story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رياضة |

بايرن ميونيخ..نموذج اقتصادي لمؤسسة رياضية

ص ص

بميزانية سنوية تبلغ 660 مليون يورو، يحتل بايرن المركز الرابع في أعلى ميزانية أوروبية وفقا للتقرير السنوي لشركة. وإذا كانت هذه القوة المالية تسمح للنادي بالتخطيط بهدوء للجانب الرياضي، فإنه يشعر بالقلق من زيادة موارد منافسيه.
ويعد الدوري الألماني ثاني أغنى بطولة من حيث حقوق النقل التلفزيوني بـ 1.16 مليار أورو، لكنه يجلب أقل بكثير من البطولة الإنجليزية البالغة 2.3 مليار أورو سنويا.

خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أحدثت عمليات شراء الأندية من طرف أغنياء العالم ثورة كاملة في كرة القدم. بين عشية وضحاها، ضاعفت بعض الأندية ميزانياتها وأحدثت رجة في النظام المالي والتقني وغيرت الكثير من المعاملات الاقتصادية التي تدور في فلك الرياضة الأوربية.

بدأت الظاهرة عند شراء الملياردير الروسي رومان أبراموفيتش لتشيلسي في عام 2003، وأدت الى إعادة النادي اللندني إلى الدوريات الكبرى، و المنافسة على الألقاب. وفي عام 2008 اشترت العائلة الحاكمة في أبو ظبي نادي مانشستر سيتي، وسرعان ما أثبت النادي نفسه بين نخبة الأندية الأوربية. وامتلكت المجموعة القطرية QSI نادي باريس سان جيرمان في عام 2011، مما أهله ليصبح مستحوذا على الدوري الفرنسي ومتواجدا باستمرار في الأدوار المتقدمة للمسابقات القارية.

وقد أحدث ضخ ميزانيات كبيرة من الأموال في خزينة هذه الأندية من طرف مالكيها الجدد الى بروز الكثير من الاشكاليات المتعلقة بالمنافسة على سوق اللاعبين، والاستثمار في المنتوج الكروي، والسباق نحو السيطرة على المعاملات المالية في عالم كرة القدم، مما أدى الى تضرر الكثير من الأندية التاريخية في أوربا، بعدما فشلت في منافسة غير عادلة، وتراجعت أمام عمليات ضخمة لضخ رؤوس الأموال في اللعبة الأكثر شعبية في العالم.

هذا المعطى الجديد، دفع الاتحاد الأوروبي لكرة القدم بسرعة الى اعتماد قواعد اللعب المالي النظيف (FPF) للحد من إنفاق هذه الأندية الغنية وتأثيرها السلبي على باقي الأندية، خصوصا التقليدية منها التي تمتلك قواعد جماهيرية عريضة عبر العالم. وقد برز باييرن ميونيخ الألماني من بين هذه الأندية التي استفادت من التقنين الجديد للمعاملات المالية في كرة القدم، واستطاع أن يلتحق بالكوكبة الجديدة للأغنياء، عبر نموذج تسيير مالي واقتصادي صلب وواضح.

تأسس بايرن ميونخ في 27 فبراير 1900 على أيدي 11 لاعب كرة قدم بقيادة فرانز جون. وعلى الرغم من فوزه ببطولة الدوري 1932، لم يتم اختيار البايرن ليلعب في أول مواسم البوندسليغا بحلته الجديدة في عام 1963.

وقد شهد النادي حقبته الذهبية في منتصف السبعينات من القرن الماضي بقيادة نجمه التاريخي فرانز بيكنباور، حيث استطاع أن يفوز ثلاث مرات متتالية ببطولة كأس أوروبا بين عامي 1974-1976، واستمر تألق الفريق منذ ذلك الوقت، وهو يعتبر حالياً أنجح الأندية الألمانية كرويا في العقد الماضي، إذ أحرز 5 بطولات للدوري الألماني في آخر عشر سنوات.
حقق النادي لقب دوري أبطال أوروبا 6 مرات (رقم قياسي ألماني)، أخرها يعود لعام 2020 عندما تغلبوا على باريس سان جيرمان الفرنسي كجزء من الثلاثية، ليصبح ثاني فريق يحقق هذا الإنجاز مرتين. فاز بايرن أيضًا بكأس الاتحاد الأوروبي مرة واحدة، وكأس الكؤوس الأوروبية مرة واحدة، وكأس السوبر الأوروبي مرتين، بالإضافة إلى كأس العالم للأندية مرتين، ومثلهما في كأس الإنتر كونتنتال.
اقتصادياً، يمكن تفسير هذا التميز الذي يحظى به النادي البافاري من خلال قدرته على التحكم في تكاليفه وتنويع عائداته، وقيامه بمعاملات مالية مدروسة، وبدون هامش كبير للمخاطرة. إدارة النادي تختلف فلسفتها جذريا عن إدارة العديد من منافسيها الأوروبيين، المثقلين بالديون (مانشستر يونايتد، وإنتر ميلان، وأتلتيكو مدريد…).
ويعد بايرن ميونيخ النادي الأول على صعيد الإيرادات في ألمانيا والرابع على المستوى العالمي وفقاً لتقرير ديلويت لخدمات الأعمال المتعلق بلائحة أغنى أندية العالم، وملكية النادي تعود لأعضائه الذي يبلغ عددهم 185 ألفاً، ويمتلك البايرن 3202 نادي رسمي للمعجبين حول العالم حيث تضم هذه الأندية حوالي 230 ألف مشترك.
وشهد نادي بايرن ميونخ، ارتفاع دخله من 474 مليون يورو إلى 660 مليون يورو بين عامي 2015 و2019، بحسب آخر تقرير لشركة ديلويت. وهي تستمد 54 % من إيراداتها من أنشطتها التجارية، ولا سيما بفضل راعييها Adidas وDeutsche Telekom، و32% من حقوق البث التلفزيوني.

