story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
إعلام |

إعلاميون ومسؤولون يناقشون محاربة “الأخبار الزائفة” في لقاء وطني بالرباط

ص ص

ناقش إعلاميون وباحثون وخبراء في التواصل، خلال لقاء فكري حول موضوع “محاربة الأخبار الزائفة: مقاربات ورؤى متقاطعة”، الإكراهات المتزايدة التي تواجه العمل الصحافي في زمن التدفق الهائل للمعلومات وهيمنة شبكات التواصل الاجتماعي على مصادر الخبر.

وفي مداخلة له خلال اللقاء، أكد الإعلامي جامع أولحسن أن المشهد الإعلامي عرف تحولات عميقة خلال العقدين الأخيرين، انتقل فيها الصحفي من مرحلة البحث عن الخبر إلى مرحلة فائض المعلومات، حيث أصبح التحدي الأساسي هو التمييز بين الصحيح والزائف.

وأوضح أولحسن، في جلسة حول “التقنين وأدوار ومسؤوليات الفاعلين في مواجهة الأخبار الزائفة، أن الصحافيين اليوم يستهلكون وقتًا وجهدًا كبيرين في التحقق من الأخبار، خاصة مع الانتشار الواسع للمقاطع الصوتية والصور والفيديوهات، التي غالبًا ما يتم تداولها عبر تطبيقات التراسل الفوري، وعلى رأسها “واتساب”.

وأشار المتدخل إلى أن هذا التطبيق أصبح في السياق المغربي مصدرًا أوليًا للأخبار بالنسبة لشريحة واسعة من المواطنين، متقدمًا في كثير من الأحيان على التلفزيون ووسائل الإعلام التقليدية، وهو ما يطرح إشكالات مهنية وأخلاقية مرتبطة بسرعة الانتشار وصعوبة التحقق.

ورغم هذا التراجع النسبي لدور التلفزيون الكلاسيكي، شدد أولحسن على أن التلفزيون العمومي ما زال يحتفظ بهامش مهم من المصداقية، خاصة خلال المحطات الكبرى والاستثنائية، مثل جائحة كوفيد-19، وزلزال الحوز، أو عند الإعلان الرسمي عن المناسبات الدينية الكبرى، حيث تسجل نسب مشاهدة مرتفعة تعكس ثقة الجمهور في المصدر الرسمي.

وفي هذا السياق، اعتبر المتحدث أن محاربة الأخبار الزائفة لا يمكن أن تقتصر على جهود الصحفيين وحدهم، بل تتطلب تواصلًا فعالًا ومنتظمًا من طرف المؤسسات الرسمية، مشددًا على أن غياب المعلومة الرسمية يخلق فراغًا سرعان ما تملؤه الإشاعة والخبر الزائف.

ودعا أولحسن مختلف المؤسسات الحكومية والهيئات العمومية والأحزاب السياسية والجمعيات إلى تطوير آليات التواصل مع الصحافة، وتمكين الصحفيين من الولوج السريع إلى المعلومة الدقيقة، معتبرًا أن الجاهزية التواصلية أصبحت عنصرًا أساسيًا في مواجهة التضليل الإعلامي.

كما توقف المتدخل عند أهمية اعتماد أدوات جديدة في العمل الصحافي، من بينها الذكاء الاصطناعي، للمساعدة في التحقق من المحتوى الرقمي، مع التأكيد على أن هذه الأدوات لا يمكن أن تعوض دور الصحفي المهني، بل تظل وسائل داعمة لعمله.

وفي السياق ذاته، أكد أحمد العطاري، مدير البحث والاستراتيجية بوكالة المغرب العربي للأنباء، أن جودة تنظيم هذا اللقاء تكمن في كونه عالج ظاهرة الأخبار الزائفة ليس باعتبارها مجرد إشكال إعلامي، بل كرهانًا بنيويًا يمس المجتمع ككل، ويطرح تحديات حقيقية على مستوى السيادة المعلوماتية.

وأوضح العطاري أن المعطيات الرقمية الصادرة عن منظمات دولية، من بينها اليونسكو وإيبسوس، تُظهر أن ما بين 40 و80 في المائة من المواطنين عبر العالم يعبرون عن قلقهم من انتشار الأخبار الزائفة، فيما يرى نحو 70 في المائة منهم أن هذا التحدي يرتبط أساسًا بدور المنصات الرقمية. وأضاف أن هذه المؤشرات الدولية تتقاطع مع نتائج دراسات وطنية، من بينها بحث حول حرية الإعلام، ما يؤكد أن الظاهرة أصبحت واقعًا مقلقًا ومتقاسمًا.

