الحرب على التيكتوك
في سابقة من نوعها في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، صادق مجلس النواب الأمريكي الأسبوع الماضي على قانون يجبر شركة بايتدانس Bytedance المالكة لتطبيق تيكتوك على بيع حصصها من التطبيق في غضون شهر، وقرار حظر التطبيق في الولايات المتحدة إذا لم تمتثل الشركة الصينية لقرار البيع.
القانون مر بأغلبية كبيرة في مجلس النواب وانتقل إلى مجلس الشيوخ الذي من المتوقع أن يصادق على القانون. وتعتبر هذه أول مرة في تاريخ أمريكا الذي سوف يتم منع تطبيق من تطبيقات التواصل الاجتماعي، مما يعد بجعلها سابقة من الممكن أن تعود لتلدغ المجتمع الأمريكي في حالة توظيفها من طرف رئيس مستقبلي لا يكترث لقواعد الدولة الديمقراطية.
أولا، هذا المقال ليس دفاعا عن تطبيق التيكتوك. فشخصيا أوافق رأي بعض الخبراء الذين اعتبروه أكبر وأعمق عملية استخباراتية للهندسة الاجتماعية في التاريخ المعاصر. حيث إن آثاره السلبية لم ولن نعرف حجم تأثيرها إلا بعد مدة طويلة. لكن ما لم يعد هناك مجال للتشكيك فيه هو أن لتطبيق التيكتوك جوانب سلبية مدمرة على النسيج الاجتماعي للدول التي انتشر فيها. كما أن له آثارا اكلينيكية على مستعمليه (خصوصا المراهقين منهم)، من بين أبرزها انخفاض نسبة التركيز وارتفاع نسبة الاكتئاب والقلق السريري والأرق.
لكن ما يدفع المرء للتساؤل هو التوقيت الذي تم فيه حشد الدعم في الكونغرس ضد تطبيق التيكتوك وسبب التركيز عليه عوض معالجة التحدي جذريا. فالدراسات الأكاديمية التي تشير إلى خطورة التيكتوك تشير كذلك إلى الآثار المدمرة لتطبيق انستغرام على المراهقين (الفتيات منهم خصوصا)، لكن لم نر أي تحرك من ممثلي الأمريكيين للتصدي لانستغرام أو أي تطبيق أمريكي آخر. بل إن الدراسات تشير إلى أن تطبيق انستغرام هو أكثر التطبيقات تدميرا لثقة المراهقين في أنفسهم، لكنه لا يلاقي نفس التجييش ضده.
ما لا يريد سياسيو أمريكا الحديث عنه هو أن تطبيق التيكتوك هو التطبيق الوحيد الذي لا يسيطرون عليه ويتحكمون فيما يسمح بنشره داخله. أضف إلى ذلك أن غالبية المراهقين والشباب أقل من 24 سنة يستعملون التيكتوك أكثر من أي وسيلة تواصل اجتماعي أخرى. هذا يجعل منه خطرا وجب التصدي له والحد من تأثيره على الشباب الأمريكي. فالشباب يعتبرون التيكتوك أول وسيلة لمتابعة الأخبار المحلية والعالمية ويسمح بالتعرف على وجهات نظر مختلفة ومغايرة لتلك السردية التي تتبعها وسائل الإعلام التقليدية.
وبالحديث عن التوقيت، فلا يمكن فهم هذا التجييش الأمريكي ضد التيكتوك دون الحديث عن العدوان الإسرائيلي على غزة. فالدراسات أثبتت أن المحتوى المساند لفلسطين أكبر بشكل خرافي من ذلك المساند لإسرائيل داخل تطبيق التيكتوك. وبالتالي فزعماء الصهيونية في أمريكا لم يستسيغوا الأمر ونبهوا قادتهم ومعهم سياسيي أمريكا بضرورة التصدي لهذا التطبيق.
ما أكد هذا التوجه هو التسريب الصوتي لجوناثان غرينبلاط رئيس رابطة مكافحة التشهير وهي منظمة غير حكومية يهودية أمريكية مساندة لإسرائيل. في التسريب، يقول غريبلاط إن هناك مشكلا كبيرا بين الأجيال (مشيرا إلى الدعم العالي جدا لفلسطين بين صفوف الشباب في أمريكا)؛ كما قال إن هناك مشكلا كبيرا اسمه تيكتوك (مشيرا إلى الدعم الكبير جدا لفلسطين مقارنة مع إسرائيل في التيكتوك وكيف يؤثر ذلك على السردية الإسرائيلية في الولايات المتحدة).
وكما هو معلوم، فاللوبي اليهودي في أمريكا يسيطر على غالبية السياسيين داخل الكونغرس. وهذا ليس رأيي بل هو شيء تفتخر به منظمة إيباك الأمريكية الإسرائيلية والتي تنشر على موقعها بأنها ساهمت في نجاح عدد من أعضاء الكونغرس، كما ساهمت في خسارة الانتخابات لعدد آخر لا يساند إسرائيل.
لذلك فلابد من فهم قرار منع التيكتوك في سياقه وعدم التأثر بالكلام المنمق الذي يصدر من بعض سياسيي أمريكا عن رغبتهم في حماية المواطن الأمريكي من الخطر الصيني، وفهم أن سياسيي أمريكا صاروا دمى تحركها الآلة الصهيونية لمصالحها الخاصة.