story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

تيكي تاكا دبلوماسية

ص ص

غادر وزير الخارجية الفرنسي العاصمة الرباط، ستيفان سيجورني، أمس الاثنين 26 فبراير، تماما كما حل بها عشية الأحد، لا جديد تحت الشمس. استقبال عاد جدا من طرف نظيره المغربي ناصر بوريطة، وصور بروتوكولية افتقدت للقدر الكافي من الابتسام الدبلوماسي، وعبارات خشبية مسكوكة ألقيت من هذا الطرف وذاك.
هل كانت العلاقات المغربية الفرنسية في حاجة إلى زيارة رسمية هلل لها الإعلام الفرنسي طيلة أسبوع، واعترضها جزء من الطيفين السياسي والإعلامي المغربيين برشقات تحذيرية، كي “تجدد” باريس دعمها “الغامل” لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء الذي تقدم به المغرب قبل أكثر من 15 عاما؟
أقصى ما يمكن “عصره” من التصريحات الصادرة خلال الندوة الصحافية المشتركة بين سيجورني وبوريطة زوال أمس، هو الملخص الذي تضمنته تصريحات الوزير الفرنسي نفسه: استعداد ماكر ل”التقدم” في دعم المخطط المغربي الذي يمكنه حسم أمر السيادة المغربية على الصحراء، دون أن يخبرنا الضيف الفرنسي بحجم هذا التقدم الذي ألمح إليه، في مقابل حصة من الكعكة الاقتصادية التي يعرضها المغرب على شركائه الخارجيين: مشاريع كبرى في مجالات الطاقة والبنيات التحتية والصناعة…
زيارة الوزير الفرنسي لا تسعف، بعدما كشفت عن تضخيم الآمال المعلقة عليها قبل حدوثها، في قراءة طالع العلاقات المغربية الفرنسية أو التنبؤ بمستقبلها. وهي في أحسن الأحوال كسر لجليد تراكم طويلا فوق مفاصل علاقات استثنائية بين بلد ومستعمره السابق (…) واستجابة فرنسية متأخرة لمطلب مغربي بسيط هو تغيير النظرة والتخلي عن منطق الاستصغار والإملاءات في علاقة بالمغرب.
بعض الظرفاء اعتبروا أن سيجورني جاء كي يسمع بأذنيه اللتان استبدت بهما قبل شهور قليلة خطابات معادية للمغرب جعلته يبالغ في مناوشته داخل البرلمان الأوربي، مطالب المملكة المغربية وشروطها لفتح الطريق من جديد أمام المصالح الفرنسية الجشعة.
المطالب المغاربية واضحة، وعلى غير العادة، تكاد تكون معلنة: خطوة إضافية في دعم الموقف المغربي في ملف الصحراء، والتراجع عن السياسة الماكرونية التي تميل بوضوح نحو الجزائر على حساب المغرب، علاوة على كف الضربات تحت الحزام التي يعتقد حكامنا في الرباط أن الفرنسيين يقفون وراءها في المحافل الحقوقية الدولية والأوربية، إلى جانب الهجمات الإعلامية المنسقة.
في المقابل تبدو المطالب الفرنسية بسيطة ولا تخرج عن نطاق الأطماع الاستعمارية القديمة: الاستحواذ على المكاسب والأرباح التي ينتجها الاقتصاد المغربي، وحماية الحصة الفرنسية، الأكبر تاريخيا، ضمن حفلة الوزيعة الاستعمارية المتجددة منذ مؤتمر الجزيرة الخضراء في 1906.
عين الفرنسيين على الفرص المغربية الموعودة لمد خطوط السكك الحديدية، خاصة منها المتعلقة بالقطار فائق السرعة، وتوسيع المطارات وبناء الموانئ وتمهيد الطريق لاستثمارات ضخمة في الطاقات الشمسية والريحية والمائية (الهيدروجين)…
