هكذا روى العالم احتجاجات “جيل Z” في المغرب: عنف ضد شباب يرفض أولوية المونديال في الإنفاق

وجدت الاحتجاجات الشبابية التي عرفها المغرب يومي 27 و28 شتنبر 2025، وما رافقها من تدخلات أمنية عنيفة لتفريق الوقفات وتوقيف عشرات المشاركين؛ صدى في المنابر الإعلامية الدولية.
وهيمنت على هذه المواكبة الإعلامية الدولية سردية شبه موحّدة تقودها وكالة أنباء أسوشيتد بريس، مفادها أن السلطات المغربية تحركت بعنف ضد “جيل رقمي” خرج للاحتجاج ضد أولويات الإنفاق العمومي، مطالبا بخدمات عمومية كافية، بدل توجيه الاهتمام بالكامل لمتطلبات تنظيم كأس العالم سنة 2030.
القراءة التي قامت بها “صوت المغرب” في المواكبة الإعلامية الدولية للاحتجاجات التي دعا إليها شباب يطالبون بتحسين خدمات الصحة والتعليم والشغل، كشفت عن قيادة ثلاثي يتكوّن من كل من وكالة “أسوشيتد بريس” الأمريكية، ووكالة الأنباء الإسبانية (إيفي)، وقناة “فرانس24” العمومية الفرنسية (الناطقة بالفرنسية)، لعملية بناء السردية الدولية حول هذه الأحداث.
وتقول هذه الرواية إن حوالي 11 مدينة مغربية شهدت احتجاجات شبابية رفعت شعارات تدين “اختلال أولويات الإنفاق” بين التحضير للمونديال والخدمات الاجتماعية الأساسية. وكانت وكالة أسوشيتد بريس” أساسا وراء انتشار هذه السردية التي تربط الاحتجاجات بنفقات تنظيم المونديال. فيما قدّمت وكالة الأنباء الإسبانية، تفاصيل ميدانية، خاصة عن مدينة الرباط، وتحدّثت عن مسارعة السلطات إلى فرض طوق أمني حول أماكن التظاهر، مع تفريق سريع للمشاركين واعتقال العشرات منهم رغم رفعهم شعارات السلمية وعدم حمل أية أجندة سياسية. فيما ركّزت قناة “فرانس24” في تغطيتها التي كانت مصدرا أساسيا للصحافة الفرنسية، على موضوع الاعتقالات التي قامت بها السلطات المغربية، مع وضعها في مقابل المطالب الاجتماعية للمحتجين.
أسوشيتد برس رأس الحربة
كانت وكالة “أسوشيتد برس (AP)” الأمريكي، المصدر الأساسي لتغطيات كبريات الصحف والمنابر الإعلامية الدولية، مثل “واشنطن بوست” و”ياهو نيوز” و”سي إن إن”، حيث الإطار العام لتحرّكات نهاية الأسبوع الماضي في المغرب، ووصفتها بأنها واحدة من أكبر الاحتجاجات المناهضة للحكومة منذ سنوات.
احتجاجات قالتا الوكالة الأمريكية إن مجموعات شبابية قادتها ونسّقتها عبر المنصات الرقمية. وحدّدت الوكالة امتداد التحرّكات إلى ما لا يقل عن 11 مدينة، بينها الدار البيضاء والرباط ومراكش، مع تسجيلها محاولات لقطع الطريق السيار في بعض المواقع قرب الدار البيضاء، ورفع شعارات تنتقد ما قالت الوكالة إن المحتجين اعتبروه “اختلالا في أولويات الإنفاق”، بين تحضيرات ملاعب المونديال، والخدمات الأساسية في الصحة والتعليم.
كما نقلت الوكالة تقدير الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بتجاوز عدد الموقوفين عتبة ال120، مع تسجيلها استمرار الدعوات إلى التعبئة السلمية رغم ذلك.
وركّزت وكالة “AP” على الطابع الشبابي والتنظيم الشبكي للحراك، مشيرة إلى أن التعبئة كانت دون وجود قيادة تقليدية، وأنها اعتمدت منصّات مثل “تيك توك” و”ديسكورد” في التعبئة والحشد. وهي المعطيات التي نقلتها عن الوكالة منابر ومنصات عالمية، مثل “ياهو نيوز” ومنابر إعلامية أمريكية آسيوية عديدة.
ورصدت الوكالة الدولية ظهور هذه المجموعات بأسماء شبابية أبرزها “GenZ212″ و”Morocco Youth Voice” . وأدرجت الوكالة سياقا اجتماعيا وصحيا، قالت إنه أثار غضبا عاما، منها أزمة صحية في أكادير، استحضرت كدليل على هشاشة المنظومة الصحية، بينما دافعت الحكومة، حسب رواية الوكالة، عن الإنفاق على البنى التحتية ووعدت بإصلاحات في قطاع الصحة.
على مستوى التفاصيل التحريرية، حافظت جميع المنابر المعتمدة لقصاصة وكالة “أسوشيتد بريس” على عناصر أساسية هي: شعارات تربط المونديال بتدهور الخدمات، وانتشار جغرافي ومتزامن للتظاهرات، والطبيعة الشبكية (الرقمية) وغير الحزبية، وأرقام تقديرية للاعتقالات.
