story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
ثقافة |

“جناح الزرقة”.. معرض جديد لخالد الساعي يستحضر ذاكرة أصيلة بالحروفية – حوار

ص ص

افتتح الفنان والخطاط السوري خالد الساعي السبت 27 شتنبر 2025، معرضه الجديد بمركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية في أصيلة، ضمن فعاليات الدورة الخريفية السادسة والأربعين لمنتدى أصيلة الثقافي.

وجاء المعرض تحت عنوان “جناح الزرقة”، والذي اشتغل عليه الفنان لأكثر من سنة ونصف، لإنجاز مجموعة من اللوحات التي تمزج بين الحروفية كفن يستلهم الخط العربي، وبين تقنيات معاصرة مثل الكولاج، في محاولة لترجمة النصوص الشعرية والأدبية إلى أعمال بصرية.

الساعي، الذي عُرف بجدارياته المرسومة في أصيلة على مدى أكثر من عشرين زيارة، يعود هذه المرة بمعرض فردي يصفه بأنه “عرفان وامتنان” للمدينة التي يعتبر نفسه أحد أبنائها.

وفي هذا الحوار، يحدثنا خالد الساعي عن تجربته ومعرضه، كما يتوقف عند علاقته الخاصة بمدينة أصيلة، وأهمية منتداها الثقافي بالنسبة له.

  • أولا، حدّثنا عن معرضك “جناح الزرقة” وما الذي يميّزه؟

المعرض كان في البداية بعنوان أطول وهو “أصيلة جناح الزرقة وشرفة المخيلة”، غير أنني شعرت أن العنوان طويل، فاختصرته، لكنني ما زلت أصرّ على فكرة “شرفة المخيلة”، لأنها تعبّر عن جوهر المشروع الفني، فالمعرض ليس مجرد لوحات مرسومة، بل هو رحلة داخل المخيلة، واستعادة لعلاقتي الشخصية بالمدينة على مدى سنوات طويلة.

على المستوى التقني، اعتمدتُ على الحروفية، أي توظيف الحرف العربي في لغة تشكيلية حديثة، لكنني أضفت إليها بعدًا آخر عبر تقنية “الكولاج”، أي الجمع بين الصور والكتابة في تركيب بصري واحد، في هذه التجربة، حاولت أن أخلق لغة خاصة بي، لا تُشبه لغة أحد، بل تنبع من مخيّلتي ومن علاقتي المتجذرة بالكلمة وبالصورة في آن واحد.

اللوحات نفسها تحضر فيها نصوص لشعراء ارتبطوا بأصيلة مثل محمود درويش، نوري الجراح، ومحمد سالم، هؤلاء كتبوا عن المدينة أو زاروها وتأثروا بها، وأنا بدوري حاولت أن أترجم نصوصهم إلى لوحات، أن أحوّل الكلمة إلى صورة، والشعر إلى تشكيل بصري.

وإلى جانب بعدها الجمالي، فإن هذه الأعمال تتطرق أيضاً إلى مواضيع إنسانية كبرى، من بينها الهجرة بما تحمله من معانٍ عن الرحيل والبحث عن الأفق، ثم التخيل كمساحة لا نهائية للحرية، إضافة إلى تصوير أصيلة كجوهرة المحيط حين تُرى من السماء، بكل ما تحمله من رمزية على الجمال والانتماء والذاكرة.

  • لماذا يشكّل الخط العربي عنصراً أساسياً في أعمالك؟

الخط بالنسبة لي ليس مجرد وسيلة للكتابة، بل هو طاقة بصرية تحمل في طياتها التاريخ والروح والتخيل، اللوحة عندي تقوم على جدلية أساسية: الصورة تمثل الواقع الثابت الملموس، أما الحرف فيمثل عالم الخيال والانفتاح على اللامرئي، بين الاثنين، أبحث عن مساحة مشتركة يتفاعل فيها المتلقي مع العمل.

حين يشاهد أحدهم لوحة لي، أريده أن يجد نفسه داخلها، أن يرى ألواناً وأشكالاً تحاكي ذاكرته ومزاجه وتجربته الخاصة، لذلك أترك دائماً مساحة من الفراغ المقصود، ليملأها المتلقي برؤيته، بالنسبة لي، الحروفية بهذا المعنى ليست إعادة إنتاج للخط التقليدي، بل هي وسيلة لابتكار لغة تشكيلية جديدة، فيها من التجريد كما فيها من التشخيص.

  • وماذا عن المتلقي، ما الذي تريده أن يشعر به وهو يقف أمام إحدى لوحاتك؟

أؤمن أن اللوحة لا تعيش إلا حين يقف إنسان أمامها، فمن دون المتلقي، تبقى مجرد مساحة صامتة من الألوان والخطوط، أحبّ كثيرًا بيت الشعر الذي يقول “هنا لا شيء ينبض سوى طائر يأتي ويذهب”، بالنسبة لي، الإنسان يشبه ذلك الطائر حين يقف أمام اللوحة يمنحها حياة، يوقظها من سباتها، ثم يتركها ويحلّق كما يشاء.

لذلك لا أفرض معنىً محدداً على المتلقي، أريده أن يرى نفسه، أن يسمع نبضه الداخلي، وأن يكتشف معانيه الخاصة، فقد يرى أحدهم في لوحة ما أثراً للهجرة، وآخر قد يلمح فيها صورة البحر أو السماء أو المدينة، وهذا التنوع هو ما يجعل اللوحة حية ومتجددة مع كل نظرة جديدة.

  • أصيلة حاضرة بقوة في أعمالك، ما الذي يجعلك تعود إليها باستمرار؟

أصيلة بالنسبة لي ليست مجرد مدينة، إنها فضاء للحلم، كلما زرتها شعرت أنني أعود إلى بيت أعرفه جيداً، تعرفت عليها أول مرة بفضل الراحل محمد بن عيسى، ومنذ ذلك الحين دخلت في علاقة خاصة معها، زرتها أكثر من عشرين مرة، ورسمت جداريات عديدة في شوارعها، واليوم أعود بمعرض فردي لأول مرة.

أصيلة بالنسبة لي أنثى، امرأة، متحف مفتوح على البحر والسماء، فيها التقاء الأدب بالفن، الشعر باللون، المخيلة بالواقع، سافرت إلى أكثر من ألف مدينة في العالم، لكنني دائماً أعود إليها، هناك شيء ما في أجوائها لا يفارقني، أصدقائي، ذكرياتي، الحوارات التي عشتها هنا… كل ذلك يجعلني أعتبر نفسي ابن هذه المدينة.

  • إلى أي حد ترى أن منتدى أصيلة استطاع أن يرسخ مكانته كجسر للتواصل بين المبدعين والثقافات المختلفة؟

المنتدى ليس مجرد حدث سنوي، بل هو جسر عالمي يربط الفنانين والمفكرين من مختلف القارات، هنا، في هذه المدينة الصغيرة، نلتقي بفنانين من أقاصي الأرض، وندخل في حوار مكثف يثري تجاربنا جميعاً.

بالنسبة لي، المنتدى منحني فرصة ليس فقط لعرض أعمالي، بل لبناء علاقات إنسانية وفنية عميقة، كل مرة آتي إلى أصيلة أعود شخصاً مختلفاً، فهي تضيف لي بعداً جديداً، وهذا المعرض هو أيضاً نوع من العرفان لهذه المدينة وللمغرب ككل، وامتنان لما منحاني إياه من إلهام، من صداقات، ومن تجارب غيّرتني فنياً وإنسانياً.