وفي تحليله لسياق تطور الظاهرة، أشار العطاري إلى أن المشهد الإعلامي مر بعدة قطائع متتالية، بدأت مع بروز الإعلام الإخباري المتواصل، الذي خلق ضغطًا كبيرًا على منظومة إنتاج الخبر، ثم تعززت مع صعود شبكات التواصل الاجتماعي منذ مطلع الألفية، حيث انتقل مركز الثقل من الإعلام التقليدي إلى المنصات الرقمية التي تحكمها خوارزميات تفضل التفاعل والانتشار على حساب المصداقية.

واعتبر أن الذكاء الاصطناعي يمثل اليوم الطبقة الأكثر خطورة في هذا المسار، بالنظر إلى قدرته على إنتاج محتويات نصية وبصرية وصوتية عالية الإقناع وبتكلفة منخفضة، ما زاد من تعقيد عملية التحقق، وأدخل المجتمعات في مرحلة ما سماه بـ“السمنة المعلوماتية”، حيث لم يعد الإشكال في ندرة المعلومة، بل في فرطها.

وفي هذا الإطار، شدد مدير البحث والاستراتيجية بوكالة المغرب العربي للأنباء على أن السيادة المعلوماتية أصبحت رهانًا استراتيجيًا، تتجلى في قدرة الدول على إنتاج وتنظيم ونشر رواياتها وأولوياتها الاستراتيجية، مؤكدًا أن الوكالة تضطلع بمسؤولية خاصة باعتبارها مؤسسة مرجعية للثقة والمصداقية.

واستعرض العطاري مقاربة الوكالة في مواجهة الأخبار الزائفة، موضحًا أنها تقوم على مستويين:
الأول عملي يومي، يتمثل في التموقع في مقدمة سلسلة إنتاج الخبر مع الالتزام الصارم بقواعد التحقق والمسؤولية التحريرية.
والثاني عملياتي، يرتكز على تطوير أدوات خاصة لمحاربة التضليل، من بينها إعادة هيكلة آلية “SOS Fake News”، والاستثمار في إنتاج محتويات رقمية ملائمة لشبكات التواصل الاجتماعي، إلى جانب برامج تكوين الصحفيين في مجالات التحقق وفهم آليات الخوارزميات والذكاء الاصطناعي، وتعزيز التعاون مع مختلف الشركاء وطنياً ودولياً.

من جهته، اعتبر نوفل الرغاي، عضو جمعية الإذاعات والتلفزيونات المستقلة ومدير إذاعة شدى، أن التعامل مع الأخبار الزائفة يفرض اليوم الاعتراف بأننا انتقلنا إلى مرحلة جديدة أكثر تعقيدًا وخطورة، لم تعد فيها الأخبار الكاذبة مجرد محتويات مثيرة أو إشاعات عابرة هدفها جذب الانتباه أو رفع نسب المتابعة، بل أصبحت أدوات قادرة على إحداث أضرار حقيقية قد تمس الأفراد والمجتمعات.

وأوضح الرغاي أن التاريخ الإعلامي عرف أشكالًا متعددة من التضليل، بدأت بأخبار ملفقة ذات طابع ثقافي أو ترفيهي لا تترتب عنها عواقب مباشرة، قبل أن تنتقل إلى نماذج أكثر تنظيمًا وتأثيرًا، تُستعمل فيها الأخبار الزائفة كوسيلة للتوجيه والتأثير على الرأي العام، مستشهدًا بأمثلة دولية شهيرة، من بينها حملات تضليل رافقت محطات سياسية كبرى.

وأشار المتدخل إلى أن خطورة الأخبار الزائفة اليوم تكمن في قدرتها على التحول إلى أفعال عنيفة، مستحضرًا حالات واقعية أدت فيها إشاعات رقمية إلى تهديد الأرواح، وهو ما يبرز، حسب قوله، أن التضليل لم يعد مسألة إعلامية فقط، بل قضية ذات أبعاد أمنية ومجتمعية.

وأكد الرغاي أن وسائل الإعلام المهنية، رغم ما تواجهه من ضغط عامل السرعة وهيمنة المنصات الرقمية، تظل مطالبة بالالتزام بمنهجية التحقق والمسؤولية التحريرية، مبرزًا أن الفارق الجوهري بين الإعلام المهني ومحتوى المنصات يكمن في العمل البشري القائم على التدقيق والتحقق قبل النشر.

كما شدد على أن هذا الجهد البشري، رغم أهميته، لم يعد كافيًا لوحده في ظل التطور السريع للتكنولوجيا، خصوصًا مع بروز تقنيات الذكاء الاصطناعي والتزييف العميق، التي جعلت التمييز بين الحقيقي والمفبرك أكثر صعوبة، ما يستدعي تعبئة وسائل تقنية إضافية، إلى جانب تطوير الإطار التنظيمي والتعاوني بين مختلف الفاعلين.

