اليحياوي: وثيقة “جيل Z” تمثل بداية الخروج من دائرة المشاعر إلى دائرة عقلنة المطالب

اعتبر مصطفى اليحياوي، أستاذ الجغرافيا السياسية، أن تحرير الوثيقة الأخيرة التي أصدرتها حركة “GENZ 212” أسمتها “ملف مطلبي لشباب المغرب: من أجل تفعيل العقد الدستوري وتحقيق طموح النموذج التنموي الجديد”، “يمثل بداية الخروج من دائرة المشاعر إلى دائرة عقلنة المطالب”، وأوضح أن “الشباب، من خلال هذه الخطوة، انتقلوا من التعبير الانفعالي إلى بناء رؤية مؤطرة بمفاهيم السياسة العمومية والإصلاح المؤسساتي”.
وأشار اليحياوي إلى أن “الوثيقة الجديدة تُلح على مطلب جوهري يتمثل في ضرورة إخراج السياسة العمومية من دائرة الوثائق، أي المجال المفكر فيه المجرد عن أي فعل واقع، إلى دائرة اليومي، حيث تتجسد ممارسات الفعل العمومي الملموس في حياة المواطنين”.
وأضاف أن “الشباب يسعون من خلال هذه المطالب إلى إحراج المدبر العمومي، بما في ذلك المسؤول السياسي، عبر طرح أسئلة عميقة تتعلق بجدوى الدراسات والبرامج والموارد المالية إذا لم تنتج خدمات حقيقية تتفاعل إيجابا مع حاجات المواطنات والمواطنين اليومية”.
ويرى الأستاذ الجامعي أن “هذا الوعي الجديد يعكس تحولا في علاقة الجيل الصاعد بالفعل العمومي، ويؤشر على وعي مواطناتي متقدم، يقوم على إدراك أهمية مراجعة هندسة السياسات العمومية بناءً على أثرها الاجتماعي القابل للقياس، خاصة في ما يتعلق بإشباع الحاجات اليومية وتحقيق الرضا الاجتماعي”.
وأوضح أن “من أبرز حسنات هذه الدينامية الاحتجاجية أنها أربكت الحدود التقليدية بين المقامات في الفعل العمومي، حيث باتت قاعدة ربط المسؤولية بالمحاسبة أكثر حضورا في النقاش العمومي، إلى جانب التركيز على الحق في جودة الخدمة كمدخل أساسي للمواطنة الفاعلة”.
كما أبرز أن “هذه الحركة الشبابية تسعى إلى التأسيس لهرمية رمزية جديدة، تجعل من مساءلة السياسي المسؤول مبدأ مركزيا، انطلاقا من جدية تعاطيه مع القضايا اليومية الملموسة، لا من خلال الخطابات أو الوعود العامة غير القابلة للقياس”.
وشددت حركة “جيل زد”، ضمن الوثيقة التي توزعت في أربعة فصول ونشرتها أمس الخميس 09 أكتوبر 2025، على مطالب بناء دولة العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، مشددة أنه “استنادًا إلى المرجعية الدستورية والتشخيص الموضوعي للواقع نقدم مطالبنا الجوهرية كحلول عملية وضرورية لمعالجة الأزمات البنيوية في القطاعات التي تمس حياة كل شاب وشابة في المغرب، هذه المطالب ليست قائمة أمنيات، بل هي خريطة طريق لتفعيل الحقوق المكفولة دستوريا وتحقيق الأهداف التي سطرتها الدولة لنفسها”.
وباستحضارها الفصل 31 من الدستور الضامن للحق في العلاج والعناية الصحية، نادت الوثيقة ذاتها بـ”إصلاح حكامة القطاع الصحي والتطبيق الفوري لتوصيات المجلس الأعلى للحسابات عبر إرساء نموذج حكامة شفاف وقائم على الأداء في قطاع الصحة، مع آليات مساءلة واضحة تربط المسؤوليات بالنتائج”.
كما دعت إلى “خطة استعجالية للرأسمال البشري عبر إطلاق مخطط وطني عاجل لتكوين وتوظيف واستبقاء الأطر الصحية، مع وضع تحفيزات مادية ومعنوية حقيقية للعمل في المناطق النائية، لمعالجة الخلل الخطير في التوزيع الجغرافي الذي وثقه المجلس الأعلى للحسابات”، فضلا عن جعل الصحة أولوية في الميزانية، وذلك عبر “الرفع من ميزانية قطاع الصحة لتصل إلى المستويات الموصى بها من طرف المنظمات الدولية، مع توجيه الإنفاق نحو الرعاية الصحية الأولية، وتحديث المستشفيات، ووضع خطة وطنية شاملة للصحة النفسية والعقلية”.
