متابعة البرلمانيين بسبب الفساد تمس صورة المؤسسات المنتخبة وتسائل جودة النخب السياسية
بلغ عدد البرلمانيين المتابعين في قضايا فساد بالمغرب 29 برلمانيا، خلال الولاية التشريعية الحالية، بنسبة تزيد عن 5 في المائة من مجموع أعضاء الغرفتين، هذا الرقم يمس صورة المؤسسات المنتخبة ويسائل جودة النخب السياسية ومسؤولية الأحزاب في تأطيرها وتكوينها، ودورها كذلك في تخليق الحياة السياسية.
وجاءت متابعة هؤلاء البرلمانيين، التي انتهت بتجريدهم من صفاتهم البرلمانية، والزج ببعضهم في السجن فيما لايزال البعض الآخر موضوع متابعات قضائية، على خلفية ضلوعهم في قضايا فساد، شكلت موضوع أبحاث قضائية.
هذا الأمر بات يضر بصورة مؤسسة منتخبة من حجم البرلمان، ويزيد من أزمة الثقة في الفاعل السياسي وفي المؤسسات المنتخبة، حسب ما أكده عبد الحفيظ اليونسي أستاذ القانون الدستوري بجامعة الحسن الأول بمدينة سطات، “المتابعات القضائية في حق البرلمانيين بشكل عام سواء المتابعين في حالة اعتقال أو الذين صدرت في حقهم عقوبات، تجعلنا أمام صورة تسيء الى التجربة البرلمانية في المغرب وإلى التجربة الديمقراطية بشكل عام”.
وأوضح أستاذ القانون الدستوري، أن أسباب ما وصلنا إليه اليوم لا يخرج عن سياقين، أحدهما موضوعي والآخر ذاتي هما اللذان أنتجا هذه الخلاصة التي تسيء إلى صورة البرلمان في المغرب”.
ويرتبط السياق الموضوعي حسب المتحدث، “بالقطع مع التجربة السابقة التي قادها حزب العدالة والتنمية وهذا القطع أنتج قوانين انتخابية أفرزت هذا النوع من النخب”.
وداخل السياق الموضوعي يضيف عبدالحفيظ اليونسي، “نجد أن المنظومة القانونية فيما يتعلق بالحملات الانتخابية وبعملية الترشيح أو بعملية تمويل الانتخابات لا زالت قوانين رخوة غير قادرة على المراقبة الدقيقة لمصادر التمويل ولطريقة الانتخاب إلى غير ذلك”.
ويرتبط السياق الذاتي حسب المتحدث بالبنية الحزبية التي تبحث في عمومها عن بروفايل انتخابي الذي يمكن أن يفوز بالمقعد بغض النظر عن نضاله داخل الحزب ودفاعه عن فكرة وأطروحة الحزب، “بمعنى أننا أمام أحزاب سياسية تبحث عن قوة انتخابية وليس عن قوة سياسية داخل المشهد السياسي أو داخل المشهد المجتمعي”.
هذا الوضع غير المسبوق في حجم المتابعات في حق البرلمانيين، دفع ملك البلاد إلى الدعوة لإقرار مدونة للأخلاقيات بالمؤسسة التشريعية، في الرسالة التي إلى وجهها إلى المشاركين في الندوة الوطنية، التي تم تنظيمها بمناسبة الذكرى الستين لإحداث أول برلمان منتخب في المغرب.
وتهدف هذه الرسالة إلى الرفع من جودة النخب البرلمانية المنتخبة، وتخليق الحياة البرلمانية، وتحقيق الانسجام بين ممارسة الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية.
وفي هذا الصدد يقول أستاذ القانون الدستوري عبد الحفيظ اليونسي، “ما دمنا أمام منظومة قانونية رخوة تسمح بتسرب هذا النوع من البروفايلات، في نهاية المطاف، مدونة السلوك البرلمانية الجديدة التي قال عنها الملك يجب أن تكون ذات قوة قانونية ملزمة، ستصدرها السلطة التشريعية، وبالتالي نكون أمام لعبة تشريعية كما يقال”.
وتساءل اليونسي عن مدى قدرة البرلمان بتركيبته الحالية في التفاعل مع الرسالة والارادة الملكية، “هل فعلا يمكن أن يتفاعل البرلمان مع الارادة الملكية في أن تكون هذه المدونة تنتج نخب برلمانية تؤدي وظائفها الأساسية أم أنه سيتم مرة أخرى التحايل وتُصدَر مدونة بثغرات قانونية ومسطرية تسمح بتسرب هذا النوع من البروفايلات البرلمانية؟”.
وخلص الأستاذ الجامعي بالقول، “في اعتقادي الأمر لا يرتبط فقط بإرادة المشرع ولكن يرتبط بإرادة الدولة، بحيث أنه يمكن أن تكون هناك بالإضافة إلى النص التشريعي، إجراءات تقوم بها الدولة وأساسا وزارة الداخلية في التعامل الجدي والحازم مع هذا النوع من البروفايلات خصوصا أولئك الذيم يتاجرون في المخدرات أو الذين لديهم سوابق إجرامية “.
ويستعد مجلس النواب للمصادقة على تعديل مدونة السلوك والأخلاقيات البرلمانية، في جلسة عامة يوم الاثنين المقبل، وذلك بعدما وافقت جميع الفرق النيابية على مسودة التعديلات، التي سلمها رئيس المجلس، لرؤساء الفرق بداية الأسبوع الجاري، باستثناء الفريق الاشتراكي، الذي طلب منحَه مهلة من أجل التشاور حولها، مع إمكانية تقديمه تعديلات أخرى على النظام الداخلي لمجلس النواب.