story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
بيئة |

سببها مصانع الفوسفاط والسردين والزيتون.. دراسة تكشف كارثة بيئية في سواحل آسفي

ص ص

نشرت مجلة Desalination and Water Treatment دراسة علمية حديثة لفريق من الباحثين المغاربة، كشفت عن صورة مقلقة حول وضع الساحل البيني لمدينة آسفي، الذي أصبح منطقة مختلطة بين مياه البحر ومياه الصرف غير المعالجة.

وخلصت الدراسة التي استمرت أكثر من سنة وغطت عدة محطات على طول الساحل، إلى أن المدينة تواجه تلوثًا خطيرًا بالمعادن الثقيلة وبمواد عضوية سامة، مصدرها المصانع الكيماوية والغذائية، إضافة إلى شبكات الصرف الصحي.

وضمّ فريق البحث مجموعة من الأساتذة والباحثين المغاربة، وهم : فاطمة رفيق، محمد تيشيتاش، حفيظ أشتاك، يونس بوندير، حسناء كواليا، محمد سيسواند، ابتسام منضرية، وفاء شريفي، وعبد الله الدهبي، الذين عملوا بشكل جماعي على إنجاز هذه الدراسة الميدانية الدقيقة.

واعتمد الباحثون في دراستهم، على خمس محطات رئيسية لأخذ العينات، شملت الميناء، المصانع الغذائية، المصرف الرئيسي للصرف الصحي، والمركب الصناعي للفوسفاط، إضافة إلى محطة مرجعية بشاطئ رأس بدوزة شمال آسفي.

ورغم اختلاف طبيعة كل محطة، إلا أن الخلاصة كانت متشابهة: كل المواقع الملوثة سجلت نسبًا مرتفعة من الرصاص والكادميوم بشكل خاص، إلى جانب النحاس والزنك، وهي معادن معروفة بسميتها العالية على الكائنات البحرية وصحة الإنسان.

وإلى جانب المركب الفوسفاطي، رصدت الدراسة مساهمة وحدات صناعية أخرى في التلوث ويتعلق الأمر بمصنع “يونيـمر” لتعليب الأسماك الذي يطرح مخلفات معالجة السردين والماكريل مباشرة في البحر ومعامل الزيتون والكبار (CAPREL) التي تُنتج مياه صرف غنية بالأملاح والمواد العضوية وكذا المصرف الرئيسي للصرف المنزلي الذي يجمع نفايات آلاف الأسر ويقذف بها نحو الساحل.

وتشير الدراسة إلى أن هذه المصادر مجتمعة تجعل من الساحل البيني حوض استقبال مفتوح لكل أنواع الملوثات، من مواد عضوية قابلة للتحلل إلى معادن ثقيلة سامة.

بيئة حمضية ومعادن “الفوسفاط” السامة

ومن بين النتائج الأكثر إثارة للقلق أن مياه الصرف الصحي أظهرت درجة حموضة منخفضة (pH حمضي) تجعل البيئة البحرية أكثر هشاشة. بحيث أن المياه الحامضة تذيب أصداف المحار والرخويات وتزيد من قدرة المعادن على الانتشار والتسرب داخل السلسلة الغذائية.

كما سُجلت أيضا درجات حرارة مرتفعة في بعض المحطات، خاصة قرب مركب الفوسفاط، حيث تُطرح مياه التبريد الصناعية بانتظام.

المحطة الخامسة، التي تستقبل مخلفات المركب الصناعي للفوسفاط، بدت الأكثر تلوثًا على الإطلاق. إذ أن الدراسة تحدثت عن مستويات قياسية من الملوحة والعكارة، مع تواجد مكثف للفوسفوجيبسوم، وهي مادة ناتجة عن صناعة الأسمدة الفوسفاطية وتُعرف بتأثيرها المدمر على الحياة البحرية.

وقد تجاوز مؤشر التلوث في هذه المنطقة أربعة أضعاف المسموح به عالميًا، ما جعل الباحثين يصفونها بـ “النقطة الحرجة”.

أرقام تفوق الحدود القانونية

وأظهرت التحاليل أن نسب الطلب البيولوجي على الأوكسجين (BOD5) تجاوزت أضعاف الحد المسموح به قانونيًا، وهو ما يعكس تلوثًا عضويًا كثيفًا.

أما نسب الطلب الكيميائي على الأوكسجين (COD) فقد بلغت ثلاثة أضعاف ما تسمح به التشريعات المغربية. هذه المؤشرات تعني أن مياه البحر قرب آسفي لم تعد قادرة على تجديد نفسها أو حماية الكائنات الحية التي تعتمد عليها.

الساحل البيني الذي درسته البعثة العلمية ليس مجرد شريط صخري، بل هو نظام بيئي غني بالأعشاب البحرية والقشريات والرخويات، ويمثل قاعدة السلسلة الغذائية البحرية. ولذلك، فإن تدهوره يعني تهديدًا مباشرًا لمصايد الأسماك، وبالتالي لمصدر رزق آلاف الصيادين بالمدينة.

ولم تتوقف الدراسة عند التشخيص فقط، بل قدمت توصيات عملية حول إنشاء محطة للمعالجة المسبقة لمياه الصرف الصناعي والمنزلي وإطلاق برنامج مراقبة دوري لقياس مستويات التلوث و حماية المنطقة البينية باعتبارها “خط الدفاع الأول” عن التنوع البيولوجي الساحلي.

بين الصناعة والبيئة

الخلاصة التي توصل إليها الباحثون واضحة: مدينة آسفي، التي جعلتها الصناعات الكيماوية والفوسفاطية مركزًا استراتيجيًا على الخريطة الاقتصادية، تدفع ثمنًا بيئيًا باهظًا. فبينما تُدر الصناعة أرباحًا ضخمة، يظل الساحل البحري يعاني في صمت من تراكم الملوثات.

وهنا يطرح السؤال نفسه: هل ستتحرك السياسات العمومية لتصحيح هذا الوضع وحماية الساحل، أم ستظل آسفي عالقة في صورتها كـ “مدينة الفوسفاط والتلوث”؟

*صلاح الدين خرواعي