من جانبها، شددت نرجس الرغاي، عضو المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري، على أن من النقاط الأساسية التي يجب توضيحها في نقاش محاربة الأخبار الزائفة، هو أن الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري لا تضطلع حاليًا بتنظيم المجال الرقمي، مشيرة إلى أنه لا توجد إلى حدود الساعة أية مؤسسة تنظيمية تتولى هذه المهمة بشكل مباشر.

وأوضحت الرغاي أن المواطنين والرأي العام ينتظرون صدور نصوص قانونية واضحة من شأنها تأطير الفضاء الرقمي وحماية المجتمع من الأخبار الزائفة والتضليل، خاصة في ظل اقتراب موعد انتخابي مهم، حيث توجد مشاريع قوانين قيد الإعداد والمناقشة داخل اللجان المختصة، تتعلق على الخصوص بالتلاعب بالمعلومة، واستعمال تقنيات التزييف العميق (Deepfakes)، وكل ما من شأنه المساس بالمرشحين أو التأثير على نزاهة العملية الانتخابية.

وأكدت المتدخلة أن الأخبار الزائفة، إلى جانب ما يُعرف اليوم بـمرحلة “ما بعد الحقيقة”، تشكل تهديدًا حقيقيًا للديمقراطية، خصوصًا بالنسبة لبلدان تعيش مسار تعزيز المؤسسات واستكمال الانتقال الديمقراطي، معتبرة أن حماية هذا المسار تقتضي توفير أدوات قانونية وتنظيمية فعالة.

وفي هذا السياق، استحضرت الرغاي معطيات رقمية تبرز خطورة الظاهرة، مشيرة إلى أن الأخبار الزائفة تنتشر عبر منصة “تويتر” بسرعة تفوق الأخبار الصحيحة بست مرات، كما أن احتمال إعادة نشرها أكبر بنسبة 70 في المائة، وهو ما يعكس الهيمنة التي باتت تمارسها الأخبار الكاذبة على شبكات التواصل الاجتماعي.

ورغم أن المغرب يُنظم الإعلام السمعي البصري الخطي، تضيف المتدخلة، فإنه لا يُنظم بعد المجال الرقمي ولا آليات التضخيم الخوارزمي. ومع ذلك، سجلت الهيئة محطتين بارزتين سنتي 2020 و2021، خلال جائحة كوفيد-19 والانتخابات التشريعية، حيث أصدرت قرارات دعت من خلالها وسائل الإعلام السمعية البصرية العمومية والخاصة إلى الانخراط في تفكيك الأخبار الزائفة والمساهمة في التربية الإعلامية والرقمية للمواطنين.

أما القاضي محمد أمين الجرجاني فأكد على أن أن الأخبار الزائفة تمثل تهديدًا متعدد الأبعاد، ليس فقط للأفراد بل أيضًا لسلامة المؤسسات وأمن الدولة. وأوضح أن القضاء الوطني يواجه اليوم تحديات جديدة تتعلق بتحديد المسؤوليات ومعاقبة مرتكبي الجرائم المرتبطة بالأخبار الزائفة، خصوصًا في ظل انتشارها عبر المنصات الرقمية بسرعة كبيرة وبتقنيات متطورة مثل التزييف العميق.

وأشار الجرجاني، وهو قاض ملحق بمديرية الشؤون الجنائية والعفو ورصد الجريمة بوزارة العدل، إلى أن الترسانة القانونية الحالية، رغم شموليتها من حيث النصوص الجنائية المتعلقة بالأخبار الزائفة، تحتاج إلى تعزيز وتحديث مستمر لمواكبة التحولات الرقمية، والتأكد من أن جميع الأفعال المرتبطة بنشر وترويج المعلومات المضللة يمكن محاسبة مرتكبيها وفق القانون، سواء كانت تستهدف أشخاصًا بعينهم أو تمس الأمن العام أو المؤسسات الرسمية.

كما شدد على أن مكافحة الأخبار الزائفة لا تقتصر على العقاب الزجري وحده، بل تشمل أيضًا آليات الرصد والتحقق المبكر، إضافة إلى تعزيز وعي المواطنين بأهمية التحقق من المعلومات قبل تداولها، بما يسهم في الحد من آثار هذه الجرائم على المجتمع والدولة.

وفي ختام مداخلته، أكد الجرجاني على أهمية التعاون بين السلطات القضائية، والمؤسسات الإعلامية، والهيئات التنظيمية الوطنية والدولية، لضمان فعالية أي استراتيجية وطنية لمكافحة الأخبار الزائفة، بما يتماشى مع المعايير القانونية الدولية، ويحقق حماية حقيقية للمواطنين وسلامة المجتمع.