تسجيل استنطاق المتهمين في قانون المسطرة الجنائية تحت مجهر الحقوقيين
أثارت المادة 3-66 من قانون المسطرة الجنائية، الذي دخل حيز التنفيذ في 8 دجنبر 2025، نقاشا حقوقيا واسعا، بشأن الموازنة بين رقمنة العدالة وصون الضمانات الحقوقية للمتهمين.
وبينما ينظر إلى التسجيل السمعي البصري كضمانة لتعزيز الشفافية، تبرز مخاوف حقوقية من انحراف هذه الآلية لتصبح أداة لتكريس الإدانة المسبقة، بدلا من أن تكون درعا حمائيا للمتهم، بل ويزداد هذا التوجس في ظل غياب إطار تنظيمي واضح يحدد ضوابط وكيفيات إجراء هذا التسجيل.
وبالعودة إلى مضمون المادة 3-66 من قانون المسطرة الجنائية، نجدها تلزم بضرورة إجراء تسجيل سمعي بصري للمشتبه فيه الموضوع تحت تدبير الحراسة النظرية في الجنايات والجنح التي تتجاوز عقوبتها خمس سنوات.
غير أن هذا الالتزام يقتصر إجرائيا على لحظة تلاوة المحضر والتوقيع عليه، مع إحالة كيفية تنزيل هذا الإجراء إلى نص تنظيمي مرتقب، كما منحت المادة للمحكمة صلاحية المطالبة بمحتوى التسجيل، الذي يُحفظ وفق مقتضيات المادة 113 من نفس القانون، ليكون تحت تصرف العدالة عند الاقتضاء.
“تهدد قرينة البراءة“
وفي هذا السياق، حذر رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، إدريس سدراوي، من “المخاطر القانونية” التي تنطوي عليها الصيغة الحالية للمادة 3-66 من قانون المسطرة الجنائية المعدل، مؤكدا أن قراءة حقوقية متأنية للنص تكشف عن “ثغرات قد تمس بجوهر المحاكمة العادلة وتنسف قرينة البراءة”.
وسجل سدراوي، في تصريح لصحيفة “صوت المغرب”، استغرابه من المنهجية التي اعتمدها النص، متسائلا: “كيف يمكن تحديد طبيعة الفعل الجرمي جناية كان أو جنحة قبل الاستماع للمشتبه فيه؟”، وأوضح أن “المنطق القانوني السليم يقتضي أن السماع هو الذي يكشف الوقائع، والوقائع هي التي تسمح بالتكييف، وليس العكس.
واعتبر الحقوقي أن النص بصيغته الحالية يفترض “قدرات تخمينية” لدى ضابط الشرطة القضائية، مما يدفع الأخير لتبني فرضية اتهام مسبقة قبل مباشرة البحث، “وهو ما يقلب مسار العدالة ويجعل الاستنطاق لحظة لتثبيت اتهام محسوم ذهنيا بدلاً من البحث عن الحقيقة الحيادية”.
وبخصوص آلية التسجيل السمعي البصري، أشار المتحدث إلى أن الإشكال لا يكمن في الوسيلة التقنية، بل في “فلسفة توقيتها”، محذرا من إمكانية تحويل التسجيل إلى “وسيلة للضغط النفسي”، خاصة بالنسبة للأشخاص في وضعية هشاشة أو صدمة ناتجة عن الاعتقال.
وأضاف الفاعل الحقوقي أنه “عندما يوثق التسجيل استنطاقا مبنيا على افتراض الإدانة، فإنه لا يوثق بحثا حرا، بل يوثق مواجهة غير متكافئة تمس مباشرة بالحق في الصمت والحق في الدفاع”.
ولم تفت رئيس الرابطة الإشارة إلى خطورة منح صلاحية الاستغناء عن التسجيل بقرار معلل لأسباب تقنية أو ضرورات البحث، معتبرا أن هذا “الاستثناء يضرب مبدأ المساواة أمام الإجراءات القانونية، ويجعل الضمانة الحقوقية إجراء انتقائيا قابلا للتوظيف حسب طبيعة الملف أو هوية الشخص المعني”.
“تفتقر للفاعلية“
ومن جانب آخر، أكدت المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد أن المادة 3-66 من قانون المسطرة الجنائية الجديد، “رغم أهميتها في تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة”، لا تزال تفتقر للفاعلية الواقعية.
واعتبرت المنظمة، في بيان لها، أن رهن تطبيق التسجيل السمعي البصري بصدور نص تنظيمي يجعل هذه الضمانة الحقوقية “موقوفة التنفيذ” ومفرغة من محتواها العملي.
وأوضح المصدر نفسه أن الغاية من المادة كانت وضع حد للشبهات المتعلقة بانتزاع الاعترافات تحت الإكراه، وتوفير دليل مادي موضوعي للقضاء، “إلا أن الواقع يظهر تعارضا صارخا بين النص القانوني والممارسة الميدانية”، بحيث يظل العمل بالآلية معلقا إلى حين صدور مرسوم يحدد الجوانب التقنية، مثل كيفيات التخزين، مدة الحفظ، وضمانات حماية البيانات الشخصية.
وتبعا لذلك، أوصت المنظمة الجهات المختصة بالإسراع في إصدار النص التنظيمي لضمان ما أسمته الأمن القانوني، بالإضافة إلى مطالبتها بتوفير ميزانية استثنائية لتعميم التجهيزات السمعية البصرية على كافة المراكز (حضرية وقروية).
ومن جهة أخرى، دعت الهيئة الحقوقية إلى إرساء نظام رقمي مركزي مؤمن لحفظ التسجيلات ومنع العبث بها، وتكوين إلزامي للضابطة القضائية حول تقنيات الاستجواب الرقمي وحماية المعطيات، ناهيك عن إقرار إجبارية تبليغ المشتبه فيه بحقه في التسجيل بشكل مكتوب وشفهي.
واختتمت المنظمة بيانها، بالتأكيد على أن تفعيل المادة 3-66 ليس مجرد “خيار تقني”، بل هو استحقاق حقوقي لملاءمة القوانين الوطنية مع المواثيق الدولية، وعلى رأسها اتفاقية مناهضة التعذيب والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.