تقرير يرصد “أوضاعًا مقلقة” لواقع حقوق الإنسان بالمغرب سنة 2024
قالت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إن الانتهاكات التي عرفتها الأوضاع الحقوقية بالمغرب خلال سنة 2024 تمثل “أوضاعًا مقلقة جدًا”، مضيفة أنها مؤشر على أن الدولة لا تنوي “تطليق الخيارات الخاطئة التي اعتمدتها عقب خفوت مد حركة 20 فبراير”.
وأشارت الجمعية، في تقريرها السنوي حول وضعية حقوق الإنسان بالمغرب لسنة 2024، إلى أن هذه الانتهاكات تحولت إلى “عقيدة تُدار من خلالها أحوال العباد والبلاد، رغم الرجات الاجتماعية المتتالية والاحتجاجات القطاعية المتنامية والمتوالية”.
التقرير، الذي أعلنته الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، خلال ندوة يوم الجمعة 28 نونبر 2025 بالرباط، جُمعت معطياته عبر متابعة مباشرة لعدة حالات، وشكايات من المواطنين، وتقارير إعلامية وحقوقية، ويرصد “تراجعاً خطيراً” في عدد من الحقوق السياسية والمدنية، من الحق في الحياة إلى حرية التعبير.
الحق في الحياة
وفي هذا الإطار، وقفت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان عند مبدأ الحق في الحياة، الذي يبقى “أسمى حقوق الإنسان”، مبرزة أنه ما زال يتعرض للانتهاك في المغرب في مناطق متعددة ولأسباب متنوعة، محملة الدولة المسؤولية المباشرة أو غير المباشرة في حماية هذا الحق.
وشمل التقرير عددًا من الحالات المرتبطة بالوفيات، “بينها 14 حالة وفاة غير طبيعية في السجون بحسب عائلات الضحايا، و57 حالة وفاة ناجمة عن الإهمال الطبي أو ضعف البنية الاستشفائية في المستشفيات والمراكز الصحية، بالإضافة إلى وفاة أطفال مصابين بالسرطان وداء الحصبة في بعض المستشفيات”.
كما سجلت المنظمة الحقوقية، “57 حالة وفاة نتيجة غياب شروط السلامة على مستوى حوادث الشغل، و46 حالة وفاة نتيجة الغرق والهجرة غير الشرعية”، مشيرة إلى أن هذا الرقم “لا يمثل إلا جزءًا من الواقع الفعلي”، وغير ذلك من الحالات.
وأضاف التقرير أن معدل الانتحار بلغ “حوالي 7.2 لكل 100 ألف نسمة”، مع تقدير عدد المنتحرين بحوالي 2,650 شخصًا خلال 2024، بحسب عدد سكان المغرب في شتنبر 2024.
وفيما يتعلق بعقوبة الإعدام، شددت الجمعية على أن “رغم تصويت المغرب بالإيجاب على قرار الإيقاف العالمي لعقوبة الإعدام يوم 17 دجنبر 2024، لا تزال المحاكم تصدر أحكامًا بالإعدام، رغم توقف تنفيذها منذ عام 1993″، وقد تم رصد أربعة أحكام خلال السنة نفسها.
ومن جانب آخر، أوضحت الهيئة الحقوقية أن “المغرب لم يوقف ممارسة التعذيب و مختلف ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة”، كما لم يتم وضع استراتيجية وطنية لمناهضة الإفلات من العقاب”، مشيرة إلى أن الآلية الوطنية لمراقبة أماكن الاحتجاز “لم تمارس دورها بشكل فعلي”.
وأضافت أن الخطاب الرسمي القائل بأن التعذيب لم يعد ممارسة شائعة “يكذبه الواقع”.
الاعتقال السياسي وقمع الحريات
هذا وسجلت الجمعية استمرار “سياسة تقييد الحريات العامة واستعمال القضاء كأداة لتكميم الأصوات المنتقدة”، مستهدفة الصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء الحركات الاجتماعية.
