نايف أكرد والآخرون
الحوار الذي استضاف فيه لاعب الفتح الرباطي السابق عبد الفتاح بوخريص زميله القديم في النادي نايف أكرد، على قناته في اليوتوب، يجب أن يشاهده كل طفل أو شاب يمارس كرة القدم في المغرب حاليا، ويطمح للوصول إلى الإحتراف واللعب في أعلى المستويات، وأيضا يجب أن يكون وثيقة مرجعية تُدَرس للفئات الصغرى التي يتم إخضاعها ل “التكوين” في الأندية الوطنية والمدارس الخاصة.
الحلقة التي حكى فيها نايف أكرد كيف أن طفلا شغوفا بكرة القدم خرج من حي شعبي في القنيطرة، ليصل إلى اللعب في المنتخب الوطني، ويلعب في أقوى دوري في العالم ضمن نادي ويست هام العريق الإنجليزي، وكيف تحدى الكثير من المعيقات و العراقيل في مساره الكروي ليصل إلى ما وصل إليه، بداية من والدته التي كانت تمانع أن يلعب إبنها كرة القدم مخافة تأثيرها السلبي على مشواره الدراسي، ثم إلى الملاحظات المنقصة من موهبته ومن بنيته الجسدية التي تعرض لها من طرف بعض المؤطرين والمدربين، و أيضا فشل انتقاله إلى إسبانيا بشكل مفاجئ وقبل السفر في آخر لحظة، والإصابات التي تعرض لها في فترات حاسمة في تقرير مصيره الرياضي.
إبن العائلة الكروية المعروفة، روى أيضا بالتفصيل كيف صبر واجتهد وانضبط وطور مستواه في مراحل كثيرة من حياته، وكيف ضحى بأشياء كثيرة قد تغري شابا في سنه، من أجل أن يحقق حلمه في اللعب بأعلى المستويات، وأفصح عن كثير من تفاصيل الإختيارات الشجاعة التي اتخذها في رسم طريقه المستقبلي، وكيف ساعده مستواه الدراسي وتربيته على الإندماج السريع في منظومة كروية احترافية عريقة في فرنسا و إنجلترا.
ما صرح به نايف في الحوار، يلقي الكثير من الضوء، و لو بطريقة غير مباشرة، على الزوايا المظلمة في منظومتنا الإجتماعية و الكروية المعطوبة التي كانت سببا في ضياع عدد كبير من المواهب والكفاءات الرياضية، و خروجها من بداية الطريق عند أول مطب أو حاجز مانع من إتمام المسار، والوصول إلى تحقيق طموحات النجاح .
هي معضلة لها وجهان يشتركان في هذا الهدر السافر لمواهبنا في كرة القدم، .. وجه المنظومة الكروية الفاسدة و ما فيها من غياب لسياسة تكوين علمية و احترافية، تتأسس على “صناعة” لاعبين بمواصفات دقيقة وفق شروط كرة القدم الحديثة، أي أن عملية التكوين عندنا لازالت تعتمد على اختيار الأطفال “الرقايقية” الموهوبين في مداعبة الكرة و المراوغة و اللمسات الفنية، ولا تعتمد على قياس درجة الذكاء عند الطفل و شخصيته و قابليته للتطور الذهني و الجسماني، وهو الشيء الذي يتعرض بسببه الكثير من الأطفال ناقصي المهارات والمقومات البدنية الذين يشبهون نايف أكرد في بداياته، إلى التهميش والإبعاد وعدم اجتياز عمليات الإنتقاء .
ثم هناك وجه المنظومة الإجتماعية، وما فيها من أعطاب ومن إكراهات في تربية الأسر لأبنائها على حسن الخلق، واكتساب الشخصية القوية، وتحمل المسؤولية في اتخاذ القرار، وأيضا على الكفاح من أجل بلوغ الأهداف الشخصية في الحياة، والثقة في النفس، وأيضا على عدم الإنسياق وراء النزوات العابرة التي يمنحها المال و الشهرة في ريعان فترة الشباب.
هاذان الوجهان هما اللذان أعطيانا أجيالا من لاعبي كرة القدم إنقطع نصفهم عن الممارسة في بداية الطريق بسبب عامل من العوامل إما الشخصية أو التي تتعلق بوسط الممارسة، وواصل النصف الآخر المسيرة بتكوين ناقص واللعب في بطولة وطنية “احترافية” بعقلية هاوية لا تحترم أدنى شروط وضوابط الإحتراف وبدون طموح أو تفكير في تطوير الذات والمؤهلات الفردية بهدف الإنتقال إلى مستويات كروية أفضل .
وسط هذه الأجيال، خرجت بعض الفلتات الواعدة مثل نايف أكرد و يوسف النصيري و ياسين بونو وعز الدين أوناحي وآخرون، وأنقذوا أنفسهم من وسط بيئة كروية معطوبة في اللحظة المناسبة، ورفضوا العروض المغرية للتوقيع مع أندية وطنية لن تفيذ مستواهم في شيء، و فضلوا عروضا أقل قيمة مالية في أوربا، لكن قيمتها الكروية كانت أثمن، و البيئة الإحترافية التي انتقلوا إليها أرقى، وهي التي مكنتهم باجتهادهم وصبرهم وأخلاقهم العالية من تطوير مستواهم والوصول إلى ما وصلوا إليه اليوم.
هؤلاء الفلتات هم قدوة الأجيال القادمة في كرة القدم المغربية، وهم رموز وطنية في مجالهم يجب التفكير في كيفية ترسيخ رمزيتهم لدى الناشئة الرياضية في كل جهات البلاد.