كيليان مبابي.. الفتى الذهبي أخيرا في ريال مدريد
منذ أن كشف كيليان مبابي أنه جلس إلى ناصر الخليفي رئيس باري سان جيرمان وأخبره بقرار عدم تجديد عقده مع النادي الباريسي، أدرك الجميع أن الفتى الذهبي الفرنسي ذو الأصول الكاميرونية والجزائرية، قد حانت لحظة التحاقه بريال مدريد، الفريق الذي كان يحلم منذ طفولته بارتداء قميصه.
بعد سنوات كانت فيها مفاوضات التحاقه بالنادي الملكي تنتهي بالفشل في آخر لحظة بسبب تفاصيل صغيرة، أو بسبب تدخلات من شخصيات فرنسية كبيرة كانت تريد الإبقاء على كيليان لاعبا داخل فرنسا.
لم يمر كثير من الوقت على إعلان عدم رغبته البقاء في ملعب حديقة الأمراء بباريس، حتى طلعت صحيفة “ماركا” الإسبانية المقربة من نادي ريال مدريد، بخبر مؤكد لا يرقى إليه الشك: “مبابي وقع رسميا للنادي الملكي”، مع سرد كثير من تفاصيل العقد الجديد، مشيرة إلى أن كل شيء أصبح جاهزا لاستقبال النجم الفرنسي بملعب سانتياغو بيرنابيو بعد نهاية الموسم.
خبر صحيفة “الماركا” أنه ترِد بعده تفاصيل أخرى عن الإنتقال، وانشغل الجميع بمشوار ريال مدريد المذهل في منافسات الدوري الإسباني وكأس رابطة الأبطال الأوربية، وواصل مبابي إشتراكه في المباريات الأخيرة مع باري سان جيرمان تحيط به الكثير من علامات عدم الرضى من طرف الرئيس ناصر الخليفي ومدرب الفريق الإسباني لويس إنريكي بسبب قرار كيليان الرحيل عن النادي الباريسي.
انتهى الموسم بلقب يوم السبت الماضي الذي أحرزه “الميرينغي”، فبدا مناسبا لإدارة النادي كشف انتقال كيليان مبابي بعد ذلك بيومين عبر بلاغ رسمي على الموقع الرسمي لريال مدريد، علق عليه النجم الفرنسي بعد دقائق بتغريدة على منصة “إكس”: “إنه حلم أصبح حقيقة”.
وأضاف “أنا سعيد وفخور للغاية بالانضمام إلى نادي حلمي، لا أحد يستطيع أن يفهم إلى أي درجة أنا متحمس في هذه اللحظة، أتطلع لرؤيتكم (مشجعو ريال مدريد) بفارغ الصبر وشكراً لدعمكم المدهش، إلى الأمام مدريد”.
كيليان مبابي لوتين قصته مع كرة القدم جديرة باستكشاف تفاصيلها والوقوف عند محطات ملهمة ساهمت في صنع إسم كبير في عالم كرة القدم.
ولادة ونشأة في الضواحي الباريسية
ولد كيليان مبابي لوتين في العشرين من دجنبر من عام 1998، في بلدة بوندي شمال باريس في فرنسا، على بعد 11 كيلومترا من ملعب سان دوني، الذي شهد تتويج فرنسا بكأس العالم. والده ويلفريد مسيحي من أصول كاميرونية ونيجيرية، وأمه فايزة، مسلمة من أصول جزائرية.
كان والده ويلفريد وفيا لثقافته الإفريقية، فسماه كيليان الذي يعني “المقاتل الصغير”، في حين سمى ابنه الأصغر أديمي والذي يعني “التاج يليق بك”.
عاش الولد طفولة قاسية في ضواحي عرفت بأنها مليئة بالعصابات والمنحرفين ومظاهر الإجرام، ولازم الفقر عائلته طويلا، كان في طفولته مشاغبا وكثير الثرثرة والحركة وسريع الملل، حتى إن والدته استدعيت إلى المدرسة باستمرار لإطلاعها على المشاكل التي كان يتسبب فيها.
عندما كان في المرحلة الابتدائية، كان يركض في ساحة المدرسة رافعا يديه نحو السماء ممثلا رفعه كأس العالم، وهو ما جعل مديرة المدرسة تبدي ملاحظات حول سلوكه “الغريب” وفرط حركته داخل الصف، وفكرت في تحويله إلى مدرسة لذوي الاحتياجات الخاصة اعتقادا منها أن كيليان ربما يعاني من اختلال نفسي.