وإلى جانب ذلك، طالبت الوثيقة بـ”مراجعة التعريفة المرجعية ووقف استنزاف جيوب المواطنين”، مع إطلاق مراجعة شاملة وعاجلة للتعريفة المرجعية الوطنية (TNR) لجعلها متوافقة مع التكاليف الحقيقية للخدمات الطبية، وذلك بهدف خفض نسبة المصاريف التي يتحملها المواطنون مباشرة من جيوبهم، والتي تصل حاليا إلى %50، إلى السقف الموصى به دولياً (25)، لكي لا يبقى التأمين الصحي شكليًا”.
وفي شق إصلاح المنظومة التربوية، دعا “جيل Z” إلى التنزيل الكامل للقانون الإطار 51.17، مطالبة بوضع خارطة طريق واضحة محددة زمنيا، وممولة بالكامل للتطبيق الشامل لجميع مقتضيات القانون الإطار، والانتقال من منطق المشاريع التجريبية المحدودة إلى التغيير المنهجي والوطني”.
كما دعوا إلى تحديث جذري للمناهج، وتفعيل اللجنة الدائمة لتجديد وملاءمة المناهج والبرامج للقيام بمراجعة جذرية للمناهج الدراسية، والتركيز على تنمية الفكر النقدي، والمهارات الرقمية، والتربية على المواطنة، والكفاءات العملية التي يتطلبها القرن الواحد والعشرون، كما أوصى بذلك النموذج التنموي.
ودعوا كذلك إلى تمكين هيئة التدريس، والاستثمار المكثف في التكوين الأساسي والمستمر، والتطوير المهني وتحسين الأوضاع المادية والاجتماعية لنساء ورجال التعليم، مطالبين بوضع “ميثاق وطني لإصلاح التعليم العالي” يكون مستقرا ومحددا زمنيا لإصلاح التعليم العالي، وقائما على حوار وطني شامل يشرك فعليًا الأساتذة والطلبة والخبراء، لوضع حد لحالة التخبط والتغييرات المستمرة وغير المدروسة التي تضر بمستقبل أجيال من الخريجين”.
أما بخصوص المطالب الاقتصادية، دعت الوثيقة إلى “إعادة توجيه استراتيجي للاقتصاد”، مطالبة الحكومة “بالتطبيق الفعلي لتوصيات النموذج التنموي الجديد المتعلقة بتحويل الاقتصاد نحو قطاعات ذات قيمة مضافة عالية التكنولوجيا، الاقتصاد الأخضر، الصناعات المتقدمة، وذلك عبر استثمارات موجهة، وحوافز ضريبية، وإزالة العقبات البيروقراطية أمام الشركات الناشئة”.
كما طالبت بإصلاح سوق الشغل وإصلاح قوانين الشغل لتوفير حماية أكبر للشباب، مع دعوتها إلى “تشجيع التوظيف الرسمي وملاءمة برامج التكوين المهني مع الحاجيات المستقبلية لاقتصاد حديث ومبتكر، وليس مع الواقع الحالي لاقتصاد راكد”.
وفيما يتعلق بمحاربة الفساد والشفافية، شددت الحركة على “تمكين هيئات الرقابة عبر ضمان الاستقلالية السياسية والمالية الكاملة للهيئة الوطنية للنزاهة والمجلس الأعلى للحسابات، وإلزام الحكومة والجهاز القضائي بالتفعيل الفوري لتوصياتهما وقراراتهما”، فضلا عن مطالبتها بشفافية الصفقات العمومية.
وطالبت “بتفعيل وتوسيع نظام التصريح الإجباري بالممتلكات ليشمل جميع كبار المسؤولين في الدولة، بشكل دوري، مع إخضاع تصريحاتهم لرقابة دقيقة ونشر خلاصاتها للعموم”.
وشددت أيضا على “الإخراج الفوري والكامل لقانون الإثراء غير المشروع إلى حيز الوجود، ووضعه على رأس أولويات الأجندة التشريعية”، معتبرة أن “غياب هذا القانون يمثل أكبر ثغرة في المنظومة القانونية لمكافحة الفساد، ويفرغ كل الإجراءات الأخرى من فعاليتها طالما أن إخفاء الثروات المنهوبة يبقى ممكنا قانونيًا”.
كما أكدت الوثيقة نفسها، على “استقلالية القضاء وتفعيل المحاسبة عبر تعزيز استقلالية القضاء في معالجة قضايا الفساد الكبرى، وفي الوقت نفسه تفعيل آليات المحاسبة الداخلية عبر تقوية دور المفتشية العامة للشؤون القضائية ومنحها صلاحيات التحقيق الاستباقي”.