المغرب والانتخابات الأمريكية
ابتداء من الاثنين الماضي، انطلقت السنة الانتخابية في الولايات المتحدة الأمريكية التي ستشمل الانتخابات الرئاسية، انتخابات مجلس النواب، انتخابات ثلث مجلس الشيوخ، وانتخابات داخل الولايات الخمسين كلها.
الانتخابات الرئاسية الأمريكية تجذب أنظار وجيوب العالم وآثارها ستلمس المغرب لا محالة، خصوصا في ظل ما يقع عبر العالم وعلاقة أمريكا به. في خضم هذا المسار، على المغرب أن يعرف كيف يتموقع للحفاظ على مصالحه في ظل التحولات الكبيرة التي يعرفها العالم.
في أول امتحان انتخابي في ولاية آيوا، وفي الانتخابات الخاصة بالحزب الجمهوري اكتسح المرشح/الرئيس السابق دونالد ترامب الاقتراع داخل الولاية، متقدما على المرشح الثاني بثلاثين نقطة مئوية. هذه النتائج، مرفوقة بنتائج أغلب استطلاعات الرأي تؤكد على الاحتمال الكبير لحصول ترامب على تزكية الحزب الجمهوري، مما ينبئ بنزال بينه وبين الرئيس الحالي جو بايدن.
في حال استمرار بايدن في الحكم، المغرب يجب أن يجيد كيفية تدبير الولاية الثانية دون تراجع عن مكتسباته. رأينا الفتور في تعامل الإدارة الحالية مع الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، وتدافعها نحو مسار الحرب في أوكرانيا وفي حرب إسرائيل ضد غزة، وتراجعها عن دورها الريادي في العالم. لذلك على المغرب أن يهيئ نموذجه المستقل للتأقلم مع العالم الذي يتم بناءه اليوم وبناء تحالفات إقليمية تمكنه من مجابهة هذا المسار الذي ترسمه إدارة بايدن.
لكن هناك سيناريو ثان. حيث يربط العديد من المواطنين الأمريكيين بين الرئيس الحالي بايدن والتضخم التاريخي الذي ضرب البلاد، ويعتبرون أنه فضل الإنفاق على حروب خارجية عوض التركيز على التحديات الداخلية. كما أن جزءا من كتلته الناخبة في إحدى أهم الولايات المتأرجحة ولاية ميشيغان هم عرب ومسلمون تأثروا بالدعم اللامشروط الذي قدمه لإسرائيل في حربها الأخيرة.
كل هذه العوامل تجعل عودة ترامب إلى البيت الأبيض قريبة التحقق. فترة ترامب الأولى كانت إيجابية للمصالح الاستراتيجية للمغرب، وعلى المغرب أن يهيئ الأوراق التي يمكن من خلالها تثمين المكتسبات التي حصل عليها وتهييئ المجال للحصول على مكتسبات أخرى.
القانون الأمريكي يسمح للأفراد، الشركات، والدول الأجنبية بالتأثير على الانتخابات في إطار قانوني. حيث أن قانون تسجيل الوكلاء الأجانب FARA يسمح للفاعلين الأجانب بتقديم الأموال للمرشحين السياسيين في مختلف المستويات، شريطة أن يسجل المانح نفسه لدى السلطات الأمريكية.
وهناك الكثير من الفاعلين السياسيين داخل أمريكا وخارجها الذين يدعمون الحزبين معا ماديا، مما يسمح لهم بخلق علاقات مع الفائز، أيا كان منهما (أحد أكثر الفاعلين نجاعة في التأثير على النظام السياسي الأمريكي هو اللوبي الإسرائيلي في أمريكا الذي تعلم قواعد اللعبة ويطبقها للحفاظ على مصالحه).
لذلك، فعلى المغرب أن يتعلم من تجربته مع المرشحة السابقة هيلاري كلينتون، والتي كانت قد طلبت 12 مليون دولار من المغرب، دون أن يقدم المغرب أي دعم للمرشح الجمهوري حينها دونالد ترامب، والذي حاز على ثقة الأمريكيين في نهاية المطاف، وتطرق إلى هذا الموضوع في إحدى خطبه للأمريكيين.
كما يمكن للمغرب أن يساهم في انتخابات مجلس النواب ومجلس الشيوخ لدعم المرشحين الذين سيساندونه في قضاياه الاستراتيجية من جهة، والتصدي للمرشحين الذين يقفون في وجه مصالح المغرب ويدعمون مصالح خصومه الاستراتيجيين. عندما يشرح مسار الانتخابات الأمريكية، يصاب الكثير بالصدمة، كونهم يعتبرون أن هذا نوع من أنواع الفساد السياسي. للأسف، هذا هو طبيعة النظام السياسي الأمريكي، وعلى المغرب أن يتعلم قواعد اللعب فيه، وأن يتأقلم للعب والدفاع عن مصالحه في ظله.