story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
سياسة |

محللون: تزكية القوانين الانتخابية تعكس تحفّظ المحكمة الدستورية على الرقابة

ص ص

أعادت القرارات الأخيرة للمحكمة الدستورية بخصوص القوانين الانتخابية إلى الواجهة، النقاش حول طبيعة الرقابة الدستورية وحدودها، خاصة بعد تزكية جميع المقتضيات التي أثارت جدلا واسعا في الساحة السياسية والحقوقية، وهو ما اعتبره محللون “مؤشرا على توجه قضائي يتسم بالتحفظ”.

في هذا الإطار، اعتبر أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة الحسن الأول بمدينة سطات عبد الحفيظ اليونسي، أن “القضاء الدستوري المغربي عرف خلال السنوات الأخيرة انزياحا واضحا عن القواعد التي كان قد خطها لنفسه في مجال الاجتهاد الدستوري”، موضحا أن “هذا التحول برز بشكل خاص عند مراقبة القوانين التنظيمية المرتبطة بالانتخابات”.

وأوضح اليونسي في حديثه لصحيفة “صوت المغرب”، أن “هذا الانزياح بدأ بشكل واضح مع مراقبة قوانين الانتخابات لسنة “2021، حيث تم، بحسبه، “تأسيس منطق جديد في التعاطي مع هذه النصوص، يتمثل في توسيع فكرة احترام السلطة التقديرية للمشرّع”، وهو ما اعتبره “تحولا مؤسسا لسلبية واضحة في ممارسة الرقابة الدستورية”.

ويرى المتحدث أن “التمسك بالسلطة التقديرية للمشرّع كمبرر لتزكية المقتضيات الانتخابية يتناقض في جوهره مع فكرة مراقبة دستورية القوانين”، فوظيفة الرقابة، بحسبه، “تقوم أساسا على فحص مدى احترام التشريع للضوابط الدستورية، لا على الاكتفاء بإقرار خيارات المشرّع، وهو ما يفرغ الرقابة من مضمونها”.

وأشار الأستاذ الجامعي إلى أن “القضاء الدستوري، وإن كان قضاء سياسيا بالتعريف، فإن ما راكمه من اجتهادات مؤخرا، سواء في إطار المراقبة الإلزامية أو الاختيارية، يؤكد أننا أمام تراجع فعلي في ممارسة مهامه الحيوية”، معتبرا أن “هذا التراجع ينعكس على علاقته بالنظام السياسي والقانوني”.

ومن زاوية أخرى، أوضح أستاذ القانون الدستوري بالكلية متعددة التخصصات بتازة، الحسن أشهبار، أن “الإشكال لا يتعلق بالتشكيك في شرعية قرارات المحكمة الدستورية، بل بتحديد موقعها بين وظيفتين أساسيتين، حماية الدستور وضمان سموه، واحترام هامش التقدير الممنوح للمشرّع البرلماني”، فالمحكمة، بحسبه، “تجد نفسها أمام معادلة دقيقة عند فحص القوانين ذات الطابع السياسي”.

وأكد أشهبار أن “المحكمة الدستورية، وفق نظرية الرقابة الدستورية، لا تتدخل لتقييم ملاءمة الخيارات السياسية أو نجاعة النظم الانتخابية، لأن ذلك يدخل في اختصاص البرلمان باعتباره سلطة منتخبة، وينحصر دورها أساسا في التأكد من احترام هذه الخيارات للمبادئ الدستورية”.

غير أن الإشكال، يضيف أشهبار، “يظهر عندما تصبح الرقابة الدستورية شديدة التحفظ، فلا يتم إسقاط أو مراجعة إلا المقتضيات التي تخالف الدستور بشكل واضح وصريح، وفي هذه الحالة، “قد تتحول الرقابة إلى رقابة شكلية، تكتفي بالتصريح بعدم وجود تعارض مباشر دون حماية فعلية للقيم الديمقراطية والحقوق السياسية”، على حد تعبيره.

وفي هذا الإطار، يمكن قراءة تزكية المحكمة لمقتضيات مثيرة للجدل، حسب المتحدث، على أنها تعبير عن تبني منطق “التحفظ القضائي”، الذي يقوم على ترك هامش واسع للمشرّع لتحديد شكل النظام الانتخابي وفق اختياراته السياسية، ما دام يحترم الإطار الدستوري العام.

غير أن هذا الخيار التأويلي، يضيف أشهبار، يعيد طرح سؤال جوهري حول مدى قدرة المحكمة الدستورية على تطوير اجتهاد دستوري يُخضع القوانين الانتخابية لمعيار صارم مرتبط بجوهر الديمقراطية التمثيلية، وليس فقط بحدود القراءة الحرفية لنصوص الدستور.

وأشار إلى أن النقاش لا ينحصر في مسألة استقلال المحكمة عن البرلمان بالمعنى السياسي المباشر، بل يمتد إلى طبيعة التأويل الدستوري الذي تعتمده، كما يتعلق بمدى استعدادها للاضطلاع بدور فاعل في حماية الشرعية الديمقراطية والحقوق السياسية، أو الاكتفاء بدور ضبط التوازن بين السلط.

وإلى جانب ذلك، لفت المتحدث إلى استمرار تأخير تفعيل آلية الدفع بعدم دستورية القوانين منذ 2011، وأثرها السلبي على حماية الحقوق والحريات في مثل هذه الحالات، مبرزا أن المواطن يظل عاجزا عن مواجهة قانون غير دستوري يطبق عليه، كما يبقي الرقابة الدستورية محصورة في يد جهات محدودة، وهو ما يؤخر بناء ثقافة دستورية مواطِنة ويُبقي فجوة قائمة بين النص الدستوري وضماناته الفعلية.