كما تستفيد المؤسسة الرياضية البافارية من مداخيل مهمة من ملعب النادي الرئيسي، أليانز أرينا، بحوالي 14% من إيراداتها، وهو ملعب حديث تم بناؤه في إطار استعدادات ألمانيا لاحتضان منافسات كأس العالم 2006. الملعب الضخم الذي كلف بناءه حوالي 400 مليون أورو، تم الانتهاء من تسديد تكاليفه في عام 2014، أي ستة عشر عامًا مقدمًا.
بميزانية سنوية تبلغ 660 مليون يورو، يحتل بايرن المركز الرابع في أعلى ميزانية أوروبية وفقا للتقرير السنوي لشركة Deloitte Football Money League. وإذا كانت هذه القوة المالية تسمح للنادي بالتخطيط بهدوء للجانب الرياضي، فإنه يشعر بالقلق من زيادة موارد منافسيه. ويعد الدوري الألماني ثاني أغنى بطولة من حيث حقوق النقل التلفزيوني بـ 1.16 مليار أورو، لكنه يجلب أقل بكثير من البطولة الإنجليزية البالغة 2.3 مليار أورو سنويا.

وينظر النادي الألماني أيضًا بقلق إلى كون مبالغ عقود الرعاية لبعض منافسيه تتزايد بشكل كبير كل عام، حيث يقوم بعض مالكي الأندية الغنية برعاية أنديتهم بشكل مباشر من خلال شركات أخرى في ملكيتهم من أجل تجاوز قواعد اللعب المالي النظيف. هذا ما دفع الادارة التنفيذية للباييرن الى الاعتماد على دعم شركائه منذ فترة طويلة مثل الشركات الألمانية العملاقة تيليكوم وأودي، وأليانز، وأديداس، لمواصلة التنافس مالياً مع الأندية الكبرى الأخرى، على الرغم من أن هذه الشركات لا تتمتع بنفس القوة المالية التي تتمتع بها مثلا شركات الطيران في الشرق الأوسط التي ترعى أندية أوربية أخرى.
وسعيا لضمان مستقبله المالي، وفي إطار تنويع مصادر دخله خلال السنوات المقبلة، وقع النادي البافاري عقد شراكة مع شركة الخطوط الجوية القطرية منذ عام 2018 مقابل 10 ملايين أورو سنويًا، اشترت شركة الطيران الخليجية حق وضع شعارها على أكمام قميص فريق الباييرن.
وإذا كان هذا المبلغ يشبه قطرة في محيط ميزانية النادي الحالية، فإن الشراكة كان هدف الألمان منها بالأساس فتح نافذة على الأسواق المالية الكبرى والشركات الاقتصادية العملاقة عبر العالم، بحثا عن عقود رعاية أخرى في المستقبل.
نجح باييرن ميونيخ في فرض نفسه كنموذج اقتصادي مثالي للمؤسسات الرياضية، وتمكن من الحفاظ على مكانته العملاقة وتعزيزها خلال السنوات التي شهدت تحولات كبيرة في كرة القدم. الإدارة الرياضية والمالية الصلبة جعلت من بايرن ميونخ ناديًا فريدًا من نوعه، يستطيع أنصاره المنتشرين حول العالم، أن يطمئنوا على مستقبل ناديهم الكروي وعلى مكانته في الأدوار المتقدمة، وأن يراهنوا على المزيد من الألقاب و الانجازات خلال السنوات المقبلة.