الزرع المباشر و الفرز الجيني..هل يخففان من وطأة الجفاف بالمغرب؟
هناك إجماع اليوم في المغرب، على أننا بلغنا مستوى متقدم من “الإجهاد المائي”، وهو ما ينذر بأزمة عطش في مجموعة من المدن، يقابله اضطراب في التزود ببعض المحاصيل الفلاحية، وبالخصوص الحبوب التي تعتمد بشكل كبير على التساقطات المطرية.
في مستهل جلسة العمل التي عقدها الملك محمد السادس، يوم الأربعاء 17 يناير الجاري، والمخصص لإشكالية الماء، قال وزير التجهيز والماء نزار بركة، إنه من شتنبر إلى منتصف يناير 2024، عرفت التساقطات عجزا بلغت نسبته 70 بالمائة مقارنة مع المعدل، فيما بلغت نسبة ملء السدود 23.2 بالمائة مقابل 31.5 بالمائة خلال الفترة نفسها من السنة الماضية.
وإذا كانت الدولة تحاول تطويق إشكالية تزويد المدن والجهات بالماء الشروب، عبر مشاريع الربط بين الأحواض، و إطلاق العمل بمحطات تحلية مياه البحر، ولجوء مكتب الماء و وكالات التوزيع في المدن الكبرى إلى الإستثمار في حفر المزيد من الأثقاب المائية، فإن المجال الزراعي يحتاج للتأقلم مع التغيرات المناخية التي لا يمكن مواجهتها وفق العديد من الباحثين بحلول “ظرفية”.
الزرع المباشر
في أكتوبر الماضي، وعند افتتاح الموسم الفلاحي الجاري، أعلنت وزارة الفلاحة، عن “مواصلة البرنامج الوطني للبذر المباشر للحبوب على مساحة 200 ألف هكتار، بهدف الوصول إلى 1 مليون هكتار في أفق 2030.
وقررت الوزارة “اقتناء وتوزيع 130 بذارة للبذر المباشر لصالح التعاونيات الفلاحية”.
يتضح أن الوزارة تسعى لاعتماد الزرع أو البذر المباشر، كآلية من اليات مواجهة التحديات التي تهدد زراعة الحبوب.
وقال كمال أبركاني، وهو باحث في العلوم الزراعية، بكلية المتعددة التخصصات بالناظور، في تصريح لـ”صوت المغرب”، إن تقنية الزرع المباشر لبذور القمح والشعير اعتمدتها الدول الأوروبية وأمريكا الشمالية منذ نحو 40 سنة، فيما لم يتم الاهتمام بها في المغرب إلا في السنوات القليلة الماضية، بالرغم من أن المعهد الوطني للبحث الزراعي كانت له أعمال وأبحاث علمية في هذا المجال.
وتعتمد التقنية على الزرع في القشرة العلوية للتربة، عكس المعمول به في الـ3,6 مليون هكتار التي تزرع بالحبوب في المغرب سنويا، والتي تعتمد على “الحرث التقليدي”.
وأكد أبركاني أن الزرع المباشر هو مشروع يدخل في إطار “الأمن الغذائي” للدولة، خاصة في ظل التوترات التي يعرفها العالم وبالخصوص في المناطق التي تمون السوق المغربية و السوق العالمية، كما هو الحال في أوكرانيا.
تقليص الكلفة
عدم حرث الأرض بالطرق التقليدية، يعني بالضرورة انخفاض في تكلفة الإنتاج، وهو ما يؤكده الباحث المغربي، الذي أشار إلى أن التكلفة باسخدام الزرع المباشر تكون عموما أقل بنسبة 70 في المائة.
وأضاف أبركاني أن نسبة الطاقة التي يقتصدها الفلاح نتيجة الزرع المباشر قد تصل إلى 60 في المائة.
وأشار إلى أن الأبحاث والتجارب أكدت أن الإنتاج بواسطة الزرع المباشر يكون أكبر بنسبة تتراوح بين 20 و 30 في المائة مقارنة بالزرع العادي.
زيادة على ذلك، الزرع المباشر يستفيد من رطوبة التربة على اعتبار موضع الزرع، فإنه في المناطق السقوية يقلل بشكل كبير الاعتماد على مياه الري، ويحتاج فقط حسب الخبير الزراعي المغربي إلى الري التكميلي، أي الري مرتين إلى ثلاثة خلال دورة النمو بما يعادل 150 إلى 200 ملمتر.
وكانت وزارة الفلاحة قد أعلنت في وقت سابق هذا الموسم، عن اطلاق برنامج وطني للري التكميلي للحبوب بهدف المساهمة في تأمين واستقرار الحبوب، بهدف بلوغ في النهاية 1 مليون هكتار مع تخصيص 1,5 مليار متر مكعب من الموارد المائية للري التكميلي للحبوب.
الفرز الجيني
لتحقيق فعالية أكبر من الزرع المباشر، يؤكد أبركاني، أنه لابد من إعمال البحث العلمي التطبيقي والميداني، والمتمثل بالأساس في التجارب الخاصة بالفرز الجيني.
والفرز الجيني هو عملية تتوخى معرفة الحبوب المقاومة للجفاف، وبالتالي معرفة الحبوب التي يمكن زرعها في كل المناطق حسب الدورة الزراعية التي يمكن قياسها في كل منطقة.
“الفلاح وفق حساباته التقليدية يعمد للزرع والبذر في شهر 11 و الحصاد في الصيف، بمعنى دورة زراعية تمتد لنحو 6 أشهر، مع الفرز الجيني يمكننا الاستفادة من الأمطار التي تهطل في هذه الفترة، بمعنى زرع بذور متأقلمة مع دورة زراعية قصيرة” يؤكد أبركاني.
وأضاف أن الفرز الجيني والتقسيم الفلاحي للمناطق الفلاحية لتحديد البذور المناسبة، أمر مهم وفعال،و سيكون له إنعكاس على الإنتاج وعلى استهلاك الماء بما يتلاءم ومواجهة التحدي الذي يعاني منه المغرب اليوم، والمتمثل في الإجهاد المائي.