التطبيع مع الإقصاء
خرجنا من كأس إفريقيا للأمم، وهو الأمر الذي ليس جديدا علينا، أو انتكاسة ناذرة الحدوث في كرتنا الوطنية، لقد تم التطبيع مع هذه الخيبات القارية منذ عقود طويلة، حتى أصبحت “الكان” مثل شريط تعاد أحداثه على مشاهدنا كل سنتين، نبدؤه دائما بجمع لاعبينا في المعسكر وسط الوعود بالمشاركة المشرفة، أو الذهاب إلى أبعد حد، وادعاءات كوننا قوة كروية قديمة في إفريقيا، ونتوفر على نجوم عالميين قادريين على العودة باللقب، ثم ننهيه بالإقصاء المبكر والخروج المهين، فتقوم قيامة الإنتقادات والمطالب باستقالة المدرب وتغيير اللاعبين وبدء مرحلة جديدة.
غالبا ما كانت تتحقق مطالب التغيير، بعد “وقفات التأمل” و “الموائد المستديرة” حول مسببات الإقصاء، فنأتي بمدرب جديد ولاعبين جدد، فتبدأ المرحلة الجديدة بالإقصائيات المؤهلة لكأس إفريقيا، فنتأهل منها للنهائيات بصعوبة أو سهولة حسب الظروف، فنذهب إليها بنفس الوعود السابقة بتحقيق إنجاز ما، فنقصى في الأخير ونقدم مستوى أهزل من الدورة السابقة، وهكذا أصبحت إخفاقاتنا القارية تكرر نفسها بنفس التفاصيل وبنفس النتيجة، لكن بوجوه مختلفة.
الذين يطالبون بإقالة وليد الرݣراݣي الآن أو استقالته، وطرد نصف لاعبي الفريق الوطني، والبحث عن مدرب جديد، ربما ينسون أو يتناسون أن مثل هذه القرارات بعد الخروج المبكر لم تصنع في السابق شيئا جديدا في منتخبنا الأول ، ولم تصلح يوما عطبا يعوقنا عن التتويج القاري، ولم تجد وصفة سحرية تخرجنا من هذه التناقض الغريب بين مشاركتنا في كؤوس العالم ودورات كأس إفريقيا، وظلت دائما إقالة المدربين بعد الإخفاق نوعا من “التخربيق” الإنفعالي الذي لا يقوم على أي تشريح دقيق أو تقييم موضوعي للأسباب الحقيقية.
نعم من حق المغاربة أن ينتقدوا مدرب منتخبهم الوطني الذي يتقاضى أجرته من أموال دافعي الضرائب، أو ان يطالبوا بمحاسبته على الأخطاء التي اقترفها في الكوت ديفوار، أو أن يتحولوا جميعا إلى مدربين ومحللين يفهمون في وضع التشكيلة وفي خطة اللعب، فكرة القدم لم تحقق شعبيتها وانتشارها الإجتماعي إلا بتفاعل الجمهور وانتقاداته، و وليد الرݣراݣي كما لاعبوه ورئيسه فوزي لقجع ليسوا من المقدسات حتى لا ينتقدهم أحد، لكن المطلوب أن نسيطر على انفعالاتنا في الإنتقاد، وأن نتوخى قليلا من الموضوعية حتى نرى حقائق واقعية تفسر هذا المسلسل الطويل من الفشل داخل قارتنا الأم.
فليست وحدها أخطاء وليد الرݣراݣي في اختيار اللاعبين وطريقة اللعب من تسببت في إقصائنا من الكوت ديفوار، بل هناك سبب آخر قديم ومتكرر ظهر بوضوح تأثيره على عناصر الفريق الوطني في المباريات الأربع وليس فقط مباراة جنوب إفريقيا، وهو عامل المناخ، قد يقول قائل بأن ذلك صار مبررا غير مقنع لأن جميع المنتخبات تلعب فيه، نعم صحيح ولكن التركيبة البشرية لفريقنا الوطني يشكل معظمها لاعبون ولدوا وتربوا وتعلموا كرة القدم في البلدان الأوربية التي تختلف أجواؤها جذريا عن إفريقيا وخصوصيات المباريات التي تقام فيها، وهم أكثر تأثرا بالحرارة والرطوبة التي تستنفذ كل مخزونهم البدني وتشتت تركيزهم الذهني عند محاولة تطبيق أي خطة كيفما كان نوعها.
نحن باختصار لدينا منتخب “أوربي” يمثل بلدا ينتمي جغرافيا لإفريقيا ومفروض عليه أن يقبل بأجوائها وخصوصيات كرتها، وهنا تكمن المفارقة التي تسبب كل هذا الفشل المتكرر، والتي لن يصلحها تغيير المدربين ولا تعاقب الأجيال من اللاعبين، بل سيصلحها فقط مخطط كروي شامل للتكوين على المدى البعيد داخل المغرب، لصناعة لاعبين “أفارقة” بقامات جسمانية معينة، وبقدرة على تحمل الظروف المناخية الصعبة في إفريقيا ( نموذج لاعبي المنتخب المصري في عهد حسن شحاتة)، وهذا لا يعني بتاتا إغلاق الباب في وجه أبناء مغاربة العالم إن أرادوا اللعب لبلدهم الأصلي، بل فقط توفير هامش آخر لاختيار الأنسب لدى الناخب الوطني حسب المباريات والمنافسات.
إلى ذلك الحين ولكي لا نعود إلى مسلسل التغييرات التي لا تُجدي نفعا، والتي تضيع المال والوقت و”الباتري”.. المطلوب الآن من جامعة فوزي لقجع تقييم حصيلة المشاركة الإفريقية الأخيرة بهدوء وتحديد الأخطاء والهفوات، ومنح وليد الرݣراݣي فرصة لإصلاحها والقيام بالمتعين فيما يخص التركيبة البشرية للفريق الوطني، وإعداد تشكيلة قوية تدخل رهان كأس إفريقيا للأمم المقبلة التي ستنظم على أرضنا وبين جمهورنا، والتي ستكون فرصة لا تتكرر كثيرامن أجل تحقيق لقب ثاني يؤنس كأس الحبشة اليتيم.