story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

“لعكر فوق…”

ص ص

أتحفتنا الزميلة سارة طالبي يوم أمس بنشر تفاصيل مسودة مشروع قانون تزعم الحكومة أنها بصدد تحضيره، حول ماذا؟ حول تنازع المصالح نعاماس !
صدور وثيقة من هذا النوع في سياق كمثل ما نعيشه حاليا، على المستويين السياسي والمؤسساتي، لا يمكن إلا أن يكون ضربا من الخيال أو معجزة مما لم يعد الزمان يجود بمثلها.
لماذا؟ لسبب بسيط، هو أننا نعيش مرحلة مأسسة تنازع المصالح والتطبيع الكامل معه، بل وتحويله إلى أداة ونهج في التدبير.
البحث عن هذه الوثيقة ونشر تفاصيلها الكاملة جاء بعد كشف الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، عن تقريرها السنوي، مخبرة إيانا بتراجع شامل في جميع المؤشرات التي يقاس بها منسوب الفساد وفقا للمعايير الدولية، ومذكرة بتقرير موضوعاتي أصدرته خلال السنة الماضية ولم ننتبه إليه كما يجب، حول وضعية تنازع المصالح في المغرب، والوثيقتان تفيدان باختصار ودون مبالغة، أننا نعيش حالة تسيّب واضح.
تخبرنا الزميلة سارة الطالبي في تقريرها الإخباري، أن الحديث عن هذه المسودة بدأ قبل أشهر، عندما انتقد برلمانيون تراجع المملكة في مؤشرات مكافحة الفساد، حيث أعلنت وزيرة الانتقال الرقمي وتحديث الإدارة، غيثة مزور، عن بدء تحضير مشروع قانون حول الوقاية من تنازع المصالح.
طيب ماذا تقول هذه المسودة؟
إنها تقدم تعريفا قانونيا لتنازع المصالح، بكونه “كل وضعية تتعارض فيها المصلحة العامة مع مصالح الشخص، والتي تؤثر أو قد تؤثر على تجرده وحياده وموضوعيته واستقلاليته، وذلك بمناسبة قيامه بالمسؤوليات والمهام المسندة إليه…”.
كما تقدم الوثيقة قائمة بالأشخاص الخاضعين لمقتضياتها، وتضع على رأسهم “أعضاء الحكومة والشخصيات المماثلة لهم من حيث الوضعية الإدارية ورؤساء وأعضاء دواوينهم”.
سوف أتوقف هنا ولن أقدم المزيد عن مضمون الوثيقة، لأن المشكلة كلها تكاد تلخص في البندين السابقين.
كيف لحكومة يقودها أكبر تاجر في البلاد، في مواد وخدمات حيوية وأساسية، مثل المحروقات والغاز وأوكسيجين المستشفيات، اللهم زد وبارك، في غياب شبه تام للشفافية والمنافسة الحرة باعتراف المؤسسات الرسمية، أن تأتينا بقانون يحارب تنازع المصالح؟
هناك تنازع للمصالح في عملية تحضير هذا القانون أصلا، تماما كما كان هناك تنازع صارخ وفاضح للمصالح عندما أشرف رئيس الحكومة على تغيير قوانين المنافسة التجارية في السوق الوطنية، ثم حصل بموجبها على عقوبة مخففة وهزيلة على ممارسات شركته غير المشروعة في سوق المحروقات، إلى جانب الكارتل المشتغل في هذا المجال.
هل يعقل أننا لم نستوعب ما حصل ونصر على المضي فيه؟ هل سنحارب الظواهر التي تسببت في تفاقم منسوب الفساد وفقا للتقارير الرسمية بالأدوات نفسها التي انتجت هذه الظواهر؟ هل هناك من يعتقد حقا أن المغاربة “سرطوا” ما حصل في ملف المحروقات و”العفو” الذي منحه مجلس المنافسة لشركات استغلت المغاربة في أحلك الظروف والفترات، خاصة منها ظروف الجائحة والغلاء العالميين؟
هناك “نكتة” بين مواد المسودة تقول: “يعد الشخص الخاضع، في وضعية تنازع في المصالح إذا كان مدعوا إلى اتخاذ أو تقديم رأي أو مشاركة في مداولة أو التصويت أو إعطاء تعليمات بخصوص إي موضوع له فيه مصلحة خاصة”. اضحكوا اضحكوا.
لنترك موضوع شخص رئيس الحكومة جانبا، لأنه من النوع الذي يصدق عليه مثل “فين ما ضربتي القرع”، ولنتساءل مع حكومتنا الموقرة: تنص مسودة مشروع قانون محاربة تنازع المصالح على أن هذه الحالة تنطبق على من يزاول وظيفة عمومية ثانية مرتبطة بمهامه ومن شأنها أن تؤدي إلى تنازع في المصالح؛ طيب هل يمكن للحكومة الموقرة أن تخبرنا بعدد الأشخاص الذين يستعين بهم وزراؤها كمستشارين ومكلفين بمهام، بينما يتلقون أجورهم وتعويضاتهم من مؤسسات عمومية أخرى؟ كيف يمكن التأكد من غياب التداخل وتنازع المصالح بين القطاعات الحكومية وهذه المؤسسات المرتبطة بعلاقات تمويل ووصاية ورقابة مع الحكومة؟
وهل يمكن لمعدي المسودة أن يخبرونا قبل المضي في هذا المشروع، كي نصدقهم ونثق في مشروعهم، هل هناك أشخاص يشتغلون إلى جانب رئيس الحكومة ويحملون ملفات الدولة ومشاريعها الكبرى، بينما يتلقون تعويضات أو امتيازات أو منافع من الشركات الخاصة لرئيس الحكومة؟ وإذا كان الجواب نعم (…) أين يبدأ الولاء للوطن وأين ينتهي الوفاء لولي النعمة؟ وهل يجوز في منطق الدولة أن تتم “خوصصة” أسمى وظائفها ومؤسساتها؟
ثم هل هناك أشخاص يعملون لصالح الحكومة، ورئاستها تحديدا، ويتلقون بالفعل تعويضاتهم من المال العام، لكنهم ينتقلون نهاية كل أسبوع إلى مقرات واجتماعات الحزب الذي ينتمي إليه رئيس الحكومة للعمل لفائدته؟ وإذا كان الجواب نعم (…)، هل يحق للأحزاب السياسية أن تستفيد من المال العام خارج المسطرة التي تشرف عليها وزارة الداخلية ويراقبها المجلس الأعلى للحسابات؟
هي مجرد تساؤلات حبذا لو يتفضل وزراء حكومة الكفاءات بالجواب عنها، خارج منطق الأجوبة التقنوية التي يقدمونها علي الاختلالات والثغرات التي تنفلت من قبضة التعتيم والتعمية التي يحاول البعض ممارستها.
وفي غياب هذا الجواب لا يعدو ما يقدم على أنه مشروع لمحاربة تنازع المصالح أن يكون سوى محاولة يائسة لإخفاء الشمس بالغربال، أو كما قال آسلافنا: عكر فوق…