كان مبابي لا ينجز واجباته، ويتحدث عن كرة القدم في كل الحصص الدراسية، حتى إنه عاد يوما إلى منزله ومعه 9 تحذيرات من المدرسة. وفي إحدى المرات، سخر من قميص قديم لزميله، فأرغمته والدته على ارتداء سترة من أزياء الستينيات والذهاب بها إلى المدرسة لمدة أسبوع من أجل تأديبه، كان يحب أن تهدى له الأحذية الرياضية أكثر من الألعاب، وقالت والدته إنه رغب في ترك المدرسة في المرحلة السادسة، ليكرس نفسه لكرة القدم، لكن والده عنّفه ودفعه للاهتمام بدراسته.
وسط عائلي رياضي
نشأ كيليان في عائلة لديها روابط قوية بالرياضة، فوالده ويلفريد مبابي كان لاعب كرة قدم في صفوف “إيه أس بوندي” (النادي الذي بدأ فيه مبابي مشواره الكروي) ثم مدربا لأكثر من 20 عاما، وأمه فايزة العماري كانت لاعبة كرة يد في الدوري الفرنسي خلال تسعينيات القرن الماضي، بينما شقيقه بالتبني جيريس كيمبوا لعب لمنتخب فرنسا للفتيان، وكان عمه مديرا رياضيا في نادي سيدان، أما شقيقه الأصغر إيتان فيلعب في صغار نادي باريس سان جيرمان.
أمه فايزة التي تلقبها الصحافة الفرنسية بالأم الحديدية، منذ صعود ابنها في عالم كرة القدم، وهي تلعب دورا استشاريا مهما في قراراته، وكثيرا ما روى كيليان مبابي كيف يتحدث معها عن كل شيء، وأنها كاتمة أسراره، وتعتني بمظهره ولباسه، وهي التي تدير اليوم شركة العائلة التي تختص في إدارة ما يخص الأبناء الثلاثة من عقود ومفاوضات وإعلانات.
نجومية منذ الصغر
في سن الأربع سنوات، تميز مبابي بسرعة استجابته وذكائه في تلقي تدريبات وأساسيات اللعب التي علمها له والده، وحين بلغ من العمر 6 سنوات، ألحقه بنادي بوندي (AS Bondy) بالضاحية الباريسية عام 2004. وعندما أدرك النادي أن مبابي الصغير، كان أفضل لاعب في فئته العمرية، نقلوه للعب مع الأطفال الأكبر سنا منه بعامين، وبشهادة مدربه أنطونيو ريكاردي، كان مبابي لا يتوقف عن لعب كرة القدم، وبعد التدريب يواصل اللعب مع أصدقائه في الشارع، لذا تطور بسرعة، ونجح في اكتساب كثير من المهارات الفردية التي صارت جزءا من موهبته، وقال إن الصبي كان مختلفا وفعل كل شيء بشكل أفضل وأسرع بكثير من أقرانه، رغم أن موهبته كانت بحاجة إلى تطوير.
في عام 2013، انخرط بأكاديمية “كليرفونتين” التابعة للاتحاد الفرنسي لكرة القدم، وسطع هناك، بقدرته على المراوغة والتهديف في كل مراحل الفئات العمرية التي لعب فيها، إذ قدمت له إحدى الشركات أحذية رياضية مجانا منذ سن العاشرة، وبعدها بعامين قدمت له عرض رعاية خاصة لمدة عامين.
كان نادي رين الفرنسي قد أبدى رغبته في ضم مبابي إلى أكاديميته، بعد أن دعاه إلى تجارب في شكل بطولة كشف، لكن المفاوضات مع والديه فشلت.
كما دعاه نادي تشيلسي الإنجليزي عام 2012 لاختبار قدراته لأسبوع في لندن، لكن والدته منعته بسبب عدم جدية العرض المقدم إليه.
موناكو.. الانطلاق نحو الشهرة
في موسم 2013-2014، نجح نادي موناكو في ضم الفتى الواعد، وخلال عامه الأول عاش في شقة مع والده الذي أخذ إجازة لمدة عام لدعمه، وفي بدايته مع النادي لم يحصل على مقعد كلاعب أساسي، فكان يبكي كل يوم، وتزامن ذلك مع اضطرار أحد مالكي النادي الملياردير الروسي ديميتري ريبولوفليف دفع نصف ثروته لتسوية نزاع مع طليقته، الأمر الذي جعله يبيع نجوم الفريق أمثال جيمس رودريغيز وراداميل فالكاو، وتصعيد بعض لاعبي فئة الشباب إلى الفريق الأول، وكان من بينهم كيليان مبابي، وعندما شاهد المدرب أداءه أخبر مساعده فورا “هذا الفتى يجب ألا يعود لفريق الشباب مرة أخرى”.
