وسيم.. أمل أمّ دهسته سيارة شرطة وسط الاحتجاجات في وجدة

“وسيم كان أملي الوحيد”. تقول الأم بصوت مكسور عقب اطلاعها على الملف الصحي لابنها وسيم الطيبي ضحية سيارة الشرطة في وجدة، الذي لم يتجاوز بعد السابعة عشرة من عمره.
فقدت الأم ابنها البكر قبل سنوات، فصار وسيم هو الأمل والسند والرفيق، وكل ما تبقّى لها. لم يكمل دراسته بسبب ظروف اجتماعية قاسية دفعته لترك المدرسة مبكراً، إذ غادرها في السنة الأولى من التعليم الإعدادي.
ولأن الأسرة كانت في حاجة إلى دخل إضافي، اتجه للعمل في النجارة رغم صغر سنه. وبحسب أمه التي تحدثت إلى صحيفة “صوت المغرب”، كان عائداً يوم المظاهرة من عمله في الطريق إلى البيت. وتضيف: “أريد ابني معافى. أطالب بحق ابني ومعاقبة من تسببوا له بهذا الألم”.
دهس بلا رحمة
يوم الثلاثاء 29 شتنبر 2025، تواصلت احتجاجات “جيل Z” في عدد من مدن المغرب، بينها وجدة، إلا أن تدخل السلطات بالقوة لمنع التجمع وسط ساحة روما أدى إلى تفرق المتظاهرين ومطاردات بوليسية في شوارع المدينة.
في تلك الأثناء، كان وسيم عائداً من عمله، ليصادف شباب مدينته ينادون بإسقاط الفساد ويطالبون بإصلاحات اجتماعية. لحظة فارقة غيّرت مسار حياته، وفجعت أمه التي كانت ترى فيه “سند اليوم والغد”.
اندفعت سيارات الشرطة وسط الشارع في مواجهة المتظاهرين، لتصدم إحداها جسده النحيل وتطرحه أرضاً، “بلا رحمة ولا شفقة. كأنه حشرة” تقول والدته وهي لا تزال تعجز عن استيعاب كيف نجا من موتٍ محقق، وتضيف: “نجاته كانت معجزة”.
الطريق إلى الإنعاش
تتابع الأم: “لم يكترثوا لحاله، دهسوه وتركوه مرمياً على الأرض”. ولم يحمله سوى شباب على متن دراجة نارية إلى مستشفى الفرابي، حيث خلص الأطباء في البداية إلى أن “إصابته مجرد كدمات”. نام تلك الليلة هناك قبل أن تقله سيارة إسعاف إلى المستشفى الجامعي.
وبعد نقل وسيم إلى قسم الإنعاش، أخبروا والدته بإصاباته البليغة؛ كسور متعددة على مستوى الصدر والكتف، ونزيف في الرئة، وكدمات على مستوى الظهر والرأس.
عندما اتصلت صحيفة “صوت المغرب” بوالدته، كانت قد غادرت للتو طبيب العظام الذي أخبرها بوجود التهاب جرثومي في الصدر حال دون إجراء العملية الجراحية المقررة، ليتم تأجيلها إلى يوم الإثنين القادم.
العدالة لوسيم
لم تكن صدمة الأم فقط في الحادث، بل في الأسئلة الثقيلة التي تؤرقها: هل سيتمكن ابنها من النهوض؟ هل سيعود إلى عمله، إلى حمل الخشب كما كان يفعل؟ وهل سيظل جسده قادرًا على مواصلة حياة طبيعية؟ بالنسبة إليها، وسيم ليس مجرد ابن، بل حياة كاملة اختُزلت في جسد شاب ممدد على سرير المستشفى.
وتؤكد السيدة أن الجميع يشهد لابنها بحسن الخلق وتعامله الطيب، مشيرة إلى التضامن الواسع معه داخل مدينة وجدة وخارجها. وتقول: “أريد أن يكون ابني في صحة جيدة، وأن يعود إلي سالماً. وأطالب بحق ابني، أريد معاقبة المسؤولين عن إيذائه”.
ويرفع شباب ونشطاء أصواتهم في الشارع تضامناً مع وسيم، ويغرّدون تحت وسم “#العدالة_لوسيم” باللغتين العربية والإنجليزية، مطالبين بإنصافه ومحاسبة المسؤولين عن الحادث.
صورة من واقع أكبر
قصة وسيم الذي حُرِم التعليم وتخشى والدته اليوم أن يحرم الصحة أيضاً، ليست سوى صورة من مشهد أوسع. يخرج جيل كامل من شباب اليوم إلى الشارع لإصلاحه مطالباً بتعليم جيد وصحة لائقة، وعدالة اجتماعية تضع الإنسان في قلب التنمية، وتحول دون اضطراره لترك مقاعد الدراسة، أو حرمانه من خدمات صحية جيدة.
نجاة وسيم وعودته إلى الحياة تبدو اليوم معجزة في نظر والدته، لكن معركتهما الحقيقية تبدأ للتو: معركة من أجل العدالة، ومن أجل مستقبل أفضل. تقول الأم بحزم: “لن أتخلى عن حق ابني، وسبدأ الإجراءات القضائية اللازمة من أجل إنصافه”.