بالمناسبة، لماذا تتحدث الصفقات الجديدة لتمديد خط القطار فائق السرعة نحو مراكش، عن 400 كيلومتر كاملة تنطق من القنيطرة؟ ألم يخبرنا الفرنسيون، وصفق لهم المسؤولون المغاربة، أن “البراق” قطار فائق السرعة من طنجة حتى الدار البيضاء؟ هل دفعنا ثمن خدمة ولم نحصل سوى على نصفها، أي من طنجة إلى القنيطرة؟
لنترك هذا الموضوع جانبا، ولنسجل بداية، كي لا يغضب البعض، أن الدولة المغربية تجيد لعب الشطرنج مع الأوربيين، تماما كما يحسن الحلايقي في ساحة جامع الفنا مراقصة الثعابين. ولنعترف أيضا أن “المخزن” راكم من الخبرة والدربة علي مدى قرون مضت، ما يسمح له بتوجيه ضربات مؤلمة نحو أنوف الذئاب الجائعة التي تحوم من حولنا، والحق يقال، يسعدنا ذلك غاية السعادة.
لكن زيارة وزير الخارجية الفرنسية لا يمكن أن تُقرأ أو تُفهم خارج سياق عام، يرتبط بمعركة نخوضها وحيدين للأسف، ضد فريق “مدجج بالنجوم” بتعبير المعلقين الرياضيين.
زيارة سيجورني غير منفصلة نهائيا عن زيارة رئيس الحكومة الإسباني الأسبوع الماضي، وتحركات سانشيز معنا تضبط ايقاعها بوضوح على التوقيت الأمريكي منذ اعتراف ترامب بمغربية الصحراء، والتطور المتسارع في علاقاتنا ببريطانيا ليس بعيدا عن انخراطنا شبه الكلي في المشروع الأطلسي الآخذ في إعادة تشكيل العالم، وغير بعيد عن المشهد، تقف ألمانيا وإيطاليا من خلال تحركاتهما الأخيرة حاملتين آنيتيهما ومنتظرتين دورهما للاغتراف من حوض المغرب…
كان الله في عون من يسهرون على السياسة الخارجية للمغرب في مواجهة هذا الفريق الذي تؤكد التطورات الأخيرة أنه ماض في تطبيق نهجه الجديد القائم على التنسيق الجماعي لمنع المغرب من تكرار ضربات الأعوام الأخيرة ضد كل دولة أوربية علي حدة.
إنهم يهاجمون ويدافعون بشكل جماعي بأسلوب ال”تيكي تاكتا” الذي يحرم الخصم من الكرة ويُباغثه بالأهداف، خاصة أن التغطية يكفلها حماة النظام العالمي كما يراه الغرب، أي المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة (الماسكة بخيوط ملف الصحراء) والبنك وصندوق النقد الدوليين.
هل تكفينا “النية” لمقارعة هؤلاء “الكبار” والوصول معهم إلى المربع النهائي كما فعل منتخب وليد الركراكي في مونديال قطر؟ كلا. ومثلما كان الإنجاز المونديالي ضربة حظ تحققت بفضل موهبة ووطنية أبناء جاليتنا، وبفضل الأندية والمؤسسات التي استقبلتهم وكوّنتهم، وبالتالي لا يمكن التعويل على تكرار الإنجازات بدون تطوير اللعبة داخليا وبروز أندية محترفة تزود النخبة الوطنية باللاعبين المؤهلين لمقارعة الخصوم إفريقيا ودوليا، فإن السياسة لا تبدو بعيدة عن هذا المنطق.
بلادنا محاطة بالخصوم والطامعين، ولسوء حظنا نفتقد لعمق استراتيجي حقيقي في جوارنا المغاربي والعربي والإفريقي، في مقابل تماسك خطوط المجالين الأوربي والأطلسي، باعتبارهما منفذنا الوحيد، حتى الآن، نحو جني المصالح والدفاع عن حقوقنا.
لهذا نجتاج إلى الخروج إلى هذا العالم أقوياء بتلاحمنا الداخلي، وهذا التلاحم لا يتحقق إلا بالتمكين للديمقراطية وإشراك الجميع في إنتاج القرار وتوزيع الجهد الوطني في الاستثمار والتنمية بعدالة وإنصاف… وإلا سنستمر مراهنين على ضربات الحظ، في مواجهة محترفي ال”تيكي تاكا”.