بينهم مغربي.. السجن المؤبد لشبكة اغتيال “مهندس القسام” محمد الزواري
أصدرت محكمة تونسية أحكامًا بالسجن المؤبد في قضية اغتيال المهندس التونسي محمد الزواري، عضو كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، وذلك بعد سنوات من الجلسات القضائية التي تابعت ملابسات الجريمة وكشفت تفاصيل الشبكة المتهمة بالتخطيط والتنفيذ.
وبحسب ما نُقل عن مجريات المحاكمة، فقد شملت الإدانة مجموعة من المتهمين من جنسيات مختلفة، من بينهم متهم يحمل الجنسية المغربية، إلى جانب عناصر أُسندت إليهم أدوار متفاوتة شملت التنفيذ المباشر، وتوفير الدعم اللوجستي، والتتبع والمراقبة، وتأمين وسائل التنقل والاتصال.
واعتبرت هيئة المحكمة أن الوقائع والأدلة المقدمة تثبت تورط المتهمين في جريمة اغتيال ذات طابع منظم، ما استوجب تسليط أقصى العقوبات المنصوص عليها في مثل هذه القضايا.
وتعود فصول القضية إلى يوم اغتيال محمد الزواري أمام منزله بمدينة صفاقس، في عملية هزّت الشارع التونسي والرأي العام العربي وأثارت منذ اللحظة الأولى تساؤلات واسعة حول الجهة التي تقف وراءها.
وكان الزواري معروفًا بكونه مهندسًا مختصًا في مجال الطيران والطائرات المسيّرة، وقد ارتبط اسمه بتطوير قدرات الطائرات دون طيار لفائدة كتائب القسام، ما أضفى على عملية الاغتيال بعدًا يتجاوز الجريمة الجنائية إلى سياق إقليمي بالغ التعقيد.
وخلال مسار التحقيق، ركزت الجهات القضائية على تفكيك خيوط التحرك الذي سبق عملية الاغتيال، بما في ذلك مسارات دخول وخروج بعض المشتبه فيهم، وطرق توفير السيارات والشقق والشرائح الهاتفية، وآليات التواصل التي استُخدمت لتفادي التتبع الأمني.
وفي خلفية الملف، طُرحت اتهامات موجهة إلى جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي “الموساد” بالوقوف وراء اغتيال الزواري، في سياق اعتادت فيه تل أبيب التزام الصمت إزاء عمليات اغتيال مماثلة تُنسب إليها.
أما المسار القضائي، فقد انصبّ على مساءلة الأشخاص الذين نُسبت إليهم أدوار مباشرة أو مساندة ضمن الشبكة المتورطة في العملية.
وفي سياق متصل، صدرت أحكام بحق عدد من المتهمين بحالة فرار، ما يجعل تنفيذها مرهونًا بإلقاء القبض عليهم واستكمال إجراءات التسليم أو تفعيل آليات التعاون القضائي الدولي، في حال وجودهم خارج البلاد.
ويترقب متابعو الملف ما إذا كانت هذه التطورات القضائية ستنعكس على مستوى التنسيق الأمني والقضائي بين تونس ودول يُشتبه في وجود متهمين أو عناصر مرتبطة بالقضية على أراضيها.
وكان محمد الزواري يبلغ من العمر 49 عامًا عندما اغتيل في 15 ديسمبر 2016 أمام منزله في صفاقس، أثناء استعداده لركوب سيارته، حيث أطلق المنفذون عليه نحو 20 رصاصة أردته قتيلًا في الحال.
ووفق التحقيقات، كان الزواري يعمل حينها على مشروع لنيل درجة الدكتوراه حول تطوير غواصة مسيّرة.
والمتهمون الرئيسيون هم إيريك ساراك وآلان كامزيتش، وهما المنفذان المباشران ويحملان الجنسية البوسنية، إلى جانب ستة أجانب آخرين من بينهم مغربي-بلجيكي، إضافة إلى ثلاثة تونسيين، وفق ما أعلنته السلطات التونسية سابقًا.
وأظهرت التحقيقات أن البوسنيين دخلا تونس بجنسيات أجنبية مزورة لتنفيذ عملية الاغتيال، بمساعدة شبكة وفرت السيارات ووسائل الاتصال، حيث كشفت تقارير عن دور متهم يحمل الجنسية البلجيكية من أصول مغربية في التنسيق اللوجستي، إلى جانب تونسيين وأجانب آخرين.
وكانت وزارة الداخلية التونسية قد وصفت المتهم المغربي بأنه “المدبر لعملية الاغتيال، وكان على اتصال بثلاثة تونسيين”. ويحمل هذا المتهم اسم بزاني حمزة (23 عامًا)، بلجيكي الجنسية من أصول مغربية، وقد تم تعميم صورته عبر منظمة الإنتربول الدولية من أجل اعتقاله وتسليمه للسلطات التونسية.
وُلد محمد الزواري في تونس سنة 1967، وتابع دراسته الأكاديمية في اختصاص هندسة الطيران بجامعة صفاقس، حيث حصل على شهادة الماجستير. وبعد اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، التحق بصفوف المقاومة الفلسطينية، لينتقل من المسار العلمي الأكاديمي إلى العمل التقني المرتبط بتطوير قدرات المقاومة.
وخلال فترة وجيزة، برز الزواري ككفاءة هندسية ذات بعد استراتيجي، وتولى أدوارًا قيادية داخل كتائب القسام. ويُنسب إليه الإشراف والمساهمة في تطوير برنامج الطائرات المسيّرة، وعلى رأسه مشروع “أبابيل”، الذي استُخدم ضمن إمكانات المقاومة الفلسطينية.
ولم تنبع مكانة الزواري من خبرته التقنية فقط، بل من قدرته على تحويل المعرفة الهندسية إلى تطبيقات ميدانية مؤثرة، ما جعله، بحسب ما يُتداول، ضمن دائرة الاستهداف المباشر للاستخبارات الإسرائيلية.
وبعد اغتياله، كشفت كتائب القسام عن هويته بشكل علني للمرة الأولى، ونعته بلقب “شهيد الطائرة المسيّرة”، معتبرة أن رحيله شكّل خسارة كبيرة لذراعها العسكرية.
ويُعد محمد الزواري اليوم رمزًا لما يُعرف بـ“المقاومة التقنية” في فلسطين، وقد كرّمته كتائب القسام بإطلاق اسمه على طائرة مسيّرة انتحارية وغواصة ذاتية القيادة، تخليدًا لذكراه.