بعد “التجاوب” الملكي.. “جيل Z” يعيد النقاش حول “أزمة” التفاعل السياسي لدى الحكومة

بعد أسابيع من انطلاق احتجاجات شباب “جيل Z”، يرى عدد من المراقبين أن الحكومة لم تتفاعل، على الأقل بالشكل المطلوب، مع المطالب التي رفعها المحتجون، والتي كان من أبرزها النهوض بقطاعي الصحة والتعليم وصون كرامة المواطنين ومحاربة الفساد، قبل أن يتطور الأمر إلى المطالبة بإقالة الحكومة.
وفي مقابل ذلك، انتظر المحتجون قرابة شهر، قبل أن يتم التفاعل “مؤسساتيا”، مع مطلبي الصحة والتعليم من خلال المجلس الوزاري الذي ترأسه الملك محمد السادس، يوم الأحد 19 أكتوبر 2025، والذي قرر رفع ميزانية هذين القطاعين إلى 140 مليار درهم.
وفي السياق، يعتبر المتتبعون أن تأخر الحكومة في التفاعل بشكل إيجابي مع احتجاجات “جيل Z”، واحتجاجات وقضايا أخرى طرحت في وقت سابق، دليل على أزمة تفاعل سياسي من طرف الحكومة يجعلها غير قادرة على احتواء هذه الاحتجاتـ أو حتى استباق حدوث هكذا أزمات “.
وفي هذا الإطار، يقول أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة الحسن الأول بسطات، عبد الحفيظ اليونسي، إن تأخر الحكومة في التفاعل مع المطالب الاحتجاجية “هو أمر واقع”، طبعت معه الحكومة الحالية منذ تنصيبها، خريف سنة 2021، لافتا إلى أن الملك، كرئيس للدولة، “يعطي التوجهات الكبرى ولا يتدخل في التفاصيل والتدابير اليومية، فهذه من اختصاصات الحكومة التي تحاسب عليها في الانتخابات وأمام البرلمان”.
وشدد عبد الحفيظ اليونسي، في تصريح لصحيفة “صوت المغرب”، على أن المشكلة تكمن في “أزمة نظام سياسي في كل مؤسساته”، مبرزا أن عدم تفاعل الحكومة مه هموم المواطنين وانشغالاتهم يدل على أن المغرب يمر بـ “مأزق” في تشكيلات النظام السياسي الحالية، “مما يعني وجود أزمة في غياب التفاعل السياسي الآني أو المتوقع، الناجع والفعال مع المطالب”.
وذكر أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، أن تأخر تفاعل الحكومة مع مطالب الشباب ليس وليد احتجاجات “جيل Z”، بل الأمر يرجع إلى أربع سنوات مضت، حيث كانت هناك مؤشرات رسمية تؤكد تراجعا في قطاعي الصحة والتعليم، ولم تستبق الحكومة حدوث الأزمة، فضلا عن قضايا أخرى لا تقل أهمية.
ومن جانب آخر، يشير الأستاذ الجامعي إلى أن تفاعل الملك محمد السادس مع مطالب جيل زد عبر المجلس الوزاري الأخير، يتمثل في إعطائه التوجهات الكبرى لقانون المالية لهذه السنة، لا سيما في قطاعي الصحة والتعليم، مشيرا إلى نوع من التطابق بين الاحتجاجات وتوجهات الميزانية في هذين القطاعين.
وأوضح اليونسي، في غضون ذلك، أن قانون الميزانية تعده وزارة الإقتصاد والمالية تحت إشراف رئيس الحكومة، ويعرض تقنيًا على الملك بصفته رئيسا للدولة لمناقشة التوجهات الكبرى، مشيرا إلى أن رئاسة الملك للمجلس الوزاري تعطي التوجهات التي تؤثر في قانون المالية.
وفي هذا الصدد، كشف المجلس الوزاري، المنعقد يوم الأحد 19 أكتوبر 2025 برئاسة الملك محمد السادس، عن توجهات استراتيجية لعام 2026، تقضي بتعزيز المجهود الميزانياتي المخصص لقطاعي الصحة والتعليم، في تفاعل مع احتجاجات “جيل Z” التي تطالب بإصلاحات اجتماعية على مستوى القطاعين.
ووفقاً لهذه التوجيهات الملكية السامية، سيتم خلال سنة 2026 رفع المجهود الميزانياتي المخصص لهذين القطاعين الحيويين ليبلغ نحو 140 مليار درهم، مع إحداث أكثر من 27 ألف منصب مالي جديد لدعم الموارد البشرية في قطاعي الصحة والتربية الوطنية.
في ما يخص قطاع الصحة، سيرتكز البرنامج على تحسين العرض الصحي عبر تطوير البنيات التحتية، من خلال افتتاح المركزين الاستشفائيين الجامعيين بكل من أكادير والعيون، واستكمال أشغال بناء وتجهيز المركز الاستشفائي ابن سينا بالرباط.
كما سيتم مواصلة أشغال بناء المراكز الاستشفائية الجامعية بكل من بني ملال وكلميم والرشيدية، فضلاً عن إطلاق عملية تأهيل وتحديث 90 مستشفى.
أما في ما يتعلق بقطاع التربية الوطنية، فسيتم تسريع تنزيل خارطة الطريق لإصلاح المنظومة التربوية، عبر تعميم التعليم الأولي، وتعزيز خدمات دعم التمدرس، وتحسين جودة التعليم.
غير أن عبد الحفيظ اليونسي، يرى أن ميزانية التعليم، “بلغت 84 مليارا هذا العام، ورغم ذلك لا يزال القطاع يراوح مكانه”، مما يفتح الباب للتساؤل حول الأهداف المنشودة من هذا القطاع، الذي تعتريه مشاكل جمة على مستوى الجودة والحكامة.
وكانت حركة “جيل Z” قد جدّدت، مساء السبت 18 أكتوبر 2025، احتجاجاتها بعدد من مدن المملكة، بعد فترة من التوقف، بعد الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح البرلمان للسنة التشريعية الحالية، مطالبين بإصلاحات اجتماعية واقتصادية تمسّ قطاعات حيوية، على رأسها التعليم والصحة، إلى جانب المطالبة بإقالة الحكومة الحالية برئاسة عزيز أخنوش.
وكانت الحركة الشبابية قد دعت قبل أيام إلى توسيع رقعة التعبئة لتشمل مختلف المدن المغربية، وإلى تنويع أشكال الضغط، من خلال الجمع بين الوقفات الميدانية ومبادرات رمزية مثل مقاطعة عدد من المنتجات ومباريات كرة القدم، في محاولة لرفع منسوب الضغط الشعبي على الحكومة ودفعها للاستجابة للمطالب.