لماذا يصلح ال”بام”؟
أستأذن منخرطي حزب الأصالة والمعاصرة في طرح هذا السؤال ونحن على بعد ثلاثة أسابيع من المؤتمر الوطني الخامس لهذا الحزب الاستثنائي. لا أقصد من خلال هذا التساؤل ربط هذه المحطة التنظيمية بما يروج حاليا في وسائل الإعلام من ملاحقات محتملة لبعض الوجوه القيادية البارزة في هذا الحزب، بل أقصد بشكل خاص سؤال الجدوى و”سبب النزول” بالنظر إلى تاريخ هذا الحزب ومساره الفريد.
دعونا نذكر بأن حزب الجرار خرج من رحم زلزال سياسي انطلق باستقالة رجل مقرب من الملك، هو المستشار الملكي الحالي فؤاد عالي الهمة، من منصبه كوزير منتدب في الداخلية، ومبادرته إلى تأسيس “حركة لكل الديمقراطيين” التي ضمت جزءا من قدماء اليسار والحقوقيين، وكوكبة من الأعيان، وتشكيلة نوعية من الوجوه السياسية مثل رئيس الحكومة الحالي عزيز أخنوش، قبل أن تتحول إلى حزب يرفع شعار التحديث دون التفريط في القديم، وبشكل خاص وأساسي، التصدي للزحف الذي كان يقوم به حزب الإسلاميين المشاركين في “اللعبة” السياسية، أي العدالة والتنمية.
تراجعت الدولة اليوم، أو صمتت على الأقل، عن المشروع “الحداثي الديمقراطي”، وعادت السلطة لتحيي الكثير من أدواتها العتيقة في التدبير وفي تجديد مصادر الشرعية وتعزيز قاعدتها الشعبية، والحزب الإسلامي الذي كان البعض يراه عاصفة تسونامي قادمة بقوة ارتفع حتى ارتفع ثم سقط بشكل مدو انتخابيا، والحلم القديم الذي راود الدولة بتعيين تشكيلة من التكنوقراط ورجال الأعمال في الحكومة تحقق لها بطريقة تفوق ما كنت تسعى إليه، وبغطاء يكاد لا ينازع فيه أحد، إلا همسا، من شرعية صناديق الاقتراع… فما الحاجة إلى حزب الأصالة والمعاصرة؟
لقد تخلت الدولة عن مشروعها الحداثي المعلن في بدايات القرن الحالي، والسبب قد يعود إلى كون الحداثة لا يمكن أن تقتصر على ما هو اجتماعي، بل لابد أن تمتد إلى السياسة والاقتصاد وهو ما لا يتحمله الوضع القائم، أو لأن ما سُمح به من تحديث سياسي عبر التسليم بمنطق الاحتكام للانتخابات واحترام الإرادة الشعبية، أفرز اختيار طبقة متوسطة ناشئة لتيار مناهض للحداثة كما كانت تتمثلها الدولة.
كما تم التخلي عن إرث العشرية الأولي من العهد الحالي، المتمثل في تقريري الخمسينية وهيئة الانصاف والمصالحة، وهي المرجعيات التي لم تحظ حتى بالتكريم الذي يوصي به ديننا للموتى، أي الدفن، فبقيت عالقة (ما مزوّجة ما مطلقة)، وعوضها تقرير النموذج التنموي ومقاربة حديدية في تدبير الحقوق والحريات… بالتالي وانطلاقا من المرجعيات والمبررات التي أتى بها مؤسسو الحزب، يصبح السؤال ملحا: ما الحاجة التي تبرر وجود حزب الأصالة والمعاصرة؟
حاجة الدولة إلى حزب يزيح الإسلاميين من الصدارة، والتي عبر عنها الهمة منذ اليوم الأول، هي الورقة الأهم التي خسرها حزب الجرار. ولا يعود ذلك إلى كون عوامل ذاتية وأخرى موضوعية اجتمعت لتطوح بحزب العدالة والتنمية من الرتبة الأولى إلى الصف الثامن، بل وخصوصا لأن لاعبا آخر قلب الطاولة على مؤسسي حزب الجرار مبكرا، من خلال انسحابه من حركة لكل الديمقراطيين ورفضه مواصلة الإنفاق على تحركاتها، هو الظاهرة عزيز أخنوش، أثبت “جدارته” بفعالية، وأنجز المهمة.
السؤال المطروح على المنتسبين إلى حزب الأصالة والمعاصرة يصبح بالتالي هو ما الحاجة إليكم؟ ما هو دوركم ووظيفتكم؟ وإذا كان لابد من نقل النقاش إلى دائرة الحق المكفول مبدئيا لجميع المغاربة في تأسيس الأحزاب والمشاركة في الانتخابات، سيظل السؤال مطروحا بصيغة “ما هو مشروعكم؟”.
على علات مرحلة التأسيس وفترة البدايات، كانت المجموعة التي أسست هذا الحزب تقدم خطابا سياسيا وتقعيدا نظريا، قد يختلف معه البعض أو يشكك في صدقه وتماسكه البعض الآخر، لكنه كان يقدم أطروحة لا تزيل عن الحزب طابع “حزب الدولة” لكنها تحوز وجاهتها وحقها في الوجود حين تقول بالاحتكام إلى الصناديق. اليوم يتجه ركاب الجرار نحو المؤتمر ولم نسمع منهم طرحا ولا مشروعا، وبالتالي نتساءل مع المتسائلين: لماذا يصلح البام؟