وكالة الأنباء الإسبانية تغطي الاعتقالات
قدّمت وكالة الأنباء الإسبانية (إيفي) تغطية ميدانية نسجت منها السردية الأكثر انتشارا في المنابر الإسبانية لاحتجاجات نهاية الأسبوع بالمغرب.
في قصاصة لها بتاريخ السبت 27 شتنبر، وصفت الوكالة المشهد أمام البرلمان حيث حال طوق أمني دون تشكّل التجمع، مع تفريقٍ سريع لمحاولات الهتاف وقيام القوات العمومية بتوقيفات بالعشرات.
ونقلت الوكالة الإسبانية عن رئيس فرع الرباط للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، حكيم سيكوك، تقديرًا يفوق 70 موقوفا (بينهم أعضاء بالجمعية). كما أعادت نشر هذه القصاصة منصاتٌ متعددة بينها swissinfo التابعة لهيئة البث السويسرية وABC الإسبانية.
في اليوم الثاني للاحتجاجات (الأحد 28 شتنبر)، وثّقت “إيفي” الدعوة إلى التجمّع عند الساعة الرابعة عصرا في ساحة باب الحد بالرباط، مشيرة إلى انتشار أمني كثيف حال دون تمركز الشبان لفترة طويلة، ما أفضى إلى تفريقٍ سريع واعتقالات جديدة.
قبل توقيفه، قال أحد المشاركين للصحافة وضمنها الوكالة الإسبانية: “خرجنا لأننا نطمح إلى حياة كريمة”. وأكّدت الوكالة أنّ موقوفي اليوم الأول أُفرج عنهم جميعا وفق ما علمته من مصادرها.
وفي تأطيرها لهذه الأحداث، قالت وكالة الأنباء الإسبانية إنها نتيجة تحرك جيل الشباب للمطالبة بإصلاح التعليم والصحة، وبعدالة اجتماعية، ومعالجة البطالة. وقدّمت الوكالة في هذا السياق رقما حول بطالة الشباب، بلغ 47% في الربع الثاني من 2025 استنادًا إلى معطيات بنك المغرب، وهو ما وفّر خلفية تفسيرية لسرعة التعبئة وحدّة الشعور الاجتماعي وسط الفئة العمرية المعنية.
على صعيد بناء سرديتها حول الأحداث، اعتمدت الوكالة الإسبانية على أربعة عناصر أساسية، هي أولا الطابع الجيلي للاحتجاجات، وعدم ارتباطها بأي تأطير حزبي؛ وثانيا الطابع الحضري للاحتجاجات باعتبار انتماء جل المشاركين فيها إلى المدن؛ وثالثا رفع مطالب اجتماعية مع ربطها بأولويات الإنفاق العمومي وإثارة موضوع المونديال، ورابعا عنصر التدخل العنيف للسلطات ومنع الوقفات واعتقال العشرات.
تركيز فرنسي على الاعتقالات
بدأت وكالة الأنباء الفرنسية قصاصة لها حول هذه الاحتجاجات نشرتها صباح اليوم الإثنين 29 شتنبر، صحيفة “لوموند”، بالحديث عن الاعتقالات التي قامت بها السلطات المغربية عقب تظاهرات الشباب في اليومين الماضيين.
فيما كانت قناة “فرانس 24” بنسختها الفرنسية، قد قادت التغطية الفرنسية لهذه الأحداث، حيث قدّمت صورة عامة عن موجة تجمعات شبابية في مدن عدّة (بينها الرباط والدار البيضاء وطنجة وأكادير)، رفعت مطالب مرتبطة بجودة التعليم والصحة، وواكبتها تدخلات أمنية واعتقال “عشرات” المحتجين.
القناة ركزت في تغطيتها على كون الدعوات خرجت من تنسيقيات شبابية رقمية، مع رفع شعارات اجتماعية مباشرة وحضور لافت للفتيات، ونقلت مشاهد التفريق بالقوة قرب البرلمان في العاصمة الرباط.
وانتشرت رواية “فرانس 24” على نطاق واسع عبر منصات فرنسية ودولية. فقد أعادت “ياهو نيوز” باللغة الفرنسية نشر الخلاصات نفسها تقريبا، مؤكدة سياقا مباشرا للاحتجاجات يتمثل في الصدمة التي خلّفها إعلان وفاة ثماني نساء بعد عمليات قيصرية في مستشفى عمومي بأكادير، وهو ما ربطته هذه التغطيات بفكرة “اختلال أولويات الإنفاق” بين التحضير للمونديال والخدمات الأساسية.
وتتقاطع ثلاث رسائل كبرى في المشهد الإعلامي الفرنكوفوني: الطابع الرقمي لدعوات التظاهر للمطالبة بخدمات اجتماعية أساسية؛ ثم مسألة الأولويات في الإنفاق العمومي في علاقة بتنظيم المونديال؛ وثالثا مواكبة إخبارية للطابع العنيف لتفاعل الدولة مع هذه الاحتجاجات.