story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
افتتاحية رياضية |

معطيات غائبة حول قضية إبراهيم دياز

ص ص

اختيار اللاعب إبراهيم دياز اللعب مع المغرب بدل إسبانيا، وموقف المسؤولين في الجامعة الإسبانية لكرة القدم من ذلك، يجب قراءته خارج الهالة الإعلامية المتضخمة، والجارية في صحافة جارتنا الشمالية المعروفة بأسلوبها في تغييب الحقائق بغرض صناعة “البوز” من لاشيء، ففي قضية إبن مدينة مالقا معطيات مهمة تم تجاهلها بغرض تصوير الأمر وكأنه “شمتة” إضاعة موهبة ناذرة ولاعب كبير كانت إسبانيا في أمس الحاجة إليه، والتركيز على اتهام مدرب لاروخا لويس دي لافوينتي والمدير التقني الوطني ب”الغباء” وسوء تدبير الملف الذي انتصرت فيه جامعة فوزي لقجع بالمغرب و”طارت” بإبرهيم من بين أيديهم.

لنضع هذا الجدل جانبا ونذهب إلى قراءة خفيفة في المنظومة الكروية الإسبانية بكل مكوناتها ودرجاتها وهياكلها ونتائج استراتيجياتها، لنرى ماذا يشكل فيها لاعب واحد مثل إبراهيم دياز، حتى يقوم على اختياره للمغرب كل هذه الضجة؟!

إسبانيا كرويا تسير وفق مخطط شامل يضعه المجلس الأعلى للرياضة، وتعمل على تنزيله جامعة كرة القدم الوطنية بالإضافة إلى الجامعات الإقليمية، وتتوفر إلى حدود سنة 2023 على حوالي مليون و400 ألف رخصة لاعب، وهو رقم من بين الأوائل عالميا في عدد الممارسين بمقياس عدد سكان البلاد، وتتوفر على عدد هائل من الأندية والروابط ومراكز التكوين منتشرين في المدن والقرى والبلدات الصغيرة، ولديها سياسة تكوين احترافية متطورة جدا (في جميع الرياضات) تنتج سنويا المئات من اللاعبين ذوي الجودة العالية الذين بإمكانهم اللعب في أقوى أندية الصفوة المحلية والعالمية، وكذلك الإعتماد عليهم في المنتخبات السنية الإسبانية والمنتخب الأول.

صحيح أن ابراهيم دياز لاعب بمميزات خاصة، وله من المؤهلات ما يجعل أي مدرب يطلبه ويعامله معاملة استثنائية، ولكن في حالة المنتخب الإسباني لم يكن مدربه لويس ديلافوينتي ولا مديره العام ألبير لوكي أغبياء ولا متنطعين ولا أنهم يسيؤون إدارة منتخب يمثل كرة قدم مستقرة ومتطورة، حتى أفلتوا من بين أيديهم لاعبا موهوبا، كما أرادت أن تصور لنا ذلك الصحافة الرياضية الإسبانية.. هي فلسفة لإدارة الأمور داخل جل منتخبات البلدان المتطورة كرويا التي لديها عدد كبير من اللاعبين عاليي المستوى المؤهلين، تقوم على إبدائهم للرغبة والحماس لحمل القميص الوطني، ولويس ديلا فوينتي لم يفعل شيئا سوى أنه لديه حساباته التقنية ومعاييره في اختيار لاعبيه، وعندما وضع ابراهيم في لائحة أولية، اتصل به الأخير وأبدى رفضه أن يكون في اللائحة النهائية بمبرر وجوده في “مرحلة تفكير لتقرير مصيره الدولي”، فألغاه من مفكرته ببساطة واتجه إلى لاعبين إسبان آخرين متألقين.

الصحافة الرياضية الإسبانية استغلت قضية إبراهيم دياز لإثارة الكثير من حالات اللاعبين الإسبان من أصول أخرى، وبدأت في التهويل ودق أجراس الخطر، لتصوير الأمر وكأن إسبانيا تتعرض لاستنزاف كفاءاتها الكروية الموهوبة من قبل بلدان أخرى، بعد أن تكونهم وتصنع منهم نجوما، وهو ادعاء فيه الكثير من المبالغة.

فرانسيس هيرنانديز منسق المنتخبات الإسبانية السنية، في حوار مع صحيفة آس، تطرق إلى تزايد ظاهرة تغيير الجنسية الرياضية للاعبين الإسبان خلال السنوات الأخيرة، مشيرا إلى أن سبب ذلك يكمن في ارتباطه بتطور المجتمع الإسباني الذي انفتح على موجات هجرة حديثة، وكان لابد من وجود أبناء الجيل الأول للمهاجرين بكثرة في الأكاديميات ومراكز التكوين، الذين وجدوا أنفسهم يحملون جنسيات أخرى غير جنسيتهم الإسبانية، وبالتالي أصبح يطرح لهم هامش اختيار مهني آخر في مسيرتهم الكروية وأكد على أنهم أحرار في ذلك، وقال هيرنانديز أن الجامعة والأندية تقوم بدورها في التأطير والتكوين ولا تشكل لها هذه التسربات أدنى مشكل بدليل أن المنتخبات الإسبانية السنية من أصل تسعة منافسات أوروبية تواجدت في نصف النهاية ثماني مرات، وهذا يعني شيئا واحدا وهو الوفرة في وجود المواهب واللاعبين الجيدين المؤهلين لتمثيل إسبانيا.

إبراهيم دياز واللاعبين الآخرين الذين التحقوا بالمنتخبات المغربية، بعد أن ولدوا وتكونوا في إسبانيا، قد تفيد في مراكزها مع هذه المنتخبات، لكن من الذكاء أيضا أن ينفتح مسؤولو جامعتنا الكروية أكثر على التجربة الكروية الإسبانية الناجحة التي تصنع هؤلاء اللاعبين، خصوصا وأن تنظيم كأس العالم بشكل مشترك بين البلدين بعد ست سنوات من اليوم، بإمكانه أن يساعد على نقل الكثير من التجارب والخبرات في هيكلة كرة القدم من الشمال إلى الجنوب، هذا إن كانت لدى الجنوب نية حقيقية في هذه الهيكلة وفي تحويل الكرة إلى قطاع منتج يفيد البلاد والعباد.