية والأدبية، كما نشر القصة القصيرة في عدة مجلات عربية. إلى جانب ذلك شغل الطود مهمة كاتب عام لفرع “اتحاد كُتّاب المغرب” بمدينة طنجة لفترة، وانتُدب محامياً للاتحاد، قبل أن ينذر ما تبقى من حياته، كلياً لفعل الكتابة والتأليف.