“بين إنجازات مشرفة وإخفاقات مقلقة”.. تقرير يرصد واقع الرياضة المغربية في 2024
سلّط تقرير حديث الضوء على التحولات التي عرفها المشهد الرياضي الوطني خلال سنة 2024، إذ تداخلت إنجازات نوعية مع إخفاقات متواترة، في صورة تعكس “واقعًا مركبًا يجمع بين التميز الفردي والاختلالات البنيوية التي لا تزال تضرب عمق المنظومة الرياضية المغربية”.
وأشار تقرير “المغرب في سنة 2024″، الذي أعده باحثون لفائدة المركز المغربي للأبحاث وتحليل السياسات، إلى أن سنة 2024 كانت محطة فارقة في مسار الرياضة المغربية، “بما حملته من مفارقات بين إنجازات مشرفة وإخفاقات مقلقة”.
وأضاف التقرير أنه بين حضور قوي في بعض المحافل الدولية وتراجع واضح في أخرى، برزت الرياضة الوطنية في الساحة القارية والدولية، خصوصًا من خلال كرة القدم والرياضات الفردية، “حيث أبان الرياضيون المغاربة، رجالا ونساء، عن قدرات تقنية وروحية عالية”.
وأشار إلى أن الرياضة الوطنية حققت خلال سنة 2024 محطات لافتة، من ضمنها إحراز أول ميدالية أولمبية جماعية في كرة القدم لأقل من 23 سنة، وتتويج سفيان البقالي بذهبية 3000 متر موانع.
ويرى التقرير أن نجاح المنتخب الأولمبي جاء إلى حد بعيد نتيجة مجهود فردي وجماعي محدود زمنياً ومكانياً، “وليس ثمرة سياسة عامة شاملة تؤطر التكوين القاعدي وتربط بين التكوين والمنافسة والاستثمار”.
وذكر أن التجربة تكشف محدودية النجاعة المؤسساتية في مواكبة الإنجازات وتأمين استمراريتها، “حيث يظل غياب التنسيق بين الفاعلين الرياضيين وضعف التخطيط على المدى البعيد عائقًا بنيويًا أمام تحويل الإنجازات الظرفية إلى دينامية وطنية مستدامة”.
كما سجل التقرير تفوقًا في عدة رياضات فردية، مثل الدراجات الهوائية، التي عرفت سنة مميزة من خلال تتويج محسن الكوراجي بلقب طواف بوركينافاسو، وفوز عادل العرباوي بلقب البطولة الإفريقية.
وفي رياضة “الفوتسال”، واصل المنتخب الوطني بروزَهُ عالميًا بعد تتويج مدربه هشام الدكيك بجائزة أفضل مدرب في العالم، وهو ما اعتبره التقرير دليلاً على قدرة المغرب على التميز حين تتوفر شروط العمل المهيكل والدعم المنظم.
ورغم هذه النتائج الإيجابية، سجل التقرير أن سنة 2024 كشفت بوضوح إخفاقات بنيوية في عدد من الرياضات التي شكلت تاريخيًا أعمدة التميز المغربي، مثل الملاكمة، والسباحة، وألعاب القوى في بعض تخصصاتها، والجودو، والجمباز، والتي أخفقت في تحقيق النتائج المنتظرة قارياً ودولياً.
ويُرجع التقرير هذه الإخفاقات إلى مجموعة من الأسباب، من بينها هشاشة التخطيط وتراكم مشكلات التسيير، وضعف التمويل، وغياب التقييم الموضوعي للبرامج، وسوء الحكامة داخل بعض الجامعات الرياضية، ورداءة البنية التحتية، وضعف مسالك التكوين والتأطير التقني، فضلًا عن غياب رؤية وطنية موحدة لإعادة هيكلة الرياضة المغربية.
وتعاني الرياضة المغربية، بحسب المصدر ذاته، من أزمة هيكلية “لا يمكن حلها بقرارات ترقيعية أو دعم ظرفي”. ويشير مركز الأبحاث إلى أن الإشكال “لا يكمن فقط في الأداء التقني للرياضيين، بل في النموذج العام لتدبير الرياضة، الذي لا يزال رهينًا للموسمية، وغياب الشفافية، وضعف الاستناد إلى المعطيات العلمية والتخطيط طويل المدى”.
ويخلص التقرير إلى أن تجاوز هذه الوضعية “يتطلب إعادة هيكلة شاملة للنظام الرياضي الوطني، تبدأ من مراجعة الإطار التشريعي والتنظيمي للجامعات الرياضية، مرورًا بوضع خارطة طريق استراتيجية تستند إلى مقاربة علمية تشاركية، تدمج التكوين، والتمويل، والعدالة المجالية، والرقابة المؤسساتية، وصولًا إلى بناء نموذج رياضي مغربي قادر على تحقيق التميز والاستدامة والعدالة في الفرص والنتائج”.
ويشدد التقرير على أن حصيلة سنة 2024 كشفت عن حاجة ملحة إلى تجاوز المقاربة الظرفية والانتصارات المعزولة، “نحو رؤية استراتيجية طويلة المدى تؤسس لرياضة وطنية عادلة، متكاملة، ومحترفة”.
وأوضح التقرير أن هذه الرؤية ينبغي أن تجعل من “التخطيط العلمي، والتكوين المستمر، وحكامة التسيير، والعدالة المجالية ركائز أساسية لأي إصلاح ناجح”. كما يتطلب الأمر تفعيل الشراكة بين الدولة، والقطاع الخاص، والفاعلين المحليين، من أجل تمويل مستقر ومتعدد المصادر، قادر على مواكبة طموحات الرياضيين، وتوسيع قاعدة الممارسة، خصوصًا في الأحياء الشعبية والمناطق القروية.