بنزاكور: “جيل Z” جيل تواصل بامتياز وأسباب احتجاجهم متراكمة

تواصلت احتجاجات جيل Z في المغرب لليوم الخامس على التوالي، حيث خرج آلاف الشباب إلى الشارع منذ السبت الماضي في كبريات المدن المغربية، مطالبين بتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
ورغم القمع الذي واجهت به السلطات بعض المتظاهرين، ظل شعار السلمية هو الأبرز في معظم نقاط الاحتجاج، إلى أن شهدت بعض المدن استغلال الاحتجاجات السلمية من بعض الأشخاص للقيام أعمال تخريب، ما دفع حركة “جيل Z” إلى دعوة المتظاهرين إلى الالتزام بالسلمية الكاملة وتجنب أي تصرف قد يُستغل لتشويه مطالب الحركة.
وفي هذا السياق، أجرت صحيفة “صوت المغرب” حواراً مع محسن بنزاكور، أستاذ علم الاجتماع النفسي، ليقدم قراءته حول مميزات جيل “Z”، ودوافع هذا الاحتجاج، ودور وسائل الاتصال في حشد الشباب، وعلاقة هذا الجيل بالدولة.
وفيما يلي نص الحوار:
ما الذي يميز جيل “Z” المغربي عن الأجيال السابقة؟
قبل الجواب، لا بد من الإشارة إلى تحفظي على تسمية هذا الجيل بالحرف اللاتيني “Z”، فهو جيل ينتمي إلى سياق اجتماعي وثقافي ونفسي ومجالي محدد، شأنه شأن كل الأجيال الإنسانية.
أما ما يميزه عن الأجيال السابقة، فهو أنه نشأ في فترة زمنية محددة، تمتد بين أواخر التسعينيات وبداية الألفية الجديدة، أي أن أفراده لا يتجاوز عمرهم الثلاثين عاماً.
وهذا الجيل فتح عينيه على عالم تسوده وسائل التواصل الاجتماعي، فكانت مرجعياته الفكرية والنفسية والثقافية مبنية أساساً على التبادلات الرقمية والمعلومات المستقاة من الفضاء الافتراضي، بخلاف الأجيال السابقة التي تأثرت بالتأطير الإيديولوجي أو الفكري أو الديني أو السياسي أو حتى المدني.
وهذا الاختلاف انعكس بشكل مباشر على طبيعة أشكال التعبير والاحتجاج لديهم.
ما هي الأسباب البنيوية التي دفعت هذا الجيل إلى النزول للاحتجاج؟
الأسباب البنيوية لا تختلف كثيراً عن تلك التي عانت منها الأجيال السابقة، لكن جيل اليوم يتفاعل معها بخصوصيات رقمية ومعرفية جديدة.
بالنسبة للبعد الاقتصادي، فنسبة البطالة المرتفعة في صفوف الشباب، والتي بلغت وفق معطيات بنك المغرب الأخيرة حوالي 64٪، تشكل عاملاً أساسياً للاحتجاج.
الحق في الصحة، حيث أن تدهور المنظومة الصحية المغربية، وما ترتب عنه من عجز في الاستجابة لاحتياجات المواطنين، أصبح عاملاً بنيوياً يدفع نحو الغضب، رغم أن بعض الأحداث المباشرة كانت الشرارة الفعلية للاحتجاج.
الحق في التعليم، فهناك استمرار للفوارق الصارخة بين التعليم الحضري والقروي، وما يعكسه ذلك من غياب تكافؤ الفرص، كان من أبرز ما عبّر عنه المحتجون.
كيف أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل وعي هذا الجيل وتنسيق احتجاجاته؟
وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دوراً محورياً في صياغة وعي هذا الجيل، فهي ليست فقط قناة للتعبير وإنما أداة للمقارنة والتحليل.
الشباب يقارنون عبر المنصات بين حجم الاستثمارات الموجهة للبنية التحتية والملاعب الرياضية والمشاريع الكبرى، وبين ضعف الاستثمارات في الصحة والتعليم والخدمات الأساسية.
هذه المقارنة الرقمية خلقت وعياً نقدياً، لكنه في جزء منه اندفاعي وغاضب، إذ يعبّر عن إحساس بسوء التدبير وتوزيع غير عادل للموارد.
وهنا يطرح السؤال: هل نحن أمام وعي سياسي متبلور، أم مجرد رد فعل جماعي يختلط فيه الغضب بالاحتجاج العفوي؟
في رأيك، كيف يمكن أن تؤثر هذه الاحتجاجات على العلاقة بين الشباب والدولة؟
العلاقة اليوم مع الدولة تُبنى على معطيات واقعية حقيقية، تعكس معاناة ملموسة، لكنها غير مؤطرة بمنهجية سياسية أو فكرية أو استراتيجية واضحة.
نحن أمام اندفاع صادق في نواياه، لكنه يحمل خصائص هذه الفئة العمرية وما يطبعها من سرعة التعبير وقوة الانفعال.
هذه الاحتجاجات تشكّل في الوقت ذاته تحدياً وفرصة للدولة: فهي تدعو المسؤولين، خاصة على المستوى الحكومي، إلى إعادة النظر في أسلوب تواصلهم مع الشباب، وإلى تبني سياسات أكثر قرباً وطمأنة
والمطلوب ليس فقط تقديم وعود، بل القيام بأفعال ملموسة تؤكد أن هناك إرادة سياسية للاستجابة، وإلا فإن غياب الحوار قد يجعل هذه التعبيرات مطية لأطراف أخرى قد تستغلها لأغراض سياسوية أو عدائية.
جيل اليوم هو جيل تواصل بامتياز، وبالتالي فإن التواصل الفعّال والمباشر، المقرون بإجراءات عملية، هو السبيل لإعادة بناء الثقة بين الدولة والشباب.