story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

ثورة القنافذ

ص ص

تخرج الدابة في قلب العاصمة الرباط وتسيح دماؤها في الطرقات والشوارع وتجتاح الحيرة أعين المغاربة وتضج نشرات الأخبار بالغرابة ويختلف الناس في تفسير ما يقع، بين من يرى في الظاهرة علامة من علامات الساعة ومن يرى فيها طفرة مفاجئة في حياة كائن لا يثير القلاقل بطبيعته، تتناسل الإشاعات وتدخل الأجهزة على الخط، ويجد مربّي نحل ربط صداقة غريبة مع قنفذ جريح نفسه في ورطة كبرى تمس أمن البلاد واستقرارها..

بدأت محنة إبراهيم النحّال وبطل رواية “من خشب وطين” لمحمد الأشعري، بعد انفجار كيانه بأسئلة ضارية في لحظة إخفاق عاطفي ازدوج بتصاعد شعور جارف و”مبهم” بالحاجة إلى الخلاص:”ما هو الضروري؟ وما هو الزائد؟ ما هو المصير الذي نتحكّم فيه، والذي لا نتحكم فيه؟ لمن نرضخ عندما نقبل بما نحن عليه إلى أن يتغيّر من تلقاء نفسه؟ ماذا نخسر حين نخسر؟ وماذا نربح عندما نربح؟”.

بلغة آسرة، يأخذنا محمد الأشعري في النتائج غير المتوقعة والخطِرة لقرار موظف يعيش في رتابة اليومي والآمِن الانفصال عن كل شيء باتجاه غابة المعمورة “حتى صار شخصا شبيها بإنسان بدائي، يعيش بعقله وروحه وجسده في الغابة”، “شخصا انفصل عن فكرة النجاح. هذه الفكرة المتعجرفة التي تُوهم بأن النجاح أهم وأفضل من الحياة، وتشيع بين الناس دينا جديدا قائما على تمجيد المكاسب وتحقير الخسارات، والمشي مع الأقوياء على أجساد “الساقطين” “.

سيقرر إبراهيم القيام بانزياح كبير في حياته سيستعيد معه ملامحه الخاصة وذاكرته وأحلامه وقدرته على التداوي بالحب والأدب وليل الغابة، ولن يعرف وهو ينقل قنفذا جريحا إلى الرباط، لإنقاذه من الموت، أنه سيتسبب بخروج الدابة!

بهذا الشكل، ستتحرك أحداث الرواية بهجرتين عكسيتين متزامنتين، واحدة تعيد إبراهيم إلى حضن الغابة، وثانية تنتهي ب”ينسي” (القنفذ) قاطنا في أحد أعتى رموز مجتمع الاستهلاك، في مكان يحترف فتح شهية الناس على الأشياء والزوائد والأماني وإقحامهم في صراعات نفسية حول عروض العيش الرغيد السخية.

سيترك “ينسي” غابة المعمورة وراءه ويدخل “غابة الأشياء” التي تعج بها أسواق مرجان
ومتاهة “الأرواح القلقة” في ممرّاته، فيما سيعيد إبراهيم الاتصال بالطبيعة والحب والسكون والنجوم والصداقة ومجالس السمر الدافئة، ويرهف السمع لنبض الغابة وجروحها وأمجادها ووحوشها وفرسانها وقبائلها.

يفتل الأشعري من ذاكرة الأمكنة روح الحكاية. بين الغابة والمدنية، ومن شقة أكدال وحي الفتح إلى مثلث السويسي وحي الرياض ودار السلام وصولا ل”دوّار الضبابة” بتيفلت ووالماس وتيدّاس والخميسات تمتلئ الأمكنة والمسالك بالألم والمأساة والحب والقسوة، وتتجاور التناقضات وتنتقل الأرواح بين الأمكنة محملة بأثقال البدايات أو شرارات القلق العاصف..

ف”ينسي” سيشكل جيشا من القنافذ في مرجان، وستبدأ هذه الأخيرة شيئا فشيئا تقلق راحة ساكنة الأحياء الراقية بالعاصمة، قبل أن تجتاح مناطق وأحياء واسعة من الرماني ودار السلام وأبي رقراق وسد الكنزرة وكيش الوداية وأكدال وغيرها، خاصة مع حدوث ثلاثة تحولات على القنافذ تتمثل في تضخم أحجامها وارتفاع أصواتها وانكسار بياتها الشتوي..

ستتحرك السلطات وتبدأ تحقيقاتها في الموضوع، لتتشابك خيوط حراك القنافذ مع حراك الريف ومسيرات العطش ومحاكمات الرأي، وتتعقّد الحكاية وتفرض القنافذ نفسها ضمن الأحداث الكبرى ..

أحداث يخترق فيها الخرافي البناء الواقعي للمشاهد، لتترجم، رمزيا، رفضاً للجمود الذي جثم على المغرب بعد لحظات أمل ومحاولةً لافتكاكِه منه نحو “قلق عاصف” تولد منه “الأفكار المخلخلة، والفنون والآداب العظيمة، والأشجار التي تتسابق على خيوط الشمس،والمُدُن التي تنبت فيها المسرّات والأحزان، القسوة والحنو في تراب واحد جنبا إلى جنب، عارية لا تخجل من بعضها، ولا ترى نفسها عورة في مرآة الآخر”.

رغم كل شيء، سيزيد تصميم المحققين على الوصول إلى أصل هذا القلق الذي أصاب النظام العام. من أين أتت القنافذ؟ وكيف غادرت جحورها وصار لها صوت وأجنحة حتّى؟ ما الخلل الذي تسبب في ظهور كل هذا؟ من هذا القنفذ الذي ترك حياة الرباط الرغيدة واختار الإقامة في بيت من خشب وطين؟”