تحكيمنا المُفترى عليه!
شاهدنا حكامنا في مباريات كأس إفريقيا للأمم، وكدنا نتساءل.. هل هؤلاء هم أنفسهم من تقوم عليهم القيامة في مباريات بطولتنا “الإحترافية”؟.. هل هؤلاء هم أنفسهم المتهمين بعدم الكفاءة وضعف الشخصية داخل ملاعبنا الوطنية؟.. هل هؤلاء هم الذين تنهال عليهم جماهير أنديتنا المغربية بالسب والشتم والتهجم و”غير اللي نساو” ؟
شاهدنا حكَمنا جلال جيد يُدير مباراة قوية جمعت موريطانيا وبوركينافاصو بإقتدار أثنى عليه جل كل خبراء التحكيم، وتابعنا سمير الݣزاز يخرج مباراة الموزمبيق ضد الرأس الأخضر بسلام وبغير احتجاج من أحد، وحكَمتنا بشرى كربوبي كانت حديث وسائل الإعلام العالمية وهي تلعب مباراة نيجيريا وغينيا بيساو كأول سيدة مغربية وعربية تدير مباراة للرجال في كأس أمم إفريقيا، فضلا عن رضوان جيد الذي نال تنقيطا جيدا في مباراة منتخب السنغال حامل اللقب ضد غامبيا، بالإضافة إلى تعيينه لإدارة قمة دور ثمن النهائي بين نيجيريا والكاميرون غذا السبت.
هذا دون إغفال الأداء الجيد والمساهمة الفعالة للحكام المغاربة المساعدين حاملي الراية، والمكلفين بتقنية الفار ، في نجاح جميع المباريات التي عينوا فيها.
سبعة حكام مغاربة يتواجدون اليوم في الكوت ديفوار لإدارة مباريات كأس إفريقيا للأمم في رقم قياسي لم يصله التحكيم المغربي من قبل، ونحن الذين ساد عندنا الإعتقاد داخل البلاد أن حاملي الصفارة الأكفاء، إنقرضوا مع جيل المرحوم سعيد بلقولة، وعبد الرحيم العرجون، ومحمد الݣزاز، وباقي تشكيلة اللامعين، وأصبحت صورة حكم كرة القدم في بطولتنا الوطنية مقترنة بضعف الشخصية، والقرارات الغريبة، ومحاباة هذا الرئيس وذاك.
لكن عندما نرى هذا الحضور الواثق لحكامنا في الكوت ديفوار، وهم القادمون من مباريات محلية ضعيفة المستوى، يتعرضون فيها لأشد أنواع الإنتقاد والسب وأبشع التهم، لابد وأن نصل إلى خلاصة أن هناك “شي حاجة ما راكباش”، وسنحاول البحث عن تفسيرها باستحضار الجو العام الذي تدور فيه هذه المباريات “الإحترافية” لبطولتنا الوطنية.
بطولتنا الوطنية منذ سنوات سيطر على معظم أنديتها مسيرون آخر ما يفكرون فيه هو وضع مخططات على المدى البعيد، وتسطير برامج عمل بأهداف مستقبلية لتطوير أنديتهم من الجوانب التقنية والمالية والتسويقية، بل يسعون تحت ضغط الجمهور ومنافسة الأندية الأخرى إلى محاولة إظهار “حنة يديهم” مباشرة بعد توليهم كراسي التسيير، وعندما يفشلون يبدؤون في ” تطياش الكواري”، والبحث عن أي شيء يلصقون فيه فشلهم، وصرف أنظار جمهورهم الغاضب عنهم نحو جهات أخرى “تتآمر” عليهم، ويكون الحائط القصير في غالب الأحيان هو الحكم الذي أدار مبارتهم المخسورة، فيصدرون البلاغات الإحتجاجية والتظلمية ضده، مطالبين بعدم تعيينه مستقبلا لإدارة مباريات فريقهم، فتنطلي الحيلة على الجمهور فيأخذ موقف مسيري ناديه ويبدأ مسلسل آخر للسب والشتم والإتهامات بشتى أصنافها على وسائل التواصل الإجتماعي، مما يشكل ضغطا كبيرا على الحكام، ويتسبب لهم في ارتكاب أخطاء فادحة أثناء إدارتهم لمباريات البطولة.
وهناك سبب آخر يساهم في عدم إظهار الحكام المغاربة لكفاءتهم داخل البطولة الوطنية، وهو المستوى التقني للمباريات، والعقلية الهاوية للاعبين، حيث تكثر الإصطدامات و”المطايفات” والتظاهر بالإصابة والإحتجاج على أي قرار معلن، والمطالبة عند أي سقوط باللجوء إلى الڤار، وهذا أيضا عامل مهم من العوامل التي تتسبب في صعوبة إدارة مباريات آخر شيء فيها هي رياضة كرة القدم.
هذا ليس دفاعا مطلقا عن الحكام، وليس تنزيها لهم جميعا من الأخطاء والممارسات المشبوهة، فجهاز التحكيم عندنا هو جزء من منظومتنا الكروية المعطوبة، وله أيضا نصيبه من الخلل على مستوى تكوين الحكام، والترقيات في أقسام البطولة الوطنية، والتعيينات للمباريات، و”باك صاحبي” في التنقيط والتقارير عن المردودية، لكن كل هذا لا ينفي أننا نتوفر على كفاءات تحكيمية، وطاقات واعدة ينبغي فقط أن نوفر لها بيئة سليمة لإبراز شخصيتها القوية في إدارة المباريات القوية مثلما تتوفر عليه الآن في مباريات كأس إفريقيا للأمم.