صحة الملك وصحة أخنوش
تعتبر صحة المسؤولين السامين في الدول من المجالات التي تتطلب تدبيرا دقيقا من حيث التواصل والاطلاع. فهي من جهة تتقاطع مع حقل الأسرار الحساسة، بل وأسرار الأمن القومي للدول، لهذا نلاحظ حرصا كبيرا على إحاطة كل ما يتعلق بصحة المسؤولين ومعطياتهم البيولوجية بسرية وتكتم كبيرين، كما كان الحال مع رفض الرئيس الفرنسي الخضوع لاختبار كورونا أثناء زيارته لروسيا، لكنها أيضا من المجالات التي تستدعي قدرا من الشفافية والوضوح، وتتقلص معها دائرة الحياة الخاصة، لأن حقوق ومصالح المواطنين ترتبط بسلامة وجاهزية المسؤولين للقيام بمهامهم ووظائفهم، وهو ما نلاحظه في العمل التواصلي للإدارة الأمريكية مثلا، في ظل المخاوف المرتبطة بصحة الرئيس بالنظر لسنه المتقدم.
في المغرب، تحقق تقدم ملموس في هذا الجانب، عبر الاختيار التواصلي الجديد الذي أقره الملك محمد السادس، حيث بات الديوان الملكي يتواصل مع المغاربة حول صحة الملك كلما كان هناك ما يستدعي التواصل. فتابعنا بلاغات رسمية حول تعرض الملك لوعكة صحية أو خضوعه لعملية جراحية، وذلك إما ارتباطا بأجندة عمل الملك وتأثرها بهذه المستجدات الصحية، أو خارج أي التزام رسمي، بل من باب قطع الطريق على الشائعات والطمأنة.
في هذا السياق، يمر اليوم أسبوع كامل من غياب رئيس الحكومة عن المشهد وتخلفه عن حضور مواعيد رسمية تستلزم حضوره، إما بحكم مسؤولياته أو لاعتبارات بروتوكولية، منها جلسة العمل التي شهدها الديوان الملكي يوم الثلاثاء الماضي بشأن ملف الماء، ثم صلاة الجمعة التي حضرها الملك وغاب عنها رئيس الحكومة، وأنشطة حزبية كان يفترض أن يشارك فيها عزيز أخنوش في مدن الصحراء في اليومين الماضيين، لكنها أجلت. والأهم من كل ذلك، عدم انعقاد المجلس الحكومي يوم الخميس الماضي، وكل ذلك في غياب أي تواصل رسمي كما لو أن الأمر لا يتعلق بالشخصية الثانية في هرم الدولة.
دعونا نقر أولا أن الحكومة الحالية شهدت في السابق تواصلا رسميا يتعلق بصحة رئيس الحكومة، وذلك في مناسبتين على الأقل، حيث جرى الإعلان عن إصابة رئيس الحكومة بفيروس كورونا في نونبر 2022، كما جرى الإعلان في أبريل الماضي عن تعرض أخنوش لوعكة صحية في الركبة، وذلك على خلفية التساؤلات الثي أثارتها الصعوبات التي كان يواجهها في السجود خلال أدائه الصلاة في ليلة القدر من رمضان الماضي.
أي أن عدم التواصل ليس قاعدة في هذه الحالة، ولا أسعى هنا إلى توجيه أي اتهام، بل إن هذه الخطوات التواصلية السابقة مما يجب التنويه به. لكن ما يجري هذا الأسبوع يستدعي الوقوف عنده للتنبيه إلى خطورة مثل هذا الصمت الذي يسود منذ أسبوع، وقد تابعنا في اليومين الماضيين ما تم تداوله من شائعات ولوائح مزعومة للوزراء المفترض تعيينه عبر تعديل حكومي، وربط البعض بين ذلك وبين “اختفاء” رئيس الحكومة… ونحن هنا لا نتحدث عن شائعات تمس الحياة الشخصية لفرد أو شخص معين، بل الأمر يمس سير الدولة وانطباع المراقبين الداخليين والخارجيين، السياسيين والاقتصاديين والدبلوماسيين، عن أحوالها.