في الثاني من دجنبر من عام 2015، ظهر مبابي لأول مرة مع موناكو، حيث أصبح أصغر لاعب يشارك مع الفريق الأول في تاريخ النادي وهو بعمر الـ16 عاما و347 يوما، وبذلك كسر رقم اللاعب تييري هنري الذي ظل صامدا لـ21 عاما، وعندما بلغ مبابي الـ17 عاما و62 يوما، سجل أول هدف مكنه من تحطيم رقم هنري مرة أخرى، الشيء الذي دفع إدارة النادي لتمكينه من أول عقد احترافي لمدة 3 سنوات، وكان الراتب خياليا بالنسبة لمن هم في سنه، لكن والده أخفى عنه القيمة الحقيقية وأخبره أنها لا تتعدى 15 ألف أورو بدلا من 400 ألف، كان هدف الأب من ذلك خو ألا يغتر إبنه بنفسه ويواصل العمل نحو النجاح.
كانت سنواته مع نادي موناكو هي الانطلاقة الحقيقية التي ذاع معها اسمه في الدوري الفرنسي، حيث حصل على جائزة أفضل لاعب شاب، وجائزة الفتى الذهبي في دوري الأندية المحترفة “أوبر إيتس”. كما كان ثاني أصغر هداف فرنسي في تاريخ دوري أبطال أوروبا، وسجل 27 هدفا في 60 مباراة في جميع البطولات منذ أول ظهور رسمي له.
نجم جديد في حديقة الأمراء
في 31 من غشت 2017، قبِل مبابي الانضمام إلى نادي باريس سان جيرمان على سبيل الإعارة لموسم واحد، وفي صيف 2018، كان انتقاله للنادي نهائيا بمبلغ 145 مليون أورو، واعتبرت ثاني أغلى صفقة في تاريخ انتقالات اللاعبين في العالم عبر التاريخ.
مع النادي الباريسي تمكن كيليان مبابي من الفوز بلقب الدوري الفرنسي أربع مرات وكأس السوبر الفرنسي ثلاث مرات وكأس فرنسا مرتين، وأسهم في تأهله إلى ربع نهائي دوري أبطال أوروبا، ونال جائزة لاعب الموسم ولقب هداف الدوري الفرنسي 3 مرات وأصبح ثالث أفضل هداف في تاريخ نادي باري سان جيرمان، وفي موسم 2020-2021، سجل مبابي الهدف رقم 100 بقميص الفريق الباريسي، ليصبح أحد اللاعبين الخمسة الذين استطاعوا تحقيق هذا الإنجاز. وكان أول لاعب سجل 5 ثنائيات خلال موسم واحد في بطولة الدوري الفرنسي.
كما وصل مع فريقه إلى نهائي دوري أبطال أوروبا في موسمي 2019-2020 و2020-2021، وأصبح أول لاعب يسجل 4 أهداف في مرمى برشلونة في موسم واحد، وكان سنه 20 عاما و306 أيام، حين أصبح أصغر لاعب سجل 15 هدفا في هذه المسابقة، وأصغر لاعب يسجل 150 هدفا في الدوريات الأوروبية الخمس الكبرى، بعد الإنجليزي جيمي غريفز عام 1962.
كيليان يقود منتخب الديكة
ظهر مبابي أول مرة مع منتخب فرنسا لأقل من 17سنة، في عام 2014، وهو في سن الـ15، وبعد عامين، أصبح أحد نجوم بطولة أمم أوروبا لفئة أقل من 19 سنة، التي فاز بها منتخب فرنسا، وسجل فيها خمسة أهداف، ونال جائزة الحذاء الفضي.
وفي 25 مارس 2017، كانت أول مباراة دولية لنجم فرنسا في لوكسمبورغ، حيث حل بديلا لديميتري بايي في الشوط الثاني، وأصبح ثاني أصغر لاعب في المنتخب الفرنسي بعد ماريان ويسنيسكي، وعندما بلغ 19 عاما، كان مبابي في مونديال روسيا 2018 في مقدمة المساهمين في فوز منتخب المدرب ديديي ديشان بلقب كأس العالم لثاني مرة في تاريخه، وأحرز فيه 4 أهداف، ونال جائزة أفضل لاعب شاب، وكان ثاني أصغر لاعب بعد الأسطورة بيليه يحرز هدفين، وأصغر هداف فرنسي في تاريخ المونديال.