story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
دولي |

مصطفى كرين يكتب عن “تحالف الخليج والمحيط”: في انتظار اكتمال الصورة

ص ص

دون إثارة الكثير من الضوضاء، انعقد يوم الأحد 3 مارس 2024 بالعاصمة السعودية الرياض، لقاء جمع بين وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي من جهة، ووزير الخارجية والتعاون المغربي من جهة أخرى، وقد توّج هذا اللقاء بصورة تذكارية جميلة جمعت الحاضرين، وإن كانت تفاصيل ومخرجات اللقاء بعيدة عن التغطية الإعلامية النافذة والكافية.

من الواضح أن منطقة مينا (الشرق الأوسط وشمال إفريقيا) تشهد في السنوات الأخيرة أحداثا مصيرية، وتخضع لعملية إعادة ترتيب قسرية لا خيار فيها لدول المنطقة، خصوصا العربية منها، سوى الانضباط لما هو قادم. ومن الواضح أن هذه العملية تهدف بشكل أساسي إلى إدماج إسرائيل في المنطقة أو إدماج المنطقة في إسرائيل، حسب الناظر والموقع الذي ينظر منه.

ومن الواضح أن هذه العملية تتم تحت الإشراف المباشر والحصري للولايات المتحدة الأمريكية التي باتت تلعب مباراتها المصيرية الأخيرة على أرض بلدان المنطقة، ومن الواضح أخيرا أن العملية برمتها تندرج في سياق صراع جيو استراتيجي بين أمريكا وخصومها الدوليين، أي الصين وروسيا، وهو ما يفرض على الولايات المتحدة أن تجمع أو تحشد حلفاءها “الطبيعيين” والتاريخيين في مصفوفة سياسية وأيديولوجية واحدة، استعدادًا لما هو قادم، كأن تجمع الملكيات الحليفة لها من الكويت إلى المغرب أو من الخليج إلى المحيط مرورًا بالأردن.

وإذا كانت الأردن مثلها مثل مصر، لا تحتاجان لحضور القمة المشار إليها، على اعتبار أنهما أثبتتا لواشنطن من خلال مواقفهما وتعاطيهما مع أحداث غزة، أنهما صارتا جزءا فعليا في الاستراتيجية الأمريكية الجارية بالمنطقة، وأن عملية إدماجهما قد تمت بنجاح باهر، بينما تبقى بعض دول المنطقة وخصوصًا الخليجية منها بحاجة للمزيد وليس الكثير من الوقت والجهد للالتحاق بالمصفوفة الأمريكية، ليس لأن هذه الدول ترفض الالتحاق، بل لأنها لم تستكمل بعد عملية ترتيب الخطوات القادمة سياسيا وإعلاميا، بما في ذلك انتزاع ضمانات اقتصادية وأمنية للحفاظ على “الاستقرار (أو الاستمرار) الداخلي..”.

ومعلوم أن الصورة التي جمعت وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ووزير خارجية المغرب، اشتملت على عدة دول طبّعت علاقاتها مع إسرائيل، بل صارت حليفة “قوية” لها، كالإمارات والبحرين والمغرب، ومعلوم أيضا أن اجتماعا من هذا المستوى لا يمكن أن ينعقد خارج إطار التحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهي التي أرسلت حاملات طائراتها للبحر الابيض المتوسط دفاعا عن إسرائيل، على اعتبار أن اجتماعاً من هذا الحجم يمكن، في حال انعقد خارج الأجندة الأمريكية، أن يشكل خطرا وجوديا على تل أبيب، بل يمكن القول أن أي تحالف بين الأعضاء الحاضرين لا يمكن تصور انعقاده في هذا الظرف إلا بنقطة فريدة أو على الأقل مهيمنة في جدول الأعمال، ألا وهي آفاق تطبيع الدول المتبقية من المجموعة، أي السعودية وعمان والكويت وقطر مع إسرائيل، ولذلك وعلى ضوء ما يتردد بين الفينة والأخرى على لسان المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين.

وحتى في ظل الصمت المعهود للدول الخليجية التي لم تطبع علاقاتها مع إسرائيل بعد، يمكن القول إن الصورة التذكارية التي جمعت أصحاب الفخامة والسمو والمعالي والسعادة وزراء خارجية الدول المشاركة في اللقاء، ستكتمل قريبا، بل قريبا جدا، بخمسة وزراء آخرين هم وزير الخارجية المصري ووزير الخارجية الأردني ووزير الخارجية الموريتاني ووزير الخارجية الفلسطيني، والأهم، وزير الخارجية الإسرائيلي، نعم بالضبط، لأنه لا يمكن تصور استمرار السعودية في الامتناع (وليس الممانعة) طويلا عن التطبيع العلني في سياق الانفتاح الذي دشنته في السنوات القليلة الأخيرة على نموذج “حضاري” جديد وغير مسبوق بالنسبة للرياض. نموذج سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي على الطريقة الأمريكية دون أدنى تحفظ يذكر، ولا بد بالطبع من القول هنا أن السعودية لها كامل الحق في اختيار نموذجها الحضاري بكل مكوناته ونموذجها التنموي أيضا دون وصاية من أحد (باستثناء واشنطن طبعا)، حتى ولو كان ذلك بمبررات ودواعي دينية وعقائدية، على اعتبار أن كل الدول العربية والإسلامية الأخرى “اختارت” أو اقتنت نموذجها الخاص من “بازار النماذج التنموية” في البيت الأبيض.

كما لا يمكن تصور استمرار كل من قطر والكويت وعمان في “المقاومة” طويلا، بعد انضمام السعودية لمجموعة الدول المطبعة مع إسرائيل. فالسعودية تنتهج اليوم نفس الاستراتيجية التي انتهجتها تركيا سابقا، أي “سياسة صفر صراع”. لذلك أصلحت علاقاتها مع إيران وانضمت للبريكس من أجل علاقات عادية مع روسيا والصين، وستصلح حتما علاقاتها مع إسرائيل بما يؤدي إلى عودة علاقات طبيعية مع أمريكا، وهكذا يمكنها التفرغ لتحقيق الإقلاع الاقتصادي المنشود، أو ما تسميه بـ”رؤية 2030″.

ووسط كل هذا التكتل لا تخطئ العين استثناء كل من ليبيا وتونس والجزائر من هذه التركيبة، ولكن حين نعرف أن هذه الدول قامت أيضا، وقبل يومين فقط، بالإعلان على لسان الرئيس الجزائري عن انخراطها في تكتل ثلاثي نظرا لـ“التحديات التي تواجهها الدول التي يشملها التكتل، في ظل أوضاع إقليمية مضطربة”.

أما رفض موريتانيا الانضمام إلى هذا التحالف الجزائري التونسي الليبي، إنما يدل فقط على أن مفاوضاتها من أجل الانضمام إلى تحالف الخليج والمحيط قد قطعت أشواطًا هامة بما يكفي لظهور وزير خارجيتها في الصورة المقبلة أو التي تليها لأصحاب “السعادة”، في الوقت الذي اختارت تونس والجزائر وليبيا الانضمام إلى تحالف الشرق بزعامة موسكو وبيكين، خصوصا بعد زيارة الرئيس الإيراني للجزائر قبل أيام قليلة .

بقي القول أن إشادة وزراء دول مجلس التعاون الخليجي بالمبادرة الأطلسية التي أطلقها المغرب، ليست مجرد جملة بيانية أو اعتراضية، وإنما هي في حد ذاتها أجندة تكميلية لما سبق، سنتناولها بشكل منفصل وإن كان الأمر في حقيقته متصلا .