لا أدري هل من الضروري التذكير بالمكانة الخاصة التي يشغلها رئيس الحكومة في الهندسة الدستورية منذ 2011، وكيف أن هذه المؤسسة كانت من بين أبرز ما أتى به خطاب 09 مارس 2011 الملكي، واستفتاء يوليوز من تلك السنة، والانتخابات التشريعية الثلاث التي أجريت منذ ذلك الحين. نحن أمام مؤسسة محورية تتقاسم السلطة التنفيذية مع الملك وتتولى السلطة التنظيمية وتلعب أدوار حيوية، لا يجوز معها أن تغيب الشخصية التي تشغلها عن الأنظار بشكل يثير الشك والريبة.
أخطر ما حصل خلال هذا الأسبوع، هو عدم انعقاد مجلس حكومي جرت العادة على انعقاده يوم الخميس، وكشفت الأمانة العامة للحكومة عن جدول أعماله، ومر الخميس دون أن يصدر عن مؤسسات الدولة ما يوضح سبب عدم انعقاده ولا مآل جدول أعماله، كما لو أننا في مقاولة صغيرة ومبتدئة، إذا غاب مديرها ساد الفراغ.
المجلس الحكومي يا سادة كان بدوره من بين أهم المستجدات التي أتى بها دستور 2011، وتطرق إليها خطاب 09 مارس 2011 باعتبار دسترته خطوة نحو التمكين لمنطق المؤسسات والخروج من الفراغ الدستوري الذي كان يسود في السابق حول هذا الاجتماع.
كما أن لرئيس الحكومة أدوار ووظائف حيوية لا تقتصر على المهام الروتينية المعتادة، حيث يمكنه أن يبادر لطلب انعقاد مجلس وزاري، بل يمكنه أن يتولى رئاسته بتفويض من الملك ووفقا لجدول أعمال محدد، كما يمكن لرئيس الحكومة، بتفويض من الملك، أن يرأس المجلس الأعلى للأمن على أساس جدول أعمال محدد. كما ينص الدستور على استشارة الملك لرئيس الحكومة في كثير من القرارات، مثل إعلان حالة الاستثناء أو حل البرلمان أو أعفاء أحد أو بعض الوزراء، كما أن العديد من التعيينات الملكية تتم باقتراح من رئيس الحكومة…
أي أننا أمام مؤسسة لها أدوار وصلاحيات حيوية في الدولة ولا تحتمل الغياب غير المبرر ولا المفسر عن المشهد. حتى القانون التنظيمي المتعلق بأشغال الحكومة، مثلما قال في مادته 14 إن مجلس الحكومة يعقد اجتماعاته مرة في الأسبوع على الأقل، إلا أذا حال مانع من ذلك، نص أيضا في مادته الثامنة على أنه إذا تغيب رئيس الحكومة أو اقتضت الضرورة ذاك، لأي سبب من الأسباب، يقترح رئيس الحكومة على الملك تكليف عضو من أعضاء الحكومة ينوب عنه لمدة معينة لممارسة مهام محددة.
تصريح مقتضب ورسمي يعلن نبأ عاديا، إذا كان الأمر يتعلق فعلا بمرض أصاب رئيس الحكومة كما قالت التصريحات مجهولة المصدر، كان سيعفينا من مشهد مسيئ لمؤسسات الدولة، حين تلج صباح هذا اليوم الاثنين 22 يناير 2024، إلى الموقع الرسمي للأمانة العامة للحكومة، فتجد جدول أعمال مجلس حكومي لم ينعقد ولم يصدر ما يفسر عدم انعقاده. هذه حكومة في دولة وليست مكتبا يسير جمعية تريفيهية تنشط في أحد الأحياء.