story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

أطباق حلوى دار المخزن.. بين دلالات الخارج والداخل

ص ص

اجتاحت صورة الاجتماع الذي ترأسه مستشارو الملك مع رؤساء الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان، بحضور وزيري الداخلية والخارجية، مواقع التواصل الاجتماعي. غير أن ما أثار تفاعل المغاربة لم يكن مضمون الاجتماع بقدر ما كانت أطباق الحلوى التي تصدرت الطاولة، في مشهد غير مألوف على هذا المستوى من الاجتماعات الرسمية.

يبدو أن مهندسي الصورة أرادوا توجيه رسائل إلى الخارج أكثر مما سعوا إلى مخاطبة الداخل. ولعل حضور أطباق الحلوى المغربية ليس تفصيلا عرضيا، إذ تحمل دلالة احتفائية تُستحضر عادة في لحظات التهاني والإنجاز. لذلك يمكن قراءة وجودها هنا كإشارة رمزية إلى الاحتفاء بالقرار الأممي الأخير حول الصحراء، وتعبير بصري عن ارتياح الدولة لما تعتبره اختراقا دبلوماسيا لصالح طرحها في الحكم الذاتي.

غير أن المشهد لا يخلو أيضًا من رسالة مضمرة إلى خصوم القضية، مفادها أن المغرب يحتفل بهدوء وثقة في مقابل ارتباكهم، وأن طاولة الاجتماع ليست مجرد فضاء للنقاش، بل طاولة انتصار رمزي تؤكد أن الملف يتحرك في الاتجاه الذي أراده المغرب، وأن النقاش الأممي بات يجري تحت سقف سيادته لا خارجه.

يريد المشهد، في رمزيته الدبلوماسية، أن يوجّه خطابا إلى العواصم المؤثرة في ملف الصحراء، مفاده أن المغرب منسجم تماما مع طرحه في ملف الحكم الذاتي، وأن هذا الانسجام لا يقتصر على المبدأ بل يمتد إلى طريقة إعداد تفاصيل المشروع وإخراجه ضمن مقاربة مؤسسية جامعة. فالمستشارون، في نهاية المطاف، يتحدثون باسم من أرسلهم، أي باسم الملك الذي اختارهم وأوكل إليهم إدارة اللقاء، مما يجعل الجلسة، في مدلولها السياسي، تمثيلا رمزيا للملك نفسه في لقاء مباشر مع رؤساء الأحزاب السياسية لمناقشة سبل تحيين مبادرة الحكم الذاتي وتطوير تفاصيلها.

بهذا المعنى، تتحول الصورة إلى إشارة محسوبة بعناية من القصر، يُراد منها إعادة تأكيد موقعه المركزي في صياغة المبادرة، مع إظهار قدر محسوب من الانفتاح في الشكل. فهي تقدم مقترح الحكم الذاتي لا بوصفه قرارا فوقيا فحسب، بل كمشروع دولة تجتهد في توسيع المشاركة السياسية والانفتاح على ممثلي الشعب، وتُظهر استعدادا لإشراك الأحزاب المنتخبة في بلورة الخيارات الاستراتيجية الكبرى.

ومن خلال هذا الخطاب، تسعى الدولة إلى التأكيد على أنها لا تطرح الحكم الذاتي كواجهة شكلية لإقصاء سكان الصحراء أو مصادرة إرادتهم السياسية، بل كصيغة تستند إلى منطق المشاركة لا الهيمنة، ويُقدَّم هذا الانفتاح على ممثلي الأمة في البرلمان، خلال بحث إعداد تفاصيل المبادرة، دليلا عمليا على هذا التوجه.

ومع ذلك، يبدو أن هذا الشكل من انفتاح القصر على “ممثلي الشعب” هو الحد الأعلى الممكن في الإطار السياسي المغربي الراهن، إذ إن جلوس الملك شخصيا مع من يُفترض أنهم ممثلو الشعب في ورش تشاوري لا يبدو واردا حاليا، لما يحمله من دلالات رمزية لا تنسجم مع طبيعة النظام السياسي القائم. فمثل هذا اللقاء قد يوحي بتوازن بين مشروعية انتخابية تستمد قوتها من صناديق الاقتراع وتقول الأحزاب بتمثيلها، ومشروعية تاريخية ودينية تقول بها المؤسسة الملكية، وهو توازن رمزي لا يرغب النظام في إظهاره أو الإقرار به.

لا يجتمع الملك، في المألوف من الممارسة السياسية المغربية، بممثلي الشعب في البرلمان إلا ليخطب فيهم ويوجّههم، لا ليحاورهم أو يتشاور معهم. فالعلاقة التي ترسمها المؤسسة الملكية مع البرلمان تظل علاقة رأسية قائمة على التوجيه من أعلى، لا علاقة أفقية تقوم على المشاركة وتبادل الرأي. ولهذا، فإن مجرد تخيّل جلوس الملك إلى طاولة نقاش مع الأحزاب في ورش تشاوري مفتوح، يظل خارج المألوف السياسي للنظام.

بهذا المعنى، تظل الصورة مشهدا معدًّا للعرض الخارجي أكثر من كونها ممارسة حقيقية للحوار الداخلي. وقد التقط الحسّ السياسي للمواطن المغربي هذه المفارقة بسرعة، فعبر عنها بسخرية رمزية ركزت على أطباق الحلوى التي تصدرت الطاولة، متجاهلا موضوع الاجتماع نفسه رغم ما يحمله من طابع وطني مصيري.

لم يرَ كثيرون في الصورة سوى أحزاب جاءت لتأكل الحلوى بأمرٍ من مستشاري الملك، في جلسةٍ ترأّس فيها مستشارون مُعيَّنون كلَّ زعماء “ممثلي الأمة” في البرلمان من الأحزاب، ولم يروا فيها لقاء تشاوريا يليق، ولو في الشكل، بمن يُفترض أنهم يمثلون الشعب. ولعلّ ما أثار استغرابهم أن المشهد لم يحافظ حتى على الحدّ الأدنى من الرمزية المؤسساتية، إذ كان الأليق – حفاظا على صورة التمثيل الشعبي ولو شكليا – أن يترأّس الاجتماع مثلًا رئيس مجلس النواب، ويحضر المستشارون لتبليغ ما كُلِّفوا به من رسائل. فهل أخطأ هؤلاء الفهم، أم أن الصورة، في دلالاتها الداخلية، قالت تماما ما قالوه؟