وأشار المصدر إلى أن “مجموع المعتقلين السياسيين بالسجون المغربية في 2024 بلغ 105، بينهم 67 على خلفية آرائهم ومواقفهم السياسية، مع استمرار سجن قادة حراك الريف ومعتقلي قضية كديم إيزيك، رغم مرور سنوات على اعتقالهم”.
كما سجلت الجمعية مضايقات واعتقالات بحق “الصحافيين المستقلين”، موردة كل من الصحافي توفيق بوعشرين، والصحافي سليمان الريسوني، والصحافي عمر الراضي، الذين أُفرج عنهم بموجب عفو ملكي، وهي خطوة اعتبرتها سعاد براهمة رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان “تسوية وليس انفراجاً”. بالإضافة إلى متابعة ناشطين مدنيين وحقوقيين على خلفية تدوينات أو مواقف سياسية.
وفيما يخص الجمعيات وحق التنظيم، أكد التقرير أن “عددًا كبيرًا من الجمعيات الحقوقية محروم من الحق في الوجود القانوني، مثل الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين، جمعية أطاك، وجمعية الحرية الآن، بدعوى وجود ‘أشخاص غير مرغوب فيهم'”.
إلى جانب ذلك، لفت التقرير إلى “استمرار التضييق على الصحافيين ووسائل الإعلام المستقلة، عبر المتابعات القضائية الانتقامية، والحرمان من الدعم المالي العمومي والإعلانات الرسمية، والرقابة غير المباشرة على محتوى المواقع والمنصات الرقمية”.
كما رصدت الجمعية تصاعد التدخلات الأمنية والقضائية في الفضاء الرقمي، خاصة تجاه صناع المحتوى الشباب على منصات مثل “تيك توك”، بتهم “نشر محتوى مسيء أو تافه”، “دون احترام ضمانات المحاكمة العادلة”.
اكتظاظ السجون
وعلى مستوى السجون، أشار التقرير إلى أن “الإطار المرجعي للسجون يتضمن العديد من الضمانات القانونية، إلا أن الممارسة على أرض الواقع تظهر اختلالات كبيرة”، حيث بلغت الساكنة السجنية 105,094 سجينًا، بينهم 2,722 سجينة، فيما بلغ عدد السجناء أقل من 30 سنة 48,240 شخصًا.
وحول الإفراج المقيد، أشار التقرير إلى أن “عدد المستفيدين كان ضئيلًا جدًا، إذ لم يستفد منه سوى 420 سجينا من بين 3,332 ملفًا تمت إحالتها على مديرية الشؤون الجنائية والعفو”.
وفي غضون ذلك، أوصت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إلى ضرورة إسراع المغرب في الوفاء بالتزاماته الدولية، بتقديم تقريره الخامس أمام اللجنة المعنية بالتعذيب، “إلى جانب انفتاح الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب على المجتمع المدني والحركة الحقوقية، وتنظيم لقاءات لتعزيز التعاون”.
كما طالبت بفتح فتح تحقيق قضائي في كافة الشكايات المتعلقة بالتعذيب، وإخبار المعنيين والرأي العام بمآلها، داعية إلى مضاعفة الجهود لتعزيز منظومة التعليم والتربية على حقوق الإنسان، وتحسيس جميع المشتغلين بأهمية مناهضة التعذيب وسوء المعاملة، فضلاً عن تفعيل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، والتصديق على البروتوكولات الدولية المتعلقة بإلغاء عقوبة الإعدام والمحكمة الجنائية الدولية.
وخلصت الجمعية في تقريرها إلى أن انتهاكات حقوق الإنسان بالمغرب خلال 2024 “تتسم بالخطورة واستمرار القمع ضد الحريات الأساسية”، داعية السلطات إلى الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين وضمان حرية التعبير والتنظيم والصحافة، وتنفيذ توصيات هيئات الأمم المتحدة، كشرط لإرساء دولة الحق والقانون واحترام كرامة المواطنين.