أوقفوا هذه المهزله !
استيقظت هذا الصباح على رسالة من صديق مقيم في الديار البريطانية، يمدني من خلالها بعناوين أهم الأحداث التي شهدها العالم في الساعات الأخيرة.
تصور معي أخي المغربي، أن البشرية شهدت هذا الأسبوع حدثا تاريخيا سيكون له ما بعده، يتمثل في صدور قانون أوربي ينظم نشاط تطوير واستغلال الذكاء الاصطناعي، والذي ينتظر أن يشكل مرجعية كونية جديدة، تسمح للإنسان بثورة جديدة تضاهي أو تفوق الثورة الصناعية.
هذه الوثيقة التي طال انتظارها توفر الحد الأدنى الضروري من معايير السلامة والاستعمال الأخلاقي لهذه “الطاقة” الجديدة التي تفوق في أهميتها الطاقة النووية (تصح المقارنة في القدرات التنموية والتدميرية)؛ وتصوّر معي آخي المغربي أن هذا الحدث يأتي بينما في بلاد تزعم أنها تسعى إلى مجاورة الكبار ومنافسة العظماء، لم يدخل غالبية الأطفال إلى قاعات الدرس لتعلم، ليس الذكاء الاصطناعي، بل مجرد “فك الخط”، منذ ما يقرب من خمسة أشهر، بعدما حُرموا منها أياما قليلة بعد الدخول المدرسي.
ليس الزلزال الذي ضرب هذه البلاد في بداية العام الدراسي سبب هذه الكارثة، ولا هي من فعل وباء قاتل (لا قدّر الله) أو حرب، حفظنا الله منها… من يحرم أطفالنا من حق قد يكون أهم من الحق في الأكل والشرب، وهو الحق في المعرفة والتعلم، هي كارثة الخواء السياسي والمدني الذي نسبح فيه كما يسبح زواد الفضاء في الفراغ.
بلاد لا يدرس أبناؤها منذ شهور هي بلاد منكوبة تتعرض للتدمير والتخريب، عليها أن تعلن الحداد وتنصب خيام العزاء وتنكس الأعلام، كيفما كان السبب ومهما تراكمت المبررات. على أحد ما أن يقرع هذا الجرس ويدق طبول الحزن ويلطم وجهنا الجماعي ويعلن حالة الكارثة غير الطبيعية.
لا تهمني مواقف الحكومة ولا النقابات ولا التنسيقيات حول زيادة في أجر أو نقصان في أجر ولا راتب، ولا سحب ولا تجميد ولا تطبيق لنظام أساسي أو ثانوي، لأن هذه الحكومة وتلك الوزارة ومعها هذه الأكاديميات والمديريات والمدارس ثم الأطر والأساتذة، كل ذلك موجود ويموّل ويسيّر لغرض واحد هو تعليم وتربية أبناء المغاربة.
يبدو أنكم تحتاجون جميعا، وزراء ومسؤولين إداريين وأطر وأساتذة… إلى من يذكركم أنكم تعيشون من مال المغاربة من أجل أن يتعلم أبناؤهم، وبدون التزامكم جميعا بهذا الهدف فلتذهب كل حساباتكم ومصالحكم إلى الجحيم. بدون تحقيق هذه الغاية لا مصلحة لنا كمغاربة يدفعون الضرائب المباشرة وغير المباشرة صباح مساء، في صدف أي فلس من السبعين مليار درهم التي تقتطع من أرزاقنا سنويا بمبرر الإنفاق على التعليم العمومي.
على جهة ما أن توقف هذا الهراء، فليطالب من يريد أن يطالب، وليناور من يريد أن يناور، لكن ليس على حساب رهن مستقبلنا الجماعي والزج بنا في مصير مجهول ينتظرنا مع جيل تلاحقت عليه الجوائح، الطبيعي منها والمصطنع. لا يمكن أن يستمر هذا الرقص البذيء فوق أجساد الأطفال.
إذا كانت الحكومة تملك كامل الزمن السياسي لأن أبناء من يهمونها يصلون كل صباح إلى مدارسهم، فإن مستقبل المغرب لا وقت لديه. مستقبل المغرب لن يبنيه أبناء الفئة الناجية وحدهم، مستقبلنا لن يبنيه إلا حصول أبنائنا على حقهم في التعليم والتربية بعدالة وإنصاف وتكافؤ في الفرص.
بالله عليكم كيف سيقف ابن المغربي الفقير غدا في سوق الشغل لينافس ويحصل على نصيبه من الثروة والكرامة؟ كيف سيتنافس أبناؤنا خلال بضعة أشهر من الآن في امتحانات البكالوريا ونحن اليوم في الشهر الثالث من مغربين متوازيين: مغرب أبناؤه في المدارس وآخر أبناؤه في الشارع.
هل كانت الدولة ستسمح بهذا الوضع لو كان أبناء المغاربة سواء، يدرسون معا أو يحرمون من التعليم جميعا؟
لا تهمني اتفاقاتكم ولا اختلافاتكم، فرحكم بزيادة أو استهزاءكم من هزالتها، إن أنتم لم تعيدوا أبناء المغاربة إلى مدارسهم. المفروض أننا ننفق أموالنا وفقا لاختيارات تدبيرية ورؤى واختيارات، عدا ذلك هي استباحة للمغاربة بأموالهم وحقوقهم ومصالحهم الحيوية والأساسية، بحاضرهم ومستقبلهم.
أوقفوا هذه المهزلة !