story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
مجتمع |

تقطار الزهر.. تقليد ملكي وعادة شعبية ضاربة جذورها في التاريخ

ص ص

تحتضن مدينة مراكش ما بين 16 و 26 مارس من كل سنة تظاهرة ” زهرية مراكش” وهي التظاهرة التي تحتفي بتقليد تقطار الزهر، التقليد العريق الذي تحرص المدينة الحمراء على إبرازه من خلال مجموعة من التظاهرات المواكبة لهذه المناسبة، التي كانت تميز المدينة إلى جانب مدن فاس ومكناس.

وإذا كان القائمون على هذه التظاهرة قد سعوا إلى الحفاظ على هذا التقليد من خلال تنظيم مجموعة من التظاهرات المواكبة، سواء تعلق الأمر بفن الحكي أو بفن الملحون إلى جانب ألوان شعبية أخرى، فإن السعي لتسجيله ضمن التراث الثقافي غير المادي للإنسانية لدى اليونسكو، بعد تسجيله لدى منظمة الإيسسكو كتراث ثقافي للعالم الإسلامي، سيساهم لا محالة في عدم اندثار هذا الموروث، الذي كان جزءا من تقليد ملكي وشعبي ضارب في التاريخ. سواء بقصر الملك أو ببيوت الناس، اهتم المراكشيون كثيرا ب (تقطير/ أو تقطار الزهر)، ليستخرجوا منه “ما ازهر”.

وقد كان افتتانهم بهذه العادة وتمسكهم بها قد وصل حدا جعلهم يدخلوا عليها طقوسا أحاطتها بنوع من التقديس، وهي درجة من الاهتمام بتفاصيلها، تقاسموه مع القصر الملكي، الذي كان يحيط هذه العملية بنوع كبير من الاهتمام.

وتقتصر عملية التقطار على النساء سواء تعلق الأمر بالمجال الملكي الخاص أو بعموم النساء المراكشيات، اللواتي يبدأن بالعملية بقراءة الفاتحة والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، إضافة إلى إنشاد مجموعة من الأذكار، والتي تتخللها في العادة أهازيج تضفي على العملية جوا من الفرح.

وتحرص النساء على إتيان العملية في طهارة كاملة، حيث يحظر على غير الطاهرات المشاركة في العملية، مما يجعل عملية التقطار أشبه بالدخول في أداء فريضة الصلاة.

ولا تختلف هذه الطقوس عن مثيلاتها داخل القصر السلطاني، والذي قدم لنا مؤرخ الدولة العلوية ونقيب شرفائها عبد الرحمان بن زيدان ، وصفا دقيقا لها، حيث تتولى هذه العملية النساء المكلفات بخدمة السلطان، وذلك تحت إشراف مسؤولة عنهن تسمى “العريفة”، بعد أن يتم تجميع الزهر من حدائق القصر من قبل الخدم، ليتم تقطيره.

ويجب أن يستكمل هذه العملية من بدأها من النساء، ليتم وضع ماء الزهر في قوارير يتم تغليفها بالجلد، لتوضع بعد ذلك في صناديق من خشب.

وقد شكل حصول السلطان على باكورة ما تم تقطيره من الزهر، من العادات التي كانت مرعية داخل القصور السلطانية، فأول كمية يتم إنتاجها توجه إلى السلطان، كما وثق لذلك مؤرخي الدولة، سواء كان السلطان مقيما داخل المدينة التي تمت فيها عملية التقطير، أو كان خارجها.

ومن الإشارات الدالة على ذلك، رسالة صادرة عن حاجب السلطان العلوي محمد بن عبد الرحمان بن هشام، إلى خليفته السلطان الأمير سيدي حسن ( المولى الحسن الأول بعد توليه الملك).

وتعتبر الرسالة التي نوردها كما وردت عند بن زيدان في كتاب العز والصولة، رسالة فريدة في بابها، تعبر عن حرص السلطان محمد بن عبد الرحمان أواخر القرن 19 على حصوله على ماء الزهر، الذي كان ذا أهمية في حياة السلطان الخاصة أو أثناء الإستقبالات الملكية.

وكان ماء الزهر يوضع في المرشات، لتعطر به أيدي ضيوف السلطان، بعد أن يدبج الحاجب الملكي رسالته بما يليق بمخاطبة أمير، هو خليفة لأبيه السلطان.

يبلغ الحاجب الأمير أوامر السلطان بالقول: ” يأمرك سيدنا نصره الله، أن تدفعها للوصيفة زيد الخير التي كانت مع لالتنا رقية والياقوت أم لالتنا أم الغيت تضعها في القبة التي فيها ماء الورد ، ويوجهان لحضرة سيدنا اثنان ربائع من ماء الورد، ولابد ومفاتيح القباب التي كانو عند لالتنا رقية رحمها الله”.

و “يأمر سيدنا نصره الله أن تدفعها لوصيف الدار بلخير تبقى تحت يده، وإن أرادت زيد الخير والياقوت فتح شيء يأتي بلخير بالمفاتيح، ويقف معها حتى يقبضان الغرض، ويشد ويتوجه بمفاتيحه، فتكلم سيدي معه ومعها في ذلك”.

وهو الأمر الذي يشير مؤرخ الدولة بن زيدان كان مرتبطا بعواصم المغرب الثلاث آنذاك، مراكش وفاس ومكناس.

ويكفي أن نشير إلى أن كل إنسان محظوظ نقول له (عندك الزهر) أو (أنت مزهار)، كما شاعت أسماء المواليد من الذكور والنساء مطابقة للأزهار، حيث يسمى الذكور ب (الزاهر/ زهير/ الزهراوي..)، أما الفتيات فيطلق عليهن اسم (زهرة/ ازهور/ ازهيرو/ الزهرة/ زهيرة).

كما لم تخل أسماء الأمكنة أحيانا من هذا المشتق كما هو الشأن بالنسبة ل (الزاهيرية) بأكدال، وهي بقعة كانت غناء